تحية ثورية لكل رفيق...لكل تقدمي

ستنتصر الطبقة العاملة في صراعها حتما ضد البورجوازية

mardi 21 décembre 2010

حسقيل قوجمان:النقابات العمالية، مصادر قوتها واسباب ضعفها


في هذا اليوم احيي عمال العالم اجمع بعيدهم الاغر، الاول من ايار، عيد العمال العالمي. قمت صباح هذا اليوم فلم اجد فيه ما يختلف عن سائر ايام السنة. الشمس نفس الشمس والغيم نفس الغيم والريح تهدر وتداعب قمم الاشجار كما فعلت بالامس. فما الذي يميز هذا اليوم عن سائر الايام؟ ان ما يميز هذا اليوم عن سائر الايام هو انه رمز. انه رمز يذكر عمال العالم بشعار معلمهم الخالد كارل ماركس، شعار "يا عمال العالم اتحدوا" انه رمز يذكر عمال العالم بامور كثيرة منها الايجابي والمزهر ومنها السلبي والمؤلم. فلعمال العالم امجاد باهرة يعتزون بها ولعمال العالم انتكاسات واندحارات في نضالاتهم ضد مستعبديهم الراسماليين عليهم ان يتذكروها ويتخذوا منها العبر والدروس. ولعل اهم ما يتذكره عمال العالم ويجب ان يتذكروه في هذا العيد هو شعار معلمهم الخالد كارل ماركس، شعار "يا عمال العالم اتحدوا".
مر على رفع هذا الشعار قرن ونصف وبقي شعارا رئيسيا لعمال العالم ثابتا لم يتغير رغم كل التغيرات والتقلبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي طرأت على العالم خلال هذه الحقبة الطويلة من حياة المجتمع.
كيف بقي هذا الشعار ثابتا طيلة هذه المدة وما سبب هذا الصمود والبقاء؟ بقي هذا الشعار ثابتا لم يتغير لانه شأنه شأن علم كارل ماركس، الماركسية، شعار علمي منسجم مع قوانين مسيرة المجتمع الانساني. ان هذا الشعار لم يتحقق بعد ولو مرة واحدة في هذا التاريخ ولكن اسس تحقيقه موجودة وثابتة وقابلة للتحقيق. وهذا سر خلود هذا الشعار.
فما هو الاساس العلمي الذي يجعل هذا الشعار شعارا دائما لعمال العالم؟ ان الاساس العلمي لهذا الشعار هو ان عمال العالم جميعهم طبقة واحدة. طبقة وضع التاريخ على عاتقها مهمة القضاء على كل انواع المجتمعات الطبقية القائمة على اساس استغلال الانسان للانسان وانشاء اول مجتمع انساني حقيقي، المجتمع الاشتراكي، والمجتمع الشيوعي. فمهما اختلفت ظروف واحوال فئة من هذه الطبقة عن ظروف واحوال فئة اخرى من الناحية الاقتصادية او السياسية او الاجتماعية تبقى مهمتها التاريخية ثابتة لا تتغير. فما هو السبيل الى تحقيق هذا الشعار؟ ان اهم وسائل تحقيق هذا الشعار هو التنظيم. فبدون تنظيم العمال لا يمكن تحقيق وحدتهم.
يتحدث الناس كثيرا عن تحول عالمنا، نتيجة للتطور التكنولوجي والعلمي والصناعي والاعلامي، الى قرية صغيرة. ولكن هذه القرية الصغيرة ما زالت تتألف من شوارع وعمارات واكواخ ومزابل. مقسمة الى اقطار وبلدان يختلف بعضها عن بعض بثقافتها وتقاليدها واوضاعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فتحول العالم هذا الى قرية صغيرة لم يجعل العالم يتألف من دولة واحدة متماثلة في تطورها وثقافتها وتقاليدها. فما زال العراق عراقا والولايات المتحدة ولايات متحدة وما زالت الولايات المتحدة دولة محتلة مستعبدة للعراق ضمن هذه القرية الصغيرة.
ونظرا لانقسام هذه القرية الصغيرة الى وحدات اصغر منفصلة ومختلفة عن بعضها لا يمكننا ان نتحدث عن شعار "يا عمال العالم اتحدوا" كشعار يتحقق عن طريق التنظيم العالمي مباشرة بل ينبغي ان يبحث هذا الشعار عن طريق تحقيقه في كل وحدة من هذه الوحدات المنفصلة، في كل بلد من هذه البلدان اولا كأساس لتحقيق وحدة عمال القرية كلها. ان ابسط وسيلة من وسائل وحدة العمال في بلد ما هي النقابة. لذا اود ان اتناول في هذا المقال موضوع النقابة العمالية في اي بلد من بلدان القرية الصغيرة.
ما الذي يستطيع الانسان كتابته عن النقابة. فقد كتب الكثير عن النقابات واهميتها وطبيعتها ونضالاتها ونالت الطبقة العاملة خبرات واسعة في تجاربها النقابية. ومع ذلك اعتقد ان من المفيد التحدث والكتابة عن النقابات حتى لو كان الحديث مكررا لان في التكرار فوائد.
ما هي مصادر قوة النقابة؟
ان اهم مصادر قوة النقابة في رأيي هو كونها نقابة حقا. واقصد بهذا ان النقابة يجب ان تكون منظمة يشعر عمال المهنة التي تمثلها بان النقابة هي نقابتهم فعلا. يشعر العامل (اقصد بالعامل ان يتضمن جميع العمال نساء ورجالا) ان هذه النقابة ملجأ له يستطيع فيه ان يعرض مشاكله الاقتصادية والمعاشية وحتى مشاكله العائلية فيجد فيها اذنا صاغية تستمع الى مشاكله وترشده الى طرق حلها وتعمل فعلا على حل المشاكل المشتركة لعمال تلك المهنة. يأتي العمال الى مثل هذه النقابة عن اقتناع ويحبونها ويعملون من اجل تطويرها وصيانتها. بامكان نقابة كهذه ان تجمع في صفوفها الاغلبية الساحقة من عمال المهنة ان لم يكن جميعهم. فمصدر قوة النقابة الامثل هو ان ينضم اليها جميع عمال المهنة عن قناعة وعن حب واخلاص.
ومصدر القوة الثاني بالاهمية حسب رأيي هو قيادة النقابة. لكي تكون النقابة قوية يجب ان تكون قيادتها داخلية. واقصد بالقيادة الداخلية ان يكون قادة النقابة عمالا من اعضائها يثبتون بنشاطهم واخلاصهم وشجاعتهم انهم جديرون بالقيادة فيدفعهم اعضاء النقابة انفسهم الى مراكز القيادة. قيادة كهذه فقط يمكن ان تقود النقابة في نضالاتها قيادة صحيحة وان تحافظ على النقابة وتصونها.
من المعروف ان النقابات العمالية ليست منظمات سياسية، اي ليست احزابا لها برامج سياسية معينة تسعى الى تحقيقها لدى مجيئها الى السلطة. فالنقابات منظمات اقتصادية تناضل من اجل تحسين ظروف عمالها الاقتصادية والمعاشية والصحية. تناضل من اجل زيادة اجور العمال والتخفيف من استغلالهم. تناضل من اجل تحسين ظروف عملهم الصحية. تناضل من اجل تحديد ساعات العمل وضمان حقوقهم التقاعدية الخ...
ولكن هل تقتصر نضالات النقابات على هذه الامور الاقتصادية. الا يمكن ان يتحول طابع نضال النقابات من الطابع الاقتصادي البحت الى طابع سياسي؟ يبقى نضال النقابة مقصورا على الطابع الاقتصادي طالما بقي نضالها محصورا بين النقابة وعمالها من جهة واصحاب عملهم من جهة اخرى. فاذا طالب العمال عن طريق نقابتهم بزيادة الاجور او بتحديد ساعات العمل مثلا واقتصرت المفاوضات على النقاش بين اصحاب العمل والعمال بقي طابع النضال اقتصاديا. ولكن حين يلجأ صاحب العمل الى السلطات لمساعدته على اخضاع العمال وعدم الاستجابة الى مطاليبهم فسرعان ما يتخذ النضال طابعا سياسيا. لان اساليب الدولة في اخضاع العمال هي التي تتخذ الطابع السياسي منذ اللحظة الاولى. وهناك صور اخرى كثيرة لتحول النضال الاقتصادي البحت الى نضال سياسي كالاضرابات التضامنية التي تقوم بها النقابات احيانا لمساندة نقابات اخرى وكالاضرابات العامة والاعتصامات التي قد تحدث لاسباب اقتصادية او سياسية. فرغم ان النقابات هي منظمات اقتصادية في جوهرها فان لها مساهمات في الصراعات السياسية شاءت ام ابت.
واذا وجدت في البلد المعين احزاب سياسية فمن الطبيعي ان ترغب هذه الاحزاب وتعمل على اجتذاب النقابات الى جانبها. وهذا ليس بالامر الغريب بل هو امر طبيعي جدا. ولكن كيف يستطيع حزب ان يجتذب النقابة الى تأييده ومساندته؟ يستطيع الحزب ذلك عن طريق اعضائه الاعضاء في نفس النقابة. فالعضو في حزب معين يدخل النقابة لا بصفته عضو حزبي بل بصفته عضو نقابي فقط. وهذا العضو يمارس نشاطه في اعمال النقابة لا بصفته الحزبية بل بصفته النقابية وحدها. وعن طريق نشاطه وتفانيه في خدمة مصالح النقابة يشعر العمال بان هذا العضو يختلف عن زملائه ويستحق الصعود الى قيادة النقابة. ولكن العمال يعرفون ان هذا العضو النقابي هو عضو حزبي في الوقت ذاته وعن طريق تقدير واستحسان عمل هذا العضو في النقابة يجتذب العمال الى الميل الى حزبه ايضا باعتبار ان الحزب الذي ينتمي اليه هذا العضو النقابي النشيط والمخلص لا بد ان يكون مثله محبا للعمال ومخلصا في خدمتهم. هذه هي الطريقة الوحيدة لاجتذاب عمال النقابة المعينة الى الاتحاهات السياسية القائمة في البلد. وكلما ازداد نشاط اعضاء النقابة لحزب معين ازداد انجذاب العمال الى ذلك الحزب. فالنقابات بهذا المعنى مدرسة يتدرب فيها عمال النقابات على العمل السياسي.
ان شعار ماركس هو توحيد الطبقة العاملة العالمية. ولكن هذه الوحدة لا يمكن ان تتحقق الا عن طريق توحيد العمال البسيط في نقاباتهم. لان توحيد الطبقة اسهل اذا اتخذ شكل توحيد منظمات وليس توحيد افراد. لذا فان النقابات رغم انها ابسط المنظمات العمالية هي الاساس الذي يبنى عليه توحيد الطبقة كلها.
فالنقابة المثلى هي النقابة التي تستطيع جذب الاغلبية من عمال المهنة الى صفوفها عن قناعة وليس قسرا وان تكون قيادتها ناشئة من صفوفها تضم اعضاءها النشطين المخلصين المثابرين على تحقيق مصالح عمالها.
اقول عن قناعة وليس قسرا لان بعض النقابات تضم اعضاءها قسرا وليس عن طريق اقتناع العامل بفائدة النقابة وانضمامه اليها عن طريق هذه القناعة. والانتماء القسري للنقابة يحدث مثلا حين يطلب من العامل ان يكون عضوا في النقابة لكي يحصل على عمله. وعكس ذلك ممكن ايضا حين يرفض اصحاب العمل استخدام العامل اذا كان عضوا في النقابة. فالانتماء القسري الى النقابة ليس من عوامل قوة النقابة.
ما هي اذن عوامل ضعف النقابة؟ اود ان اتحدث عن ظاهرة واحدة هي اهم عوامل ضعف النقابة. اتحدث عن فرض قيادة النقابة من اعلى وليس بصورة طبيعية من بين صفوفها.
من المعروف ان النقابات ليست احزابا سياسية بل منظمات اقتصادية تهدف الى تحسين احوال العامل الاقتصادية والصحية والمعاشية والاجتماعية ضمن النظام السياسي القائم في البلاد. ولكن الاحزاب السياسية تريد ان يكون لها تأثير على النقابات وان تدفع النقابات الى تأييد خطوطها السياسية. وهذا شيء طبيعي. والطريقة المثلى لاجتذاب النقابة نحو تأييد الخط السياسي لحزب ما هي ان يكون اعضاء ذلك الحزب اعضاء في النقابة لانتمائهم الى نفس المهنة التي تمثلها النقابة وان يثبت هؤلاء الاعضاء الحزبيين عن طريق نشاطهم النقابي انهم اخلص وانشط من غيرهم بحيث ان عمال النقابة برجحونهم ويرفعونهم الى مراكز قيادة النقابة.
ولكن مفهوم قيادة النقابة اتخذ احيانا صورا اخرى غير هذه الصورة. اذ ان بعض الاحزاب السياسية ارتأت ان من حقها قيادة النقابات ولذلك استعملت سياسة فرض القيادة من الاعلى. واختلفت وسائل فرض قيادة النقابات من اعلى باختلاف الظروف السياسية في البلاد واختلاف سياسات الاحزاب فيها.
وبما انني اعالج جميع القضايا من وجهة نظري السياسية بصفتي ماركسي اعالج قضية قيادة النقابات ايضا من هذه الوجهة وحدها ولو ان جميع الاحزاب السياسية، التقدمية منها والرجعية، تحاول تحقيق القيادة عن طريق فرضها من الاعلى.
من المعروف ان الماركسيين يعتبرون حزبهم الماركسي حزب الطبقة العاملة الذي يقود العمال والفلاحين في اتجاه تحقيق هدف الحزب الماركسي الاساسي، هدف قيادة العمال والفلاحين في الثورة الاشتراكية والقضاء على النظام الراسمالي. والطريقة الماركسية للحصول على قيادة الطبقة العاملة هي الاقناع عن طريق خوض نضالات طويلة وقاسية يثبت فيها الحزب انه فعلا يعمل لمصلحة الطبقة العاملة ويقودها في طريق خلاصها من عبودية الراسمالية. ولذلك فالحزب الماركسي هو طليعة الطبقة العاملة. واستخدم هنا عبارة الحزب الماركسي لان الاحزاب الماركسية اتخذت اسماء مختلفة في مراحل مختلفة. ففي ايام الاممية الثانية كانت الاحزاب الماركسية تطلق على نفسها احزابا اشتراكية ديمقراطية. وحين تخلت الاممية الثانية عن الماركسية في الحرب العالمية الاولى قررت الاحزاب الماركسية تغيير اسمها فاصبحت تطلق على نفسها اسم الاحزاب الشيوعية وكان هذا شرطا من شروط قبول الاحزاب الماركسية في الاممية الثالثة، الاممية الشيوعية. وكان اول الاحزاب التي اطلقت على نفسها اسم الحزب الشيوعي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، حزب لينين وستالين، الحزب البلشفي. ودامت هذه التسمية حتى يومنا هذا. ولكن التحول الذي طرأ على الاحزاب الشيوعية بعد تخلي الخروشوفيين عن الماركسية جعلت اسم الحزب الشيوعي غير صالح للتعبير عن الحزب الماركسي. لذا نشأت تسميات جديدة مثل الحزب الشيوعي العمالي والحزب الشيوعي الكادر والحزب الشيوعي اللجنة المركزية والحزب الشيوعي القيادة المركزية الى اخر ذلك بينما على النطاق العالمي ظهرت تسميات اخرى مثل الاحزاب الشيوعية الاوروبية او الاوروشيوعية وتخلت بعض الاحزاب عن كلمة الشيوعية بالمرة وابدلت اسماءها باسماء اخرى لا تحتوي على كلمة شيوعية. وتخلت الاحزاب التي استبقت اسم الشيوعية عن الماركسية واللينينية. لذا اكتفي بتسمية الحزب الحزب الماركسي اي الحزب الذي يعتنق الماركسية بمفهومها الحقيقي نظرية له وينفذها تنفيذا حقيقيا في نشاطه السياسي.
من جملة الانحرافات عن الطريق الماركسي الذي سلكته بعض الاحزاب الشيوعية هو مفهوم قيادة الطبقة العاملة. فقيادة الطبقة العاملة بالمفهوم الماركسي هو اجتذاب الطبقة العاملة عن طريق النضال المثابر لكي تسير وراء الحزب. فالحزب الماركسي هو طليعة مجاهدة من الطبقة العاملة.
ولكن بعض الاحزاب فسرت عبارة قيادة الطبقة العاملة او طليعة الطبقة العاملة تفسيرا خاطئا. فقد اعتبرت كون الحزب حزب الطبقة العاملة انه يملك الحق وحده في قيادة الطبقة العاملة كان الطبقة العاملة ملك له اكتسبه من جراء تسمية حزبه بحزب الطبقة العاملة. وبهذه العقلية عملت بعض الاحزاب الشيوعية على فرض قيادة النقابات العمالية من اعلى واحتكار القيادة لا عن طريق الاقناع بل عن طريق الفرض. وهذا اهم عوامل ضعف النقابات وتحطيمها.
اود ان اورد على ذلك مثلا واحدا فقط مستمدا من واقع فرض الحزب الشيوعي العراقي قيادة النقابات من الاعلى. بعد ثورة ١٤ تموز كانت هناك ظروف مؤاتية لتأسيس النقابات العمالية. وقد بادر الحزب الشيوعي الى تأسيس النقابات وحتى الى تأسيس اتحاد النقابات. ولكن كيف قاد الحزب الشيوعي هذه النقابات؟ قادها بأن عين عضوا من اعضائه رئيسا لكل نقابة جرى تأسيسها. كان بين هؤلاء الاعضاء الحزبيين شخصيات لها تاريخها العريق في النضال النقابي وكان بينهم من لم تكن له اية تجربة او خبرة في النضال النقابي. ولكن النتيجة كانت واحدة بصرف النظر عن شخصية القائد الذي عينه الحزب. كان القائد النقابي غريبا عن النقابة اذ لم يكن عاملا فيها ولم يكن العمال يعرفونه عن طريق نضاله النقابي النشط بين صفوفهم. فاصبح هذا القائد النقابي بالضرورة رئيسا بيروقراطيا للنقابة لم يشعر العمال بانه منهم واليهم.
التقيت يوما سنة ١٩٥٩بأحد زملائي في السجون وكان قبل سجنه طالبا جامعيا. وقد عينه الحزب رئيسا لاحدى النقابات. فسألته لماذا سلك الحزب هذه السياسة تجاه النقابات؟ فكان جوابه ماذا تريد هل نسلم القيادة؟ والتقيت بزميل اخر من زملاء السجن عينه الحزب رئيسا لنقابة عمال الميناء في البصرة ولم يكن عند وجوده في السجن كادرا او شيوعيا بارزا. التقيت به صباح يوم في شارع الرشيد فسألته عن احواله فاخذ يقص علي قصة مركزه كرئيس نقابة عمال الميناء. فقال لي انه جاء من البصرة لحضور اجتماع الاتحاد فسافر من البصرة الى بغداد بالطائرة وهو يقيم في افخم فنادق بغداد ووصف لي كيف انه حين يخرج من الفندق لحضور الاجتماع يأتي عامل الفندق ليفتح له باب التاكسي لكي يدخله.
فماذا كانت النتيجة. حين تألف اتحاد النقابات رسميا نال الحزب اكثر من تسعين بالمائة من اصوات العمال لانه لم يسمح بوجود اية قائمة انتخابية عدا القائمة الحزبية واستخدم حتى نفوذه في وزارة الدفاع لتحقيق ذلك. وحضر مؤتمر الاتحاد الزعيم عبد الكريم قاسم والقى خطابا فيه. ولكن عبد الكريم قاسم نفسه قرر بعد ايام معدودة غلق الاتحاد واعتقال جميع اعضائه ومصادرة املاكه. ولم يشعر العمال بحاجة الى القيام باية حركة من اجل المحافظة على اتحادهم كالقيام بمظاهرة مثلا للمطالبة باعادة الاتحاد واطلاق سراح قادته. وهذا دليل على ان قيادة الحزب لاتحاد النقابات لم تكن قيادة حقيقية ولم يكن العمال يشعرون بان هذه القيادات هي قياداتهم الحقيقية التي ينبغي عليهم ان يناضلوا من اجل صيانتها. وفي السنة التالية جرت انتخابات لاتحاد النقابات فنال القوميون هذه المرة الاغلبية الساحقة لقيادة الاتحاد مستخدمين نفس الطرق التي استخدمها الحزب الشيوعي قبلهم.
ان احتكار قيادة النقابات هي اشد العوامل خطورة على كيان النقابات وعلى كيان الحزب الذي يقود النقابات قيادة قسرية مفروضة من الاعلى.
واليوم نشأت في العراق نقابات واتحاد نقابات بعد اسقاط نظام صدام. ولا اعرف شيئا عن طبيعة هذه النقابات وكيفية نشوئها وطريقة قيادتها. ولكني قرأت مقالا يشير الى ان مجلس الحكم المؤقت، مجلس بريمر، اصدر بعض القوانين التي تفرض على النقابات قيادة من اعلى، من مجلس الحكم نفسه او الاحزاب والنظمات الممثلة فيه.
ان الخطر على النقابات اليوم هو نفس الخطر الذي كان بالامس. فمال لم تتحقق قيادة النقابات من صفوفها على اساس نشاط عمالها بصرف النظر عن الاحزاب التي ينتمون اليها لن تكون هذه النقابات منظمات حقيقية تعمل لمصلحة عمال النقابة سواء من الناحية الاقتصادية ام من الناحية السياسية. ونصيحتي الى كل حزب يعتبر نفسه ممثلا للطبقة العاملة ان يتجنب سلوك مثل هذه السياسة التي لا تؤدي الا الى تحطيم النقابة وتحطيم الحزب ذاته باعتباره ممثلا للطبقة العاملة.

حسقيل قوجمان
١٢ نيسان ٢٠٠٤

mardi 14 décembre 2010

الفوضويون (الأناركيون) ما زالوا يضلّون :فؤاد النّمري

ليس لدي أدنى شك في أن كارل ماركس انتهى في العام 1873 إلى حل الأممية الأولى، التي كان قد أقامها في العام 1864 ، بعد أن تحقق، إثر انهيار كومونة باريس 1871، من أن عمال العالم لم يرتقوا بعد إلى المستوى الذي يؤهلهم للقيام بالثورة الإشتراكية التي استشرفها في مجرى التطور الرأسمالي . ولذلك حلّها ولم يقم بأي جهد آخر في ذات المنحى حتى وافاه الأجل بعد عشر سنوات 1883 . ثمة تقارير أخرى تفيد بأن ماركس قام بحل الأممية الأولى بعد أن ضجر ضجراً شديدا من مؤسس المدرسة الفوضوية ميخائيل باكونين ؛ ويدللون على ذلك بأن ماركس كان في العام 1872 قد نقل مقر الأممية من بروكسل في بلجيكا إلى شيكاغو في أميركا هرباً من ضجيج باكونين المزعج في أوروبا وفوضويته التي تعتمد على الأدلجة دون أن يكون لها أية مقاربة للواقع ؛ ولما لم ينفع الإبتعاد قام بحلّها . ليس بالوسع إنكار مثل هذه التقارير طالما أن الفوضوية ليست إلا إيديولوجيا منحطة تفعل فعل الأفيون وتبشر الفقراء والمعدمين بالانتقال صبيحة اليوم التالي إلى فردوس الشيوعية المفقود دون عبور برزخ الإشتراكية الصعب والمعقد بقيادة دولة دكتاتورية البروليتاريا، العبور الذي يتطلب من الشيوعيين جهوداً جبارة تفوق جهودهم التي أتت بهم إلى السلطة . مثل هذه الإيديولوجيا المنحطة تحول دون ارتقاء العمال إلى السويّة الثورية التي تتطلبها الثورة الإشتراكية . لقد عانت الحركة الشيوعية من التيار الفوضوي منذ نشوئها مع صدور البيان الشيوعي 1848 وحتى نهاية التروتسكية وقد انضوى إليها التيار الفوضوي . وها هي اليوم تطل برأسها من جديد بعد انهيار المشروع اللينيني لتشوّش على الفكر الماركسي موظفة انهيار المشروع اللينيني بفعل الصراع الطبقي لصالح إدّعاءاتها القاضية بالقفز عن مرحلة الإشتراكية بقيادة دكتاتورية البروليتاريا التي ثبتت ضرورتها كي تغلّب البروليتاريا على الطبقات المعادية وتعمل على محو كل الطبقات من أجل الدخول إلى الحياة الشيوعية .

عثرت مصادفة على مقالة كان قد كتبها قبل أيام أحد الفوضويين ـــ يخجل الفوضويون من اسمهم ولذلك يحتفظون باسمهم بالإنجليزية وهو الأناركيون ــ يطعن في أطروحتى حول انهيار الرأسمالية ويتهمني بموالاة الإمبريالية الأميركية، إذ كتب .. [ وفؤاد النمري الذي يتحفنا بنظرية أن النظام الأميركي لم يعد نظاماً رأسمالياً وأصبح نظاماً "استهلاكياً؟؟!!" تلميع وجه "الديموقراطية !!" الأميركية ونفي وجود الإمبريالية وصبغها باللون "الأحمر"، فإن حبل الكذب الديماغوجي سيبقى قصيراً وقصيراً جداً بالمعنى التاريخي، مهما طال بالمعنى الروزنامي ] ـ مع الإعتذار عن التفكك اللغوي . 

إجابة على مثل هذا الشطط وسوء الفهم، يتوجب علي أن أساعد هذا الأناركي ولا أتركه ينتظر لدقائق نهاية " حبل الكذب الديماغوجي القصير " فأشير إلى ما كتبه هو نفسه قبل أسطر في ذات المقال، إذ قال .. " إن اللصوص الذين سرقوا الاقتصاد الأميركي بكل علاّته، ينبغي إنقاذهم ـ أي مكافأتهم ـ بـ 700 مليار دولار جديدة، من خارج الدورة المالية القائمة؟ هي ببساطة أن يقوم بنك الاحتياط المركزي الأميركي (أي مطبعة الدولارات التي يشرف عليها اليهود) بطباعة 700 مليار دولار جديدة لا تتجاوز كلفتها (كحبر وورق وأفلام ويد عاملة واستهلاك آلات) بضعة آلاف الدولارات، ورميها في الدورة المالية الأميركية والعالمية كي يدفع "قيمتها" المواطن الأميركي والعالمي وخصوصاً الأغنياء (مثل عرب النفط) المرتبطين بالدولار، وفقراء العالم الذين لا حول لهم ولا طول، والذين ليس لديهم ما يدفعونه سوى عرق جباههم ودماءهم " .

ما كنت لأدافع عن صحة أطروحتي، بالتحول من الإقتصاد الرأسمالي في أميركا إلى الإقتصاد الإستهلاكي، كما دافع هذا الأناركي الفوضوي دون أن يعي ما يقول ! يقول أن الإدارة الأميركية تسرق الإقتصاد الأميركي ـ الرأسمالي كما يعتقد ـ كيف يكون هذا ؟! الدولة الرأسمالية تسرق اقتصادها الرأسمالي !! كيف يسرق ربّ العائلة عائلته ؟!! ليفسر لنا الأناركي هذه الحزورة !! السرقة كواقعة، متمثلة بطباعة دولارات مفرغة من كل قيمة، ليست محل شك ؛ إذاً لا بدّ من أن يكون ثمة شبهة في الربّ أو في العائلة ـ إما أن الرب ليس هو رب العائلة الحقيقي وإما أن العائلة ليست عائلة هذا الرب ـ أو في كليهما ! أطروحتي، التي لا تحتمل التذاكي طالما أنها تصف الحقائق الماثلة على الأرض كما هي، تقول .. لا الإقتصاد الأميركي اليوم هو اقتصاد رأسمالي ولا الدولة الأميركية هي دولة رأسمالية، وإلاّ لما كانت السرقة . الأناركية ليست إلا إيديولوجيا لا تقوم على دراسة علمية وموضوعية للإقتصاد . يرفض الأناركيون النظام الرأسمالي لأنه يفتقد العدالة والمساواة والتراحم لكنهم بذات الوقت لا يعرفون كيف يواجهونه ؛ إنهم يجهلون المسار الصحيح المؤدي إلى تفكيكه وهو الهدف الذي يشاركون به الشيوعيين . 

الرأسماليون يشرّعون دستورهم على أساس وحيد هو قانون القيمة الرأسمالية التي يستوثنونها بالنقد ـ شريعة القيمة الرأسمالية لها وثن وحيد هو الدولار (أو أي نقد آخر) . يؤكد الكاتب الأناركي أن الوثنيين قاموا بتزييف وثنهم، لكأن الذين يعبدون الله قاموا بتزييف الله !! كيف يحدث ذلك ؟! لا يمكن أن يكون ذلك إلا إذ أقلع الوثنيون عن عبادة الوثن أو أقلع المؤمنون بالله عن عبادة الله . حالما بدأت الدولة الأميركية بتزييف عملتها، أي بطباعة تريليونات الدولارات المفرغة من كل قيمة، فإنها تكون بذلك قد تخلّت عن هويتها الرأسمالية ولم تعد دولة رأسمالية ـ وهو ما كنت قد طرحته في كتابي الصادر في العام 92 بعنوان " أزمة الإشتراكية وانهيار الرأسمالية " . تخمينات عدد من خبراء الإقتصاد اليوم تقول بأن الولايات المتحدة الأميركية طبعت من بعد مؤتمر الخمسة الأغنياء (G 5) الأول في رامبوييه 16 نوفمبر 1975 ما يربو على 600 تريليون من الدولارات التي لا تساوي قيمتها قيمة الورق المطبوعة عليه . بافتراض أن ثمة مبالغة في تخمينات هؤلاء الخبراء، وأن الكتلة النقدية للدولار هي بحدود 200 تريليون، كما يقدر خبير آخر، فهو ما يعني بكلتا الحالتين أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد دولة رأسمالية بل أصبحت لصاً دولياً يسرق الشعوب من خلال بيع دولارات غير مرتجعة، مزيفة ولا قيمة فعلية لها . هذا بحد ذاته كسر للقانون الأساسي للنظام الرأسمالي ونسف كامل لقانون القيمة الرأسمالية . كانت الولايات المتحدة قبل السبعينيات دولة إمبريالية تبيع انتاجها البضاعي للعالم وتفيض عليها جرّاء ذلك أرباح هائلة ؛ لكنها اليوم لا تبذل أي جهد في الإنتاج البضاعي الرأسمالي ؛ تطبع أوراقاً خضراء وتبيعها للعالم، كل العالم، ويعود عليها ذلك بأضعاف أضعاف ما كانت تجنيه بصفتها الإمبريالية، وهو ما أدّى إلى تشوّه هيكلي في المجتمع الأميركي حيث تحوّل عمال البروليتاريا في الصناعات المهجورة إلى عمال في إنتاج الخدمات الفردية غير الرأسمالية . حبذا لو ظلت الولايات المتحدة إمبريالية ! كان وجهها أقل قبحاً وأكثر إنسانية . الولايات المتحدة الأميركية اليوم لا ترغب ولا تستطيع أن تعود دولة إمبريالية كما كانت في السابق . الدولارات التي تجسد شغل العمال الأميركيين في تلك الحالة، حالة الإمبريالية، لا يمكن أن تغطي حجم الإستهلاك الواسع اليوم وقد اعتاد عليه الأميركيون بعامتهم ولا يستطيعون التراجع أو الاستغناء عنه .

نعود إلى أخطر إنقلاب في التاريخ وهو إعلان رامبوييه في نوفمبر 1975ـ ماذا يقول البند رقم (11) من الإعلان؟ يقول .. " ستبذل السلطات النقدية ـ في الدول الخمس المشتركة بالإضافة إلى إيطاليا التي انضمت في نهاية المؤتمر ـ كل جهودها لمقاومة كل تغيرات غير متوقعة في أسعار الصرف في أسواق العملات " . هذا يعني أن أياً من هذه الدول الخمسة وإيطاليا لم تعد ضامنة لعملتها الوطنية، أي أن ضمانة كل عملة لأي من هذه الدول تقع على عاتق الدول الخمسة مجتمعة ومعهم إيطاليا ؛ ومثل هذه الضمانة هي ضمانة كاذبة ولا وجود لها عملياً . كيف لنا أن نصدق أن دولة عظمى رأسمالية كالولايات المتحدة الأميركية تنتج كما في الإحصاءات الدولية ما بين 25 و 30% من مجمل إنتاج العالم لا تستطيع أن تتحمل ضمانة عملتها كيما تؤمن الحق الأولي للدولة في السيادة؟! وكيف لنا أن نصدق أن دولة إمبريالية عظمى كأمريكا، قطب العالم الأوحد، ترهن ضمان عملتها ـ وهو شرط السيادة الأول ـ لدولة أجنبية، بل لدولة شيوعية هي الصين التي لديها في احتياطياتها 1800 ملياراً من الدولارات، هذا عدا عن مئات المليارات الموظفة في الإقتصاد الأميركي؟ ـ أيعقل أن تكون هكذا دولة دولة رأسمالية إمبريالية ؟!

ما أثر ذلك (طباعة الدولار مجرداً من كل قيمة) في الإقتصاد الرأسمالي ؟
أثره عظيم وحاسم حيث يحوّل نظام الإنتاج الرأسمالي إلى نظام آخر مختلف بل معارض للنظام الرأسمالي وهو الإقتصاد الإستهلاكي (consumerism) . هذا بالضبط ما مكن الولايات المتحدة أن تبذخ في الإستهلاك حتى بلغ معدل استهلاكها خلال العقود الثلاثة الأخيرة ما يزيد على معدل إنتاجها ما بين 20 ـ 30% . لئن كانت قيمة مجمل ما أنتجته الولايات المتحدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة مقدرة ب 250 تريليون دولاراً (250 ألف مليار) فإن قيمة ما استهلكته يصل إلى 300 تريليون دولاراً وهي لذلك مدينة اليوم ب 50 تريليون دولار. هذا عداك عن مئات التريليونات من الدولارات الزائفة التي باعتها إلى شعوب العالم بقيمتها الإسمية لكنها تبقى في نهاية الأمر ديناً عليها . من هو ذلك العاقل الذي ما زال يفترض بأن الإقتصاد الأميركي ما زال ذا طبيعة رأسمالية، أو ما زال رأسمالياً في الجوهر ومع ذلك فهو عاجز عن تغطية نفقات شعبه ويثقل على الدولة ديوناً تساوي خمسة أضعاف مجمل الإنتاج القومي بالحسابات الرسمية ولعلها تزيد على عشرة أضعاف بالحسابات الفعلية أو حتى عشرين ضعفاً إذا ما أحتسبت الدولارات الزائفة المباعة للخارج؟! آلية النظام الرأسمالي تتوقف عن العمل تلقائياً حالما تميل كفة النفقات على كفة الواردات وقد مالت قبل أكثر من ثلاثين عاماً في أميركا ورغم ذلك ظل الأميركيون يعملون وينفقون ! كيف للأناركي أن يفسر ذلك ؟! لو استطاع لصدقته بأنني عميل للأمريكان كما تشي أقواله !! 

قلنا أن الدولار (النقد) هو وثن النظام الرأسمالي يعبده بقوة ويبذل النفس والنفيس دفاعاً عنه دون أن يسمح لأية قوة بتزويره أو المساس به، ذلك ليس لأنه الهدف الأخير للعملية الرأسمالية برمتها بل لأنه قبل هذا المسهّل الوحيد (facilitator) لدورة الإنتاج الرأسمالي (نقد ـ بضاعة ـ نقد) . تثبيت قيمته من خارج العملية الرأسمالية كما قضى إعلان رامبوييه يعني مباشرة أن دورة الإنتاج الرأسمالية الحيوية، وهي بأهمية الدورة الدموية للجسم، تتوقف نهائياً حيث أن النقد لا يعود يساوي البضاعة ولا البضاعة تساوي النقد . تتوقف دورة الإنتاج الرأسمالية ولا يعود النظام الرأسمالي أكثر من جثة هامدة متقددة . ما كان بإمكان أميركا أن تطبع تريليونات الدولارات المزيفة إلا بعد أن غدا نظامها الرأسمالي جثة هامدة متقددة . أما كيف تبيع دولاراتها المزيفة للعالم فذلك يتم بفعل المدفع فقط، وقد غدا شعار الدولار الجديد (IN GUN WE TRUST) .

عبثاً يعمل المهمومون بالشأن العام، ويناضل التقدميون من أجل تغيير العالم، ما لم يتعرّفوا على عالم اليوم بما فيه من علاقات دولية وصراعات طبقية وأنماط الإنتاج السائدة ومختلف التفاصيل الدقيقة الأخرى . ما هو قائم اليوم هو أن مختلف المهتمين بالسياسة، وقد أصبحت السياسة مهنتهم الأثيرة، يخطبون ذات الخطاب الذي كانوا يخطبونه قبل ستين عاماً . تغيّر كل شيء في هذا العالم بدءاً من انحلال المعسكر الإشتراكي وانهيار الثورة الاشتراكية، مشروع لينين، وحتى أنماط معاش البشر ومختلف احتياجاتهم، لكن ممتهني السياسة بمختلف ألوانهم ظلوا في مكانهم دون أن يتقدموا إنشاً واحداً ويخطبون ذات الخطاب، خطاب 1947 . الحقيقة التي لا جدال حولها هي أن مقاربة الحالة بقصد تغييرها لا يمكن أن تكون قبل التعرف عليها بكل تفاصيلها . أن يستمر ممتهنو السياسة في الصراخ حول الإمبريالية الأمريكية والتحرر الوطني، ولم يعد هناك إمبريالية ولا تحرر وطني، فذلك لن يجديهم فتيلا ؛ حتى الشعبوية التي ينتظرونها من صراخهم لن يكسبوا منها طرفاً.

لا يجوز أن ننتهي من التعليق على خطاب هذا الفوضوي دون أن نشير إلى الروايات السخيفة التي نقلها عن بعض التافهين من أعداء الإشتراكية حول نهاية حياة لينين . نقل عنهم هذا الفوضوي غير الضليع حتى بالفوضوية (anarchism) مزاعم تدعي أن ستالين كان قد تآمر على اغتيال لينين بالتعاون مع الصهيونية في نهاية أغسطس 1918 . مثل هذا الإدعاء السخيف حقاً يستغبي لينين ويفترض سذاجة لا حدود لها لديه وهو المعروف بذكائه الحاد والخارق . ستالين يتآمر على حياة لينين دون أن تكشفه التحقيقات ومحاكمة المرأة التي قامت بمحاولة الإغتيال وهي عضو في حزب الإشتراكيين الثوريين كانت قد قضت في السجون القيصرية سنوات طويلة ـ لماذا يكلف ستالين إمرأة ومن حزب الإشتراكيين الثوريين العقائديين ؟!! ستالين يتآمر على حياة لينين ومع ذلك دأب لينين على تقريب ستالين إليه طيلة السنوات الست التي عاشها بعد المحاولة ثم أخيراً سمي ستالين خليفة له في وصيته السريّة الشهيرة وفضله على تروتسكي . كنت فيما قبل تقرير خروشتشوف السري الطافح بالأكاذيب الحقيرة عن شخصية ستالين في المؤتمر العشرين للحزب عام 1956، كنت أتضايق كثيراً مما تستبطنه خطابات ستالين من عبادة للينين، لكنني تيقنت من أهمية ذلك فيما بعد التقرير حيث بدأت عصابة خروشتشوف بتطليق اللينينية الأمر الذي أدى بالتالي إلى انهيار الاتحاد السوفياتي . لقد أكد مولوتوف وهو الرفيق الأقرب لستالين أن ستالين كان يحمل في حقيبته حيثما سافر وجه لينين الشمعي (mask-face) ليعلقه مضاءً فوق رأسه عند نومه . رحل لينين في يناير 1924 وعندما رحل ستالين في مارس 1953 كانت صورة لينين الرسمية، وحدها وليس صورة ستالين، ما زالت معلقة في سائر الدوائر الرسمية في أنحاء الإتحاد السوفياتي بما في ذلك فوق رأس ستالين في مكتبه . ليقرأ هؤلاء السفهاء، الذين يتحدثون حديث المؤامرة، قسم ستالين فوق جثمان لينين وقد أقسم بألاً يغطي التراب وجه لينين أبداً الذي سيظل محجّاًً للشعوب وقواها التقدمية تتعلم منه النضال لخير الإنسانية . 

فـؤاد النمـري

dimanche 12 décembre 2010

فؤاد النّمري:نهاية التاريخ وفرانسس فوكوياما


( تشكك فوكوياما حديثاً في صحة نظريته " نهاية التاريخ " لكن أسبابه غير الأسباب التي نجملها في مقالتنا التالية)
رأى صموئيل هنتنغتون، زميل فوكوياما في مادة الإقتصاد السياسي، أن هناك تواريخ عديدة (Histories) للبشرية لكل منها محركه الخاص به فهناك التاريخ القديم الذي تحرك بقوة رغبات وحسد الملوك والأمراء وتاريخ آخر تحرك بقوة صراع الأمم ثم تاريخ ثالث كان محركه صراع الإيديولوجيات وقد إنتهى مع نهاية الحرب الباردة ؛ والتاريخ الذي تخطه البشرية اليوم يتحرك بقوة صدام الحضارات كالصدام القائم اليوم بين الإسلام والحضارة الغربية المستندة إلى الديموقراطية الليبرالية .
لم يقبل فوكوياما وكثيرون غيره مثل هذه القراءة للتاريخ ، فطالما يقص التاريخ تطور علاقة الإنسان بالطبيعة فلا يمكن أن تكون هناك أقاصيص متباينة لهذه العلاقة . لكن ، وقد ترتب عليه أن يعارض ماركس من أجل أن يصل إلى ذات النتيجة التي وصل إليها هنتنغتون وهي إنتصار الحضارة الغربية على ما عداها من حضارات وأن معارضة ماركس لا بدّ وأن تبدأ بتغيير محرك التاريخ الذي كان قد اكتشفه ماركس ، صراع الطبقات ، فقد قال فوكوياما أن للتاريخ محركاً واحداً هو التسلح (!!) وفي معرض إثباته لهذه " الحقيقة " قال أن التسلح هو المحصلة الناتجة عن قوتين مستقلتين هما (1) علوم الطبيعة الحديثة (Modern Nature Science) التي تكفل من جهة استمرار تقدم التاريخ وتوجيه مساره (Directionality) و (2) وعي الذات (Self-conscious) الذي يؤسس للصراع من أجل الإعتراف بالذات (Struggle For Self-recognition) وهو الخصيصة التي خص بها هيجل (Hegel) الإنسان من دون أقرانه في مملكة الحيوان . وعاد فوكوياما بهذه الخصيصة إلى خصيصة أخرى كان قد قال بها أفلاطون وهي نزعة الإنسان للسيادة والسيطرة (Mythos) ؛ وقد أخطأ باعتبارهما ذات الخصيصة علماً بأن معظم الحيوانات إن لم نقل جميعها تتحلى بهذه الخصيصة التي تنبثق من غريزة الصراع من أجل البقاء ، فلذلك نرى أن الأسود تحافظ على سيادتها المطلقة في عرينها ومثلها تفعل ذكور بعض أنواع القردة . وتتناطح أكباش الأغنام من أجل إعتراف القطيع بفحولة الكبش الأقوى . ومن الغريب أن يذهب فوكوياما هذا المذهب ، مذهب التسلح لضمان السيادة والبقاء ، في العام 92 بشكل خاص بعد أن انهار الإتحاد السوفياتي مباشرة وكان أقوى دولة في التسلح والعسكرة !!

ليس من فكرة ضمّنها فوكوياما في نظريته " نهاية التاريخ " لا تستحق النقض المطلق . لكن القيام بمثل هذا العمل يستوجب تسطير مئات الصفحات وهو ما لا تحتمله المقالة. لذلك نكتفي هنا بدحض أفكاره الرئيسية التي تشكل مفاصل أساسية في نظريته المحبوكة حبكة ضعيفة متهالكة .

الفكرة الأولى التي إنطلق منها فوكوياما وهي تغيير محرك عربة التاريخ ، الصراع الطبقي ، واستبداله بمحرك آخر آلته العلوم الطبيعية ويعمل على خصيصة الصراع لدى الإنسان من أجل الإعتراف بالذات ، هذه الفكرة تستند على إفتراضات غير قادرة على تفسير أسباب التوقف الفجائي لهذا المحرك عند نقطة معينة وعدم اشتغاله على الإطلاق إلا بعد ثورة إجتماعية وتغيير النظام الإجتماعي واستئصاله من جذوره . لو أن محرك فوكوياما هو المحرك الفعلي لعربة التاريخ لظلت هذه العربة تسير في خط واحد مستقيم دون توقف ولما تمرحل التاريخ تبعاً لذلك فعاشت البشرية عصراً طويلاً من العبودية ثم إنتقلت إلى عصر الإقطاع ثم إبتدأ عصر الرأسمالية بالميركانتيلية ؛ وظل يظهر في كل عصر طبقتان مختلفتان نوعاً عما سبقهما ، طبقة عليا تحكم وتمتلك الثروة وطبقة سفلى فقيرة ومحكومة . ثم لو كانت العلوم الطبيعية هي أساس التطور لما صادف التاريخ أية أزمات خلال رحلته المستمرة حيث أن تقدم العلوم لا ينعكس في أي شكل من أشكال الأزمة ، وفي مثل هذه الشروط لن يكون وارداً انهيار الإمبراطوريات القديمة ولكان العالم يعيش اليوم في ظل الإمبراطورية الرومانية أو حتى قبلها الفارسية أو الأشورية .

يجهد فلاسفة ما بعد الحداثة في معارضة ماركس ودحض فلسفته " المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية " فيلجأ معظمهم إلى القول بأن المعرفة هي محرك التاريخ كما قال فوكوياما عن علوم الطبيعة الحديثة . ويقتفي أنصارهم من الإقتصاديين أثرهم فيقولون ب " اقتصاد المعرفة " بزعم أن المعرفة قد غدت العامل الحدي في قيمة الإنتاج وليس الشغل كما افترض ماركس . واتساقاً مع هذه الطروحات قرر فوكوياما أن الإنسان ليس حيواناً إقتصادياً فقط بل هو قبل ذلك حيوان يعي ذاته (self-conscious) أي أنه ذو كبرياء وينزع إلى السيادة على سائر المحيطين به . وبهذا يعيدنا فوكوياما إلى الموضوعة الأثيرة لدى الفلاسفة المثاليين والتي تقول في النهاية أن " الله " خلق الإنسان في أحسن تقويم أو على صورته ومثاله أي بكامل وعيه ، مبتعداً بذلك عن ثنائية الإنتاج/المعرفة والتي تؤكد العلاقة الديالكتيكية بين الإنتاج من جهة والمعرفة من جهة أخر وأن المعرفة لا تكون في الأصل إلا بوجود الإنتاج الذي هو أبوها وأمها وأن المعرفة لا تتسع وتتطور إلا من خلال توسيع الإنتاج وتطويره . مثالية الخلق في التوراة والتي أعاد التأكيد عليها هيجل ويتكئ عليها فوكوياما لغاية تأبيد الرأسمالية لم تعد تحظى بأي اعتبار بعد أن اتفق الأنثروبولوجيون والآثاريون على أن الحيوانات الشبيهة بالإنسان كانت قد عاشت على الأرض ملايين السنين قبل أن يدرك فجر الوعي . ولو أن الإنسان كان قد خلق بوعيه الكامل لسار التاريخ إلى الخلف وبدأ الإنسان حياته على الأرض بأفضل أدوات الإنتاج ثم بدأ في رحلة التخلف مع الأيام .
تجسد الوعي بداية بخروج الإنسان من ذاته للعناية بما يحيط به من أشياء من أجل إنتاج حياته نفسها ، أي الضروريات التي تسمح له بالإستمرار والبقاء على قيد الحياة . هذا التغريب الذي يسميه ماركس " رحلة التغريب " (Alienation Journey) وهي الرحلة التي لا تنتهي طالما الإنسان يحيا على الأرض . إفترق الإنسان عن أقرانه من الحيوانات الأخرى عندما لزم ثنائية مستجدة لديه هي أدوات الإنتاج / الوعي . وأخيراً وبغض النظر عن كل الإجتهادات المختلفة فإن أحداً لا يناقش في أن الوعي الإنساني يصب بأجمعه في طاحون واحدة تدور لتنتج حاجات الإنسان الحيوية وما يسهّل شروط حياته . فالإنسان حيوان منتج ولأنه كذلك فإن له تاريخاً يتغير .
يوظف فوكوياما الوعي بالذات (self-conscious) في النزوع إلى السيادة والسيطرة على الآخر في المحيط وبهذا المعنى يفسر مبدأ هيجل " الصراع من أجل الإعتراف بالذات " (The Struggle for Recognition). ليس من شك في أن العقل هو أداة الصراع لدى الإنسان من أجل البقاء لكن ليس الصراع من أجل السيادة والسيطرة . الحيوانات التي لا وعي لديها تصارع من أجل السيادة والسيطرة فالأسد لا يقبل أسداً آخر في عرينه والكباش تتناطح من أجل السيطرة على قطيع الأغنام وكذلك تفعل ذكور بعض أنواع القردة . 
خصيصة الإعتراف بالذات الإنسانية “Recognition “ تختلف تماماً عن الخصيصة الحيوانية ، خصيصة النزوع إلى السيادة والسيطرة . فطالما أن الذات الإنسانية لا تتحقق إلا بالإنتاج فإن الصراع من أجل الإعتراف بالذات لا بد وأن ينحصر في دائرة الإنتاج دون أن يتعدى محيطها بحال من الأحوال . من هنا رأى ماركس أن التطبيق الواقعي لمبدأ هيجل ، الصراع من أجل الإعتراف بالذات ، يتحقق من خلال الصراع الطبقي حيث تتبنى كل طبقة وسيلة إنتاج بعينها وتتصارع الطبقات دعماً لوسيلة إنتاجها وأرض المعركة هي السوق حيث تتصارع المنتوجات في تنافس مرير حول أولوية استبدالها بالنقد كما حول ارتفاع السعر . وفي سياق هذا الصراع في الأسواق جرت كل الحروب الإستعمارية وما اقتضته من تسلح غير مسبوق على الصعيدين الكمي والنوعي كما كان في الحرب العالمية الأولى والثانية .
تشخيص الإنسان على أن لديه نزوع غريزي نحو السيادة والسيطرة إنما هو تصوير كاريكاتوري يبتعد عن حقيقته . فالإنسان حيوان اجتماعي وما كان ليكون إنساناً لو لم يتعاون مع أقرانه في المجتمع من أجل أن ينتج إحتياجاته الحيوية ولو لم يفعل ذلك لظل حيواناً ولم يحدث أي فراق بينه وبين الحيوانات الأخرى . التعاون الذي هو شرط الإنتاج يقتضي فيما يقتضي روح المساواة . والتعاون والمساواة ينفيان نفياً مطلقاً كل نزوع للسيادة والسيطرة ، النزوع الذي اعتبره فوكوياما محرّك التاريخ .

بالرغم من أن الشيوعية تلغي كل التناقضات بين الإنسان وأخيه الإنسان إلا أن ماركس كان قد رفض اعتبارها نهاية التاريخ ؛ ولما لم يجد ما يعلل به هذا الرفض قال بأنه لا يعرف من الشيوعية حرفاً لا شروطها ولا ما قد يطرأ فيها من تناقضات محتملة . لكن فوكوياما وعلى العكس من ماركس قرر أن النظام الرأسمالي أو "إقتصاد السوق " ، الإسم التجميلي المفضل لدى أنصار النظام الرأسمالي ، وتوأمه " الديموقراطية الليبرالية " ـ دون أن يعلم أحد سر هذه التوأمة المزعومة ـ هما نهاية التاريخ !! ما كان بوسعه اعتبار هذين التوأمين نهاية التاريخ لو لم يأخذ على عاتقه منذ البداية تركيب محرك خاص للتاريخ يشتغل بالحروب التي هي التجسيد التام لنزوع الإنسان إلى السيادة والسيطرة من جهة ولتقدم علوم الطبيعة من جهة أخرى ، وهو ما فعله فوكوياما عن سابق تصميم . امتنعت الحروب فانتهى التاريخ حسب فوكوياما. تقدمت علوم الطبيعة فأنتجت أسلحة الدمار الشامل التي منعت على المتحاربين التحارب وتعطل بذلك نزوع الإنسان للسيادة والسيطرة ولذلك كانت الديموقراطية الليبرالية . بمثل هذه الأفكار الطفولية الساذجة يبشر فوكوياما بنهاية التاريخ وأبدية الرأسمالية في وقت متأخر بعد أن تعفنت الرأسمالية في القبر وقد توفيت وأُعلن عن وفاتها ب "إعلان رامبوييه" (Rambouillet Declaration) نوفمبر 1975 وبعد أن لم تعد السوق الرأسمالية سوقاً بكل قوانينها وضوابطها المعروفة حيث يجري فيها إفتراس منتجي السلع من العمال من قبل منتجي الخدمات من الطبقة الوسطى فتصل في أحيان كثيرة قيمة ساعة/شغل إنتاج الخدمة إلى ما يساوي ألف ضعف قيمة ساعة/شغل إنتاج السلعة . لقد تفككت كل قوانين السوق وهو ما أتاح لطلائعي الطبقة الوسطى التفاخر باستبدال " إقتصاد السوق " بما يسمى بِ " إقتصاد المعرفة " ـ وهناك مقاربة شاملة لهذا الموضوع في كتابي " جديد الإقتصاد السياسي " المنشور على شبكة الإنترنت تحت العنوان أدناه .

الضربة القاضية التي نزلت على أم رأس نظرية فوكوياما " نهاية التاريخ " وقتلتها قبل أن تولد تمثلت بإفلاس " النظام " القائم حالياً في الدول الغربية ومثالها الولايات المتحدة الأميركية التي يقدمها فوكوياما على أنها نظام " الديموقراطية الليبرالية " و " إقتصاد السوق " بينما هو في الحقيقة لا نظاماً ولا ديموقراطياً ولا ليبرالياً ولا إقتصاداً ولا سوقاً !! 
أن يكون هذا " النظام " نظاماً فذلك يعني بالضرورة أن يقوم على ذاته ويعمل بذاته ولذاته . إلا أن النظام في الولايات المتحدة لا يقوم على ذاته ولا يعمل بذاته ولذاته . هذا النظام بحاجة لاستدانة مليارين من الدولارات يومياً لمجرد الإستمرار والبقاء على قيد الحياة . وأن يكون ديموقراطياً فذلك يعني بالضرورة أن يتمكن أي مواطن أمريكي من أن يرشح نفسه نائباً عن الشعب والحال أن الذين لا يملكون ملايين الدولارات لا يستطيعون مجرد التفكير بالترشح . أما مرشح الرئاسة فعليه أن ينفق مئات الملايين قبل أن ينجح . أما أن يكون النظام ليبرالياً فذلك يشترط أن يتمكن موظف الإدارة الأميركية على الأقل أن يكون حراً في إتخاذ القرارات المناطة بوظيفته وهو ما لا يحدث أبداً في الولايات المتحدة . عندما أصر الرئيس جون كنيدي أن يتمتع بكامل حريته في إتخاذ قراراته وجد من يقتله ؛ وعندما ذهب الرئيس رونالد ريغان إلى ريكيافيك في إيسلندا للإجتماع بغورباتشوف والخروج باتفاقية جديدة لنزع الأسلحة ، خرج غورباتشوف في نهاية الإجتماعات ضاحكاً بملء شدقيه متسائلاً .. ما هذا الرئيس الذي أرسل إلى هنا بدون صلاحيات في إتخاذ أي قرار ؟!! واعترف وزير الخارجية السابق كولن باول بأنه لم يكن صاحب الخطاب الذي أدلى به في مجلس الأمن عن أسلحة الدمار الشامل في العراق . وبخصوص الإقتصاد الأميركي فإنه ليس إقتصاداً في كل أوجهه . فهو لا ينتج كل حاجات الشعب الأمريكي وانكشافه الفضائحي ليس الإستدانة الدائمة فقط والتي راكمت حتى اليوم ما يساوي أربعة أمثال مجمل الإنتاج القومي لتكون الولايات المتحدة أكبر مدين في العالم ، بل هو الإنكشاف الكلي تقريباً للدولار . غطاء العملة القومية ، الدولار ، ليس من إنتاج الولايات المتحدة ولا تملك أي شيء منه على الإطلاق . إنه النفط العربي والإنتاج السلعي الصيني . الولايات المتحدة اليوم مرتهنة لعرب النفط وللصينيين . وأما السوق فلم تعد حرة بعد أن فقدت أصنامها الرأسمالية . الخدمات التي تشكل اليوم ثلاثة أرباع مجمل الإنتاج في الدول المتقدمة لا تصل السوق ولا تخضع لقانون القيمة الرأسمالي وهو القانون الأساسي للسوق ، أية سوق .
أقترح على فوكوياما أن يبدأ منذ اليوم بكتابة نظرية أخرى تعارض كل ما جاء في نظريته حول أبدية الرأسمالية ونهاية التاريخ . أنصحه بكل مودة أن يباشر حالاً في ذلك لأن النظام الأميركي القائم اليوم وسائر الأنظمة المماثلة في البلدان الأخرى سوف تنهار انهياراً مروعاً حتى القاع في السنوات القليلة القادمة ، ذلك الإنهيار الذي سيلقي بالبشرية كلها في كارثة تاريخية لا تشبهها إلا كارثة سقوط روما عام 476 للميلاد . 

فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01 

تتوجب الإشارة هنا إلى أن كتابي المنشور على الشبكة " أزمة الإشتراكية وانهيار الرأسمالية " كان قد صدر بذات التاريخ الذي صدر فيه كتاب فوكوياما " نهاية التاريخ " والكتابان متعارضان ، لكأني كتبت لأنقض نظرية فوكوياما