تحية ثورية لكل رفيق...لكل تقدمي

ستنتصر الطبقة العاملة في صراعها حتما ضد البورجوازية

mardi 21 décembre 2010

حسقيل قوجمان:النقابات العمالية، مصادر قوتها واسباب ضعفها


في هذا اليوم احيي عمال العالم اجمع بعيدهم الاغر، الاول من ايار، عيد العمال العالمي. قمت صباح هذا اليوم فلم اجد فيه ما يختلف عن سائر ايام السنة. الشمس نفس الشمس والغيم نفس الغيم والريح تهدر وتداعب قمم الاشجار كما فعلت بالامس. فما الذي يميز هذا اليوم عن سائر الايام؟ ان ما يميز هذا اليوم عن سائر الايام هو انه رمز. انه رمز يذكر عمال العالم بشعار معلمهم الخالد كارل ماركس، شعار "يا عمال العالم اتحدوا" انه رمز يذكر عمال العالم بامور كثيرة منها الايجابي والمزهر ومنها السلبي والمؤلم. فلعمال العالم امجاد باهرة يعتزون بها ولعمال العالم انتكاسات واندحارات في نضالاتهم ضد مستعبديهم الراسماليين عليهم ان يتذكروها ويتخذوا منها العبر والدروس. ولعل اهم ما يتذكره عمال العالم ويجب ان يتذكروه في هذا العيد هو شعار معلمهم الخالد كارل ماركس، شعار "يا عمال العالم اتحدوا".
مر على رفع هذا الشعار قرن ونصف وبقي شعارا رئيسيا لعمال العالم ثابتا لم يتغير رغم كل التغيرات والتقلبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي طرأت على العالم خلال هذه الحقبة الطويلة من حياة المجتمع.
كيف بقي هذا الشعار ثابتا طيلة هذه المدة وما سبب هذا الصمود والبقاء؟ بقي هذا الشعار ثابتا لم يتغير لانه شأنه شأن علم كارل ماركس، الماركسية، شعار علمي منسجم مع قوانين مسيرة المجتمع الانساني. ان هذا الشعار لم يتحقق بعد ولو مرة واحدة في هذا التاريخ ولكن اسس تحقيقه موجودة وثابتة وقابلة للتحقيق. وهذا سر خلود هذا الشعار.
فما هو الاساس العلمي الذي يجعل هذا الشعار شعارا دائما لعمال العالم؟ ان الاساس العلمي لهذا الشعار هو ان عمال العالم جميعهم طبقة واحدة. طبقة وضع التاريخ على عاتقها مهمة القضاء على كل انواع المجتمعات الطبقية القائمة على اساس استغلال الانسان للانسان وانشاء اول مجتمع انساني حقيقي، المجتمع الاشتراكي، والمجتمع الشيوعي. فمهما اختلفت ظروف واحوال فئة من هذه الطبقة عن ظروف واحوال فئة اخرى من الناحية الاقتصادية او السياسية او الاجتماعية تبقى مهمتها التاريخية ثابتة لا تتغير. فما هو السبيل الى تحقيق هذا الشعار؟ ان اهم وسائل تحقيق هذا الشعار هو التنظيم. فبدون تنظيم العمال لا يمكن تحقيق وحدتهم.
يتحدث الناس كثيرا عن تحول عالمنا، نتيجة للتطور التكنولوجي والعلمي والصناعي والاعلامي، الى قرية صغيرة. ولكن هذه القرية الصغيرة ما زالت تتألف من شوارع وعمارات واكواخ ومزابل. مقسمة الى اقطار وبلدان يختلف بعضها عن بعض بثقافتها وتقاليدها واوضاعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فتحول العالم هذا الى قرية صغيرة لم يجعل العالم يتألف من دولة واحدة متماثلة في تطورها وثقافتها وتقاليدها. فما زال العراق عراقا والولايات المتحدة ولايات متحدة وما زالت الولايات المتحدة دولة محتلة مستعبدة للعراق ضمن هذه القرية الصغيرة.
ونظرا لانقسام هذه القرية الصغيرة الى وحدات اصغر منفصلة ومختلفة عن بعضها لا يمكننا ان نتحدث عن شعار "يا عمال العالم اتحدوا" كشعار يتحقق عن طريق التنظيم العالمي مباشرة بل ينبغي ان يبحث هذا الشعار عن طريق تحقيقه في كل وحدة من هذه الوحدات المنفصلة، في كل بلد من هذه البلدان اولا كأساس لتحقيق وحدة عمال القرية كلها. ان ابسط وسيلة من وسائل وحدة العمال في بلد ما هي النقابة. لذا اود ان اتناول في هذا المقال موضوع النقابة العمالية في اي بلد من بلدان القرية الصغيرة.
ما الذي يستطيع الانسان كتابته عن النقابة. فقد كتب الكثير عن النقابات واهميتها وطبيعتها ونضالاتها ونالت الطبقة العاملة خبرات واسعة في تجاربها النقابية. ومع ذلك اعتقد ان من المفيد التحدث والكتابة عن النقابات حتى لو كان الحديث مكررا لان في التكرار فوائد.
ما هي مصادر قوة النقابة؟
ان اهم مصادر قوة النقابة في رأيي هو كونها نقابة حقا. واقصد بهذا ان النقابة يجب ان تكون منظمة يشعر عمال المهنة التي تمثلها بان النقابة هي نقابتهم فعلا. يشعر العامل (اقصد بالعامل ان يتضمن جميع العمال نساء ورجالا) ان هذه النقابة ملجأ له يستطيع فيه ان يعرض مشاكله الاقتصادية والمعاشية وحتى مشاكله العائلية فيجد فيها اذنا صاغية تستمع الى مشاكله وترشده الى طرق حلها وتعمل فعلا على حل المشاكل المشتركة لعمال تلك المهنة. يأتي العمال الى مثل هذه النقابة عن اقتناع ويحبونها ويعملون من اجل تطويرها وصيانتها. بامكان نقابة كهذه ان تجمع في صفوفها الاغلبية الساحقة من عمال المهنة ان لم يكن جميعهم. فمصدر قوة النقابة الامثل هو ان ينضم اليها جميع عمال المهنة عن قناعة وعن حب واخلاص.
ومصدر القوة الثاني بالاهمية حسب رأيي هو قيادة النقابة. لكي تكون النقابة قوية يجب ان تكون قيادتها داخلية. واقصد بالقيادة الداخلية ان يكون قادة النقابة عمالا من اعضائها يثبتون بنشاطهم واخلاصهم وشجاعتهم انهم جديرون بالقيادة فيدفعهم اعضاء النقابة انفسهم الى مراكز القيادة. قيادة كهذه فقط يمكن ان تقود النقابة في نضالاتها قيادة صحيحة وان تحافظ على النقابة وتصونها.
من المعروف ان النقابات العمالية ليست منظمات سياسية، اي ليست احزابا لها برامج سياسية معينة تسعى الى تحقيقها لدى مجيئها الى السلطة. فالنقابات منظمات اقتصادية تناضل من اجل تحسين ظروف عمالها الاقتصادية والمعاشية والصحية. تناضل من اجل زيادة اجور العمال والتخفيف من استغلالهم. تناضل من اجل تحسين ظروف عملهم الصحية. تناضل من اجل تحديد ساعات العمل وضمان حقوقهم التقاعدية الخ...
ولكن هل تقتصر نضالات النقابات على هذه الامور الاقتصادية. الا يمكن ان يتحول طابع نضال النقابات من الطابع الاقتصادي البحت الى طابع سياسي؟ يبقى نضال النقابة مقصورا على الطابع الاقتصادي طالما بقي نضالها محصورا بين النقابة وعمالها من جهة واصحاب عملهم من جهة اخرى. فاذا طالب العمال عن طريق نقابتهم بزيادة الاجور او بتحديد ساعات العمل مثلا واقتصرت المفاوضات على النقاش بين اصحاب العمل والعمال بقي طابع النضال اقتصاديا. ولكن حين يلجأ صاحب العمل الى السلطات لمساعدته على اخضاع العمال وعدم الاستجابة الى مطاليبهم فسرعان ما يتخذ النضال طابعا سياسيا. لان اساليب الدولة في اخضاع العمال هي التي تتخذ الطابع السياسي منذ اللحظة الاولى. وهناك صور اخرى كثيرة لتحول النضال الاقتصادي البحت الى نضال سياسي كالاضرابات التضامنية التي تقوم بها النقابات احيانا لمساندة نقابات اخرى وكالاضرابات العامة والاعتصامات التي قد تحدث لاسباب اقتصادية او سياسية. فرغم ان النقابات هي منظمات اقتصادية في جوهرها فان لها مساهمات في الصراعات السياسية شاءت ام ابت.
واذا وجدت في البلد المعين احزاب سياسية فمن الطبيعي ان ترغب هذه الاحزاب وتعمل على اجتذاب النقابات الى جانبها. وهذا ليس بالامر الغريب بل هو امر طبيعي جدا. ولكن كيف يستطيع حزب ان يجتذب النقابة الى تأييده ومساندته؟ يستطيع الحزب ذلك عن طريق اعضائه الاعضاء في نفس النقابة. فالعضو في حزب معين يدخل النقابة لا بصفته عضو حزبي بل بصفته عضو نقابي فقط. وهذا العضو يمارس نشاطه في اعمال النقابة لا بصفته الحزبية بل بصفته النقابية وحدها. وعن طريق نشاطه وتفانيه في خدمة مصالح النقابة يشعر العمال بان هذا العضو يختلف عن زملائه ويستحق الصعود الى قيادة النقابة. ولكن العمال يعرفون ان هذا العضو النقابي هو عضو حزبي في الوقت ذاته وعن طريق تقدير واستحسان عمل هذا العضو في النقابة يجتذب العمال الى الميل الى حزبه ايضا باعتبار ان الحزب الذي ينتمي اليه هذا العضو النقابي النشيط والمخلص لا بد ان يكون مثله محبا للعمال ومخلصا في خدمتهم. هذه هي الطريقة الوحيدة لاجتذاب عمال النقابة المعينة الى الاتحاهات السياسية القائمة في البلد. وكلما ازداد نشاط اعضاء النقابة لحزب معين ازداد انجذاب العمال الى ذلك الحزب. فالنقابات بهذا المعنى مدرسة يتدرب فيها عمال النقابات على العمل السياسي.
ان شعار ماركس هو توحيد الطبقة العاملة العالمية. ولكن هذه الوحدة لا يمكن ان تتحقق الا عن طريق توحيد العمال البسيط في نقاباتهم. لان توحيد الطبقة اسهل اذا اتخذ شكل توحيد منظمات وليس توحيد افراد. لذا فان النقابات رغم انها ابسط المنظمات العمالية هي الاساس الذي يبنى عليه توحيد الطبقة كلها.
فالنقابة المثلى هي النقابة التي تستطيع جذب الاغلبية من عمال المهنة الى صفوفها عن قناعة وليس قسرا وان تكون قيادتها ناشئة من صفوفها تضم اعضاءها النشطين المخلصين المثابرين على تحقيق مصالح عمالها.
اقول عن قناعة وليس قسرا لان بعض النقابات تضم اعضاءها قسرا وليس عن طريق اقتناع العامل بفائدة النقابة وانضمامه اليها عن طريق هذه القناعة. والانتماء القسري للنقابة يحدث مثلا حين يطلب من العامل ان يكون عضوا في النقابة لكي يحصل على عمله. وعكس ذلك ممكن ايضا حين يرفض اصحاب العمل استخدام العامل اذا كان عضوا في النقابة. فالانتماء القسري الى النقابة ليس من عوامل قوة النقابة.
ما هي اذن عوامل ضعف النقابة؟ اود ان اتحدث عن ظاهرة واحدة هي اهم عوامل ضعف النقابة. اتحدث عن فرض قيادة النقابة من اعلى وليس بصورة طبيعية من بين صفوفها.
من المعروف ان النقابات ليست احزابا سياسية بل منظمات اقتصادية تهدف الى تحسين احوال العامل الاقتصادية والصحية والمعاشية والاجتماعية ضمن النظام السياسي القائم في البلاد. ولكن الاحزاب السياسية تريد ان يكون لها تأثير على النقابات وان تدفع النقابات الى تأييد خطوطها السياسية. وهذا شيء طبيعي. والطريقة المثلى لاجتذاب النقابة نحو تأييد الخط السياسي لحزب ما هي ان يكون اعضاء ذلك الحزب اعضاء في النقابة لانتمائهم الى نفس المهنة التي تمثلها النقابة وان يثبت هؤلاء الاعضاء الحزبيين عن طريق نشاطهم النقابي انهم اخلص وانشط من غيرهم بحيث ان عمال النقابة برجحونهم ويرفعونهم الى مراكز قيادة النقابة.
ولكن مفهوم قيادة النقابة اتخذ احيانا صورا اخرى غير هذه الصورة. اذ ان بعض الاحزاب السياسية ارتأت ان من حقها قيادة النقابات ولذلك استعملت سياسة فرض القيادة من الاعلى. واختلفت وسائل فرض قيادة النقابات من اعلى باختلاف الظروف السياسية في البلاد واختلاف سياسات الاحزاب فيها.
وبما انني اعالج جميع القضايا من وجهة نظري السياسية بصفتي ماركسي اعالج قضية قيادة النقابات ايضا من هذه الوجهة وحدها ولو ان جميع الاحزاب السياسية، التقدمية منها والرجعية، تحاول تحقيق القيادة عن طريق فرضها من الاعلى.
من المعروف ان الماركسيين يعتبرون حزبهم الماركسي حزب الطبقة العاملة الذي يقود العمال والفلاحين في اتجاه تحقيق هدف الحزب الماركسي الاساسي، هدف قيادة العمال والفلاحين في الثورة الاشتراكية والقضاء على النظام الراسمالي. والطريقة الماركسية للحصول على قيادة الطبقة العاملة هي الاقناع عن طريق خوض نضالات طويلة وقاسية يثبت فيها الحزب انه فعلا يعمل لمصلحة الطبقة العاملة ويقودها في طريق خلاصها من عبودية الراسمالية. ولذلك فالحزب الماركسي هو طليعة الطبقة العاملة. واستخدم هنا عبارة الحزب الماركسي لان الاحزاب الماركسية اتخذت اسماء مختلفة في مراحل مختلفة. ففي ايام الاممية الثانية كانت الاحزاب الماركسية تطلق على نفسها احزابا اشتراكية ديمقراطية. وحين تخلت الاممية الثانية عن الماركسية في الحرب العالمية الاولى قررت الاحزاب الماركسية تغيير اسمها فاصبحت تطلق على نفسها اسم الاحزاب الشيوعية وكان هذا شرطا من شروط قبول الاحزاب الماركسية في الاممية الثالثة، الاممية الشيوعية. وكان اول الاحزاب التي اطلقت على نفسها اسم الحزب الشيوعي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، حزب لينين وستالين، الحزب البلشفي. ودامت هذه التسمية حتى يومنا هذا. ولكن التحول الذي طرأ على الاحزاب الشيوعية بعد تخلي الخروشوفيين عن الماركسية جعلت اسم الحزب الشيوعي غير صالح للتعبير عن الحزب الماركسي. لذا نشأت تسميات جديدة مثل الحزب الشيوعي العمالي والحزب الشيوعي الكادر والحزب الشيوعي اللجنة المركزية والحزب الشيوعي القيادة المركزية الى اخر ذلك بينما على النطاق العالمي ظهرت تسميات اخرى مثل الاحزاب الشيوعية الاوروبية او الاوروشيوعية وتخلت بعض الاحزاب عن كلمة الشيوعية بالمرة وابدلت اسماءها باسماء اخرى لا تحتوي على كلمة شيوعية. وتخلت الاحزاب التي استبقت اسم الشيوعية عن الماركسية واللينينية. لذا اكتفي بتسمية الحزب الحزب الماركسي اي الحزب الذي يعتنق الماركسية بمفهومها الحقيقي نظرية له وينفذها تنفيذا حقيقيا في نشاطه السياسي.
من جملة الانحرافات عن الطريق الماركسي الذي سلكته بعض الاحزاب الشيوعية هو مفهوم قيادة الطبقة العاملة. فقيادة الطبقة العاملة بالمفهوم الماركسي هو اجتذاب الطبقة العاملة عن طريق النضال المثابر لكي تسير وراء الحزب. فالحزب الماركسي هو طليعة مجاهدة من الطبقة العاملة.
ولكن بعض الاحزاب فسرت عبارة قيادة الطبقة العاملة او طليعة الطبقة العاملة تفسيرا خاطئا. فقد اعتبرت كون الحزب حزب الطبقة العاملة انه يملك الحق وحده في قيادة الطبقة العاملة كان الطبقة العاملة ملك له اكتسبه من جراء تسمية حزبه بحزب الطبقة العاملة. وبهذه العقلية عملت بعض الاحزاب الشيوعية على فرض قيادة النقابات العمالية من اعلى واحتكار القيادة لا عن طريق الاقناع بل عن طريق الفرض. وهذا اهم عوامل ضعف النقابات وتحطيمها.
اود ان اورد على ذلك مثلا واحدا فقط مستمدا من واقع فرض الحزب الشيوعي العراقي قيادة النقابات من الاعلى. بعد ثورة ١٤ تموز كانت هناك ظروف مؤاتية لتأسيس النقابات العمالية. وقد بادر الحزب الشيوعي الى تأسيس النقابات وحتى الى تأسيس اتحاد النقابات. ولكن كيف قاد الحزب الشيوعي هذه النقابات؟ قادها بأن عين عضوا من اعضائه رئيسا لكل نقابة جرى تأسيسها. كان بين هؤلاء الاعضاء الحزبيين شخصيات لها تاريخها العريق في النضال النقابي وكان بينهم من لم تكن له اية تجربة او خبرة في النضال النقابي. ولكن النتيجة كانت واحدة بصرف النظر عن شخصية القائد الذي عينه الحزب. كان القائد النقابي غريبا عن النقابة اذ لم يكن عاملا فيها ولم يكن العمال يعرفونه عن طريق نضاله النقابي النشط بين صفوفهم. فاصبح هذا القائد النقابي بالضرورة رئيسا بيروقراطيا للنقابة لم يشعر العمال بانه منهم واليهم.
التقيت يوما سنة ١٩٥٩بأحد زملائي في السجون وكان قبل سجنه طالبا جامعيا. وقد عينه الحزب رئيسا لاحدى النقابات. فسألته لماذا سلك الحزب هذه السياسة تجاه النقابات؟ فكان جوابه ماذا تريد هل نسلم القيادة؟ والتقيت بزميل اخر من زملاء السجن عينه الحزب رئيسا لنقابة عمال الميناء في البصرة ولم يكن عند وجوده في السجن كادرا او شيوعيا بارزا. التقيت به صباح يوم في شارع الرشيد فسألته عن احواله فاخذ يقص علي قصة مركزه كرئيس نقابة عمال الميناء. فقال لي انه جاء من البصرة لحضور اجتماع الاتحاد فسافر من البصرة الى بغداد بالطائرة وهو يقيم في افخم فنادق بغداد ووصف لي كيف انه حين يخرج من الفندق لحضور الاجتماع يأتي عامل الفندق ليفتح له باب التاكسي لكي يدخله.
فماذا كانت النتيجة. حين تألف اتحاد النقابات رسميا نال الحزب اكثر من تسعين بالمائة من اصوات العمال لانه لم يسمح بوجود اية قائمة انتخابية عدا القائمة الحزبية واستخدم حتى نفوذه في وزارة الدفاع لتحقيق ذلك. وحضر مؤتمر الاتحاد الزعيم عبد الكريم قاسم والقى خطابا فيه. ولكن عبد الكريم قاسم نفسه قرر بعد ايام معدودة غلق الاتحاد واعتقال جميع اعضائه ومصادرة املاكه. ولم يشعر العمال بحاجة الى القيام باية حركة من اجل المحافظة على اتحادهم كالقيام بمظاهرة مثلا للمطالبة باعادة الاتحاد واطلاق سراح قادته. وهذا دليل على ان قيادة الحزب لاتحاد النقابات لم تكن قيادة حقيقية ولم يكن العمال يشعرون بان هذه القيادات هي قياداتهم الحقيقية التي ينبغي عليهم ان يناضلوا من اجل صيانتها. وفي السنة التالية جرت انتخابات لاتحاد النقابات فنال القوميون هذه المرة الاغلبية الساحقة لقيادة الاتحاد مستخدمين نفس الطرق التي استخدمها الحزب الشيوعي قبلهم.
ان احتكار قيادة النقابات هي اشد العوامل خطورة على كيان النقابات وعلى كيان الحزب الذي يقود النقابات قيادة قسرية مفروضة من الاعلى.
واليوم نشأت في العراق نقابات واتحاد نقابات بعد اسقاط نظام صدام. ولا اعرف شيئا عن طبيعة هذه النقابات وكيفية نشوئها وطريقة قيادتها. ولكني قرأت مقالا يشير الى ان مجلس الحكم المؤقت، مجلس بريمر، اصدر بعض القوانين التي تفرض على النقابات قيادة من اعلى، من مجلس الحكم نفسه او الاحزاب والنظمات الممثلة فيه.
ان الخطر على النقابات اليوم هو نفس الخطر الذي كان بالامس. فمال لم تتحقق قيادة النقابات من صفوفها على اساس نشاط عمالها بصرف النظر عن الاحزاب التي ينتمون اليها لن تكون هذه النقابات منظمات حقيقية تعمل لمصلحة عمال النقابة سواء من الناحية الاقتصادية ام من الناحية السياسية. ونصيحتي الى كل حزب يعتبر نفسه ممثلا للطبقة العاملة ان يتجنب سلوك مثل هذه السياسة التي لا تؤدي الا الى تحطيم النقابة وتحطيم الحزب ذاته باعتباره ممثلا للطبقة العاملة.

حسقيل قوجمان
١٢ نيسان ٢٠٠٤

mardi 14 décembre 2010

الفوضويون (الأناركيون) ما زالوا يضلّون :فؤاد النّمري

ليس لدي أدنى شك في أن كارل ماركس انتهى في العام 1873 إلى حل الأممية الأولى، التي كان قد أقامها في العام 1864 ، بعد أن تحقق، إثر انهيار كومونة باريس 1871، من أن عمال العالم لم يرتقوا بعد إلى المستوى الذي يؤهلهم للقيام بالثورة الإشتراكية التي استشرفها في مجرى التطور الرأسمالي . ولذلك حلّها ولم يقم بأي جهد آخر في ذات المنحى حتى وافاه الأجل بعد عشر سنوات 1883 . ثمة تقارير أخرى تفيد بأن ماركس قام بحل الأممية الأولى بعد أن ضجر ضجراً شديدا من مؤسس المدرسة الفوضوية ميخائيل باكونين ؛ ويدللون على ذلك بأن ماركس كان في العام 1872 قد نقل مقر الأممية من بروكسل في بلجيكا إلى شيكاغو في أميركا هرباً من ضجيج باكونين المزعج في أوروبا وفوضويته التي تعتمد على الأدلجة دون أن يكون لها أية مقاربة للواقع ؛ ولما لم ينفع الإبتعاد قام بحلّها . ليس بالوسع إنكار مثل هذه التقارير طالما أن الفوضوية ليست إلا إيديولوجيا منحطة تفعل فعل الأفيون وتبشر الفقراء والمعدمين بالانتقال صبيحة اليوم التالي إلى فردوس الشيوعية المفقود دون عبور برزخ الإشتراكية الصعب والمعقد بقيادة دولة دكتاتورية البروليتاريا، العبور الذي يتطلب من الشيوعيين جهوداً جبارة تفوق جهودهم التي أتت بهم إلى السلطة . مثل هذه الإيديولوجيا المنحطة تحول دون ارتقاء العمال إلى السويّة الثورية التي تتطلبها الثورة الإشتراكية . لقد عانت الحركة الشيوعية من التيار الفوضوي منذ نشوئها مع صدور البيان الشيوعي 1848 وحتى نهاية التروتسكية وقد انضوى إليها التيار الفوضوي . وها هي اليوم تطل برأسها من جديد بعد انهيار المشروع اللينيني لتشوّش على الفكر الماركسي موظفة انهيار المشروع اللينيني بفعل الصراع الطبقي لصالح إدّعاءاتها القاضية بالقفز عن مرحلة الإشتراكية بقيادة دكتاتورية البروليتاريا التي ثبتت ضرورتها كي تغلّب البروليتاريا على الطبقات المعادية وتعمل على محو كل الطبقات من أجل الدخول إلى الحياة الشيوعية .

عثرت مصادفة على مقالة كان قد كتبها قبل أيام أحد الفوضويين ـــ يخجل الفوضويون من اسمهم ولذلك يحتفظون باسمهم بالإنجليزية وهو الأناركيون ــ يطعن في أطروحتى حول انهيار الرأسمالية ويتهمني بموالاة الإمبريالية الأميركية، إذ كتب .. [ وفؤاد النمري الذي يتحفنا بنظرية أن النظام الأميركي لم يعد نظاماً رأسمالياً وأصبح نظاماً "استهلاكياً؟؟!!" تلميع وجه "الديموقراطية !!" الأميركية ونفي وجود الإمبريالية وصبغها باللون "الأحمر"، فإن حبل الكذب الديماغوجي سيبقى قصيراً وقصيراً جداً بالمعنى التاريخي، مهما طال بالمعنى الروزنامي ] ـ مع الإعتذار عن التفكك اللغوي . 

إجابة على مثل هذا الشطط وسوء الفهم، يتوجب علي أن أساعد هذا الأناركي ولا أتركه ينتظر لدقائق نهاية " حبل الكذب الديماغوجي القصير " فأشير إلى ما كتبه هو نفسه قبل أسطر في ذات المقال، إذ قال .. " إن اللصوص الذين سرقوا الاقتصاد الأميركي بكل علاّته، ينبغي إنقاذهم ـ أي مكافأتهم ـ بـ 700 مليار دولار جديدة، من خارج الدورة المالية القائمة؟ هي ببساطة أن يقوم بنك الاحتياط المركزي الأميركي (أي مطبعة الدولارات التي يشرف عليها اليهود) بطباعة 700 مليار دولار جديدة لا تتجاوز كلفتها (كحبر وورق وأفلام ويد عاملة واستهلاك آلات) بضعة آلاف الدولارات، ورميها في الدورة المالية الأميركية والعالمية كي يدفع "قيمتها" المواطن الأميركي والعالمي وخصوصاً الأغنياء (مثل عرب النفط) المرتبطين بالدولار، وفقراء العالم الذين لا حول لهم ولا طول، والذين ليس لديهم ما يدفعونه سوى عرق جباههم ودماءهم " .

ما كنت لأدافع عن صحة أطروحتي، بالتحول من الإقتصاد الرأسمالي في أميركا إلى الإقتصاد الإستهلاكي، كما دافع هذا الأناركي الفوضوي دون أن يعي ما يقول ! يقول أن الإدارة الأميركية تسرق الإقتصاد الأميركي ـ الرأسمالي كما يعتقد ـ كيف يكون هذا ؟! الدولة الرأسمالية تسرق اقتصادها الرأسمالي !! كيف يسرق ربّ العائلة عائلته ؟!! ليفسر لنا الأناركي هذه الحزورة !! السرقة كواقعة، متمثلة بطباعة دولارات مفرغة من كل قيمة، ليست محل شك ؛ إذاً لا بدّ من أن يكون ثمة شبهة في الربّ أو في العائلة ـ إما أن الرب ليس هو رب العائلة الحقيقي وإما أن العائلة ليست عائلة هذا الرب ـ أو في كليهما ! أطروحتي، التي لا تحتمل التذاكي طالما أنها تصف الحقائق الماثلة على الأرض كما هي، تقول .. لا الإقتصاد الأميركي اليوم هو اقتصاد رأسمالي ولا الدولة الأميركية هي دولة رأسمالية، وإلاّ لما كانت السرقة . الأناركية ليست إلا إيديولوجيا لا تقوم على دراسة علمية وموضوعية للإقتصاد . يرفض الأناركيون النظام الرأسمالي لأنه يفتقد العدالة والمساواة والتراحم لكنهم بذات الوقت لا يعرفون كيف يواجهونه ؛ إنهم يجهلون المسار الصحيح المؤدي إلى تفكيكه وهو الهدف الذي يشاركون به الشيوعيين . 

الرأسماليون يشرّعون دستورهم على أساس وحيد هو قانون القيمة الرأسمالية التي يستوثنونها بالنقد ـ شريعة القيمة الرأسمالية لها وثن وحيد هو الدولار (أو أي نقد آخر) . يؤكد الكاتب الأناركي أن الوثنيين قاموا بتزييف وثنهم، لكأن الذين يعبدون الله قاموا بتزييف الله !! كيف يحدث ذلك ؟! لا يمكن أن يكون ذلك إلا إذ أقلع الوثنيون عن عبادة الوثن أو أقلع المؤمنون بالله عن عبادة الله . حالما بدأت الدولة الأميركية بتزييف عملتها، أي بطباعة تريليونات الدولارات المفرغة من كل قيمة، فإنها تكون بذلك قد تخلّت عن هويتها الرأسمالية ولم تعد دولة رأسمالية ـ وهو ما كنت قد طرحته في كتابي الصادر في العام 92 بعنوان " أزمة الإشتراكية وانهيار الرأسمالية " . تخمينات عدد من خبراء الإقتصاد اليوم تقول بأن الولايات المتحدة الأميركية طبعت من بعد مؤتمر الخمسة الأغنياء (G 5) الأول في رامبوييه 16 نوفمبر 1975 ما يربو على 600 تريليون من الدولارات التي لا تساوي قيمتها قيمة الورق المطبوعة عليه . بافتراض أن ثمة مبالغة في تخمينات هؤلاء الخبراء، وأن الكتلة النقدية للدولار هي بحدود 200 تريليون، كما يقدر خبير آخر، فهو ما يعني بكلتا الحالتين أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد دولة رأسمالية بل أصبحت لصاً دولياً يسرق الشعوب من خلال بيع دولارات غير مرتجعة، مزيفة ولا قيمة فعلية لها . هذا بحد ذاته كسر للقانون الأساسي للنظام الرأسمالي ونسف كامل لقانون القيمة الرأسمالية . كانت الولايات المتحدة قبل السبعينيات دولة إمبريالية تبيع انتاجها البضاعي للعالم وتفيض عليها جرّاء ذلك أرباح هائلة ؛ لكنها اليوم لا تبذل أي جهد في الإنتاج البضاعي الرأسمالي ؛ تطبع أوراقاً خضراء وتبيعها للعالم، كل العالم، ويعود عليها ذلك بأضعاف أضعاف ما كانت تجنيه بصفتها الإمبريالية، وهو ما أدّى إلى تشوّه هيكلي في المجتمع الأميركي حيث تحوّل عمال البروليتاريا في الصناعات المهجورة إلى عمال في إنتاج الخدمات الفردية غير الرأسمالية . حبذا لو ظلت الولايات المتحدة إمبريالية ! كان وجهها أقل قبحاً وأكثر إنسانية . الولايات المتحدة الأميركية اليوم لا ترغب ولا تستطيع أن تعود دولة إمبريالية كما كانت في السابق . الدولارات التي تجسد شغل العمال الأميركيين في تلك الحالة، حالة الإمبريالية، لا يمكن أن تغطي حجم الإستهلاك الواسع اليوم وقد اعتاد عليه الأميركيون بعامتهم ولا يستطيعون التراجع أو الاستغناء عنه .

نعود إلى أخطر إنقلاب في التاريخ وهو إعلان رامبوييه في نوفمبر 1975ـ ماذا يقول البند رقم (11) من الإعلان؟ يقول .. " ستبذل السلطات النقدية ـ في الدول الخمس المشتركة بالإضافة إلى إيطاليا التي انضمت في نهاية المؤتمر ـ كل جهودها لمقاومة كل تغيرات غير متوقعة في أسعار الصرف في أسواق العملات " . هذا يعني أن أياً من هذه الدول الخمسة وإيطاليا لم تعد ضامنة لعملتها الوطنية، أي أن ضمانة كل عملة لأي من هذه الدول تقع على عاتق الدول الخمسة مجتمعة ومعهم إيطاليا ؛ ومثل هذه الضمانة هي ضمانة كاذبة ولا وجود لها عملياً . كيف لنا أن نصدق أن دولة عظمى رأسمالية كالولايات المتحدة الأميركية تنتج كما في الإحصاءات الدولية ما بين 25 و 30% من مجمل إنتاج العالم لا تستطيع أن تتحمل ضمانة عملتها كيما تؤمن الحق الأولي للدولة في السيادة؟! وكيف لنا أن نصدق أن دولة إمبريالية عظمى كأمريكا، قطب العالم الأوحد، ترهن ضمان عملتها ـ وهو شرط السيادة الأول ـ لدولة أجنبية، بل لدولة شيوعية هي الصين التي لديها في احتياطياتها 1800 ملياراً من الدولارات، هذا عدا عن مئات المليارات الموظفة في الإقتصاد الأميركي؟ ـ أيعقل أن تكون هكذا دولة دولة رأسمالية إمبريالية ؟!

ما أثر ذلك (طباعة الدولار مجرداً من كل قيمة) في الإقتصاد الرأسمالي ؟
أثره عظيم وحاسم حيث يحوّل نظام الإنتاج الرأسمالي إلى نظام آخر مختلف بل معارض للنظام الرأسمالي وهو الإقتصاد الإستهلاكي (consumerism) . هذا بالضبط ما مكن الولايات المتحدة أن تبذخ في الإستهلاك حتى بلغ معدل استهلاكها خلال العقود الثلاثة الأخيرة ما يزيد على معدل إنتاجها ما بين 20 ـ 30% . لئن كانت قيمة مجمل ما أنتجته الولايات المتحدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة مقدرة ب 250 تريليون دولاراً (250 ألف مليار) فإن قيمة ما استهلكته يصل إلى 300 تريليون دولاراً وهي لذلك مدينة اليوم ب 50 تريليون دولار. هذا عداك عن مئات التريليونات من الدولارات الزائفة التي باعتها إلى شعوب العالم بقيمتها الإسمية لكنها تبقى في نهاية الأمر ديناً عليها . من هو ذلك العاقل الذي ما زال يفترض بأن الإقتصاد الأميركي ما زال ذا طبيعة رأسمالية، أو ما زال رأسمالياً في الجوهر ومع ذلك فهو عاجز عن تغطية نفقات شعبه ويثقل على الدولة ديوناً تساوي خمسة أضعاف مجمل الإنتاج القومي بالحسابات الرسمية ولعلها تزيد على عشرة أضعاف بالحسابات الفعلية أو حتى عشرين ضعفاً إذا ما أحتسبت الدولارات الزائفة المباعة للخارج؟! آلية النظام الرأسمالي تتوقف عن العمل تلقائياً حالما تميل كفة النفقات على كفة الواردات وقد مالت قبل أكثر من ثلاثين عاماً في أميركا ورغم ذلك ظل الأميركيون يعملون وينفقون ! كيف للأناركي أن يفسر ذلك ؟! لو استطاع لصدقته بأنني عميل للأمريكان كما تشي أقواله !! 

قلنا أن الدولار (النقد) هو وثن النظام الرأسمالي يعبده بقوة ويبذل النفس والنفيس دفاعاً عنه دون أن يسمح لأية قوة بتزويره أو المساس به، ذلك ليس لأنه الهدف الأخير للعملية الرأسمالية برمتها بل لأنه قبل هذا المسهّل الوحيد (facilitator) لدورة الإنتاج الرأسمالي (نقد ـ بضاعة ـ نقد) . تثبيت قيمته من خارج العملية الرأسمالية كما قضى إعلان رامبوييه يعني مباشرة أن دورة الإنتاج الرأسمالية الحيوية، وهي بأهمية الدورة الدموية للجسم، تتوقف نهائياً حيث أن النقد لا يعود يساوي البضاعة ولا البضاعة تساوي النقد . تتوقف دورة الإنتاج الرأسمالية ولا يعود النظام الرأسمالي أكثر من جثة هامدة متقددة . ما كان بإمكان أميركا أن تطبع تريليونات الدولارات المزيفة إلا بعد أن غدا نظامها الرأسمالي جثة هامدة متقددة . أما كيف تبيع دولاراتها المزيفة للعالم فذلك يتم بفعل المدفع فقط، وقد غدا شعار الدولار الجديد (IN GUN WE TRUST) .

عبثاً يعمل المهمومون بالشأن العام، ويناضل التقدميون من أجل تغيير العالم، ما لم يتعرّفوا على عالم اليوم بما فيه من علاقات دولية وصراعات طبقية وأنماط الإنتاج السائدة ومختلف التفاصيل الدقيقة الأخرى . ما هو قائم اليوم هو أن مختلف المهتمين بالسياسة، وقد أصبحت السياسة مهنتهم الأثيرة، يخطبون ذات الخطاب الذي كانوا يخطبونه قبل ستين عاماً . تغيّر كل شيء في هذا العالم بدءاً من انحلال المعسكر الإشتراكي وانهيار الثورة الاشتراكية، مشروع لينين، وحتى أنماط معاش البشر ومختلف احتياجاتهم، لكن ممتهني السياسة بمختلف ألوانهم ظلوا في مكانهم دون أن يتقدموا إنشاً واحداً ويخطبون ذات الخطاب، خطاب 1947 . الحقيقة التي لا جدال حولها هي أن مقاربة الحالة بقصد تغييرها لا يمكن أن تكون قبل التعرف عليها بكل تفاصيلها . أن يستمر ممتهنو السياسة في الصراخ حول الإمبريالية الأمريكية والتحرر الوطني، ولم يعد هناك إمبريالية ولا تحرر وطني، فذلك لن يجديهم فتيلا ؛ حتى الشعبوية التي ينتظرونها من صراخهم لن يكسبوا منها طرفاً.

لا يجوز أن ننتهي من التعليق على خطاب هذا الفوضوي دون أن نشير إلى الروايات السخيفة التي نقلها عن بعض التافهين من أعداء الإشتراكية حول نهاية حياة لينين . نقل عنهم هذا الفوضوي غير الضليع حتى بالفوضوية (anarchism) مزاعم تدعي أن ستالين كان قد تآمر على اغتيال لينين بالتعاون مع الصهيونية في نهاية أغسطس 1918 . مثل هذا الإدعاء السخيف حقاً يستغبي لينين ويفترض سذاجة لا حدود لها لديه وهو المعروف بذكائه الحاد والخارق . ستالين يتآمر على حياة لينين دون أن تكشفه التحقيقات ومحاكمة المرأة التي قامت بمحاولة الإغتيال وهي عضو في حزب الإشتراكيين الثوريين كانت قد قضت في السجون القيصرية سنوات طويلة ـ لماذا يكلف ستالين إمرأة ومن حزب الإشتراكيين الثوريين العقائديين ؟!! ستالين يتآمر على حياة لينين ومع ذلك دأب لينين على تقريب ستالين إليه طيلة السنوات الست التي عاشها بعد المحاولة ثم أخيراً سمي ستالين خليفة له في وصيته السريّة الشهيرة وفضله على تروتسكي . كنت فيما قبل تقرير خروشتشوف السري الطافح بالأكاذيب الحقيرة عن شخصية ستالين في المؤتمر العشرين للحزب عام 1956، كنت أتضايق كثيراً مما تستبطنه خطابات ستالين من عبادة للينين، لكنني تيقنت من أهمية ذلك فيما بعد التقرير حيث بدأت عصابة خروشتشوف بتطليق اللينينية الأمر الذي أدى بالتالي إلى انهيار الاتحاد السوفياتي . لقد أكد مولوتوف وهو الرفيق الأقرب لستالين أن ستالين كان يحمل في حقيبته حيثما سافر وجه لينين الشمعي (mask-face) ليعلقه مضاءً فوق رأسه عند نومه . رحل لينين في يناير 1924 وعندما رحل ستالين في مارس 1953 كانت صورة لينين الرسمية، وحدها وليس صورة ستالين، ما زالت معلقة في سائر الدوائر الرسمية في أنحاء الإتحاد السوفياتي بما في ذلك فوق رأس ستالين في مكتبه . ليقرأ هؤلاء السفهاء، الذين يتحدثون حديث المؤامرة، قسم ستالين فوق جثمان لينين وقد أقسم بألاً يغطي التراب وجه لينين أبداً الذي سيظل محجّاًً للشعوب وقواها التقدمية تتعلم منه النضال لخير الإنسانية . 

فـؤاد النمـري

dimanche 12 décembre 2010

فؤاد النّمري:نهاية التاريخ وفرانسس فوكوياما


( تشكك فوكوياما حديثاً في صحة نظريته " نهاية التاريخ " لكن أسبابه غير الأسباب التي نجملها في مقالتنا التالية)
رأى صموئيل هنتنغتون، زميل فوكوياما في مادة الإقتصاد السياسي، أن هناك تواريخ عديدة (Histories) للبشرية لكل منها محركه الخاص به فهناك التاريخ القديم الذي تحرك بقوة رغبات وحسد الملوك والأمراء وتاريخ آخر تحرك بقوة صراع الأمم ثم تاريخ ثالث كان محركه صراع الإيديولوجيات وقد إنتهى مع نهاية الحرب الباردة ؛ والتاريخ الذي تخطه البشرية اليوم يتحرك بقوة صدام الحضارات كالصدام القائم اليوم بين الإسلام والحضارة الغربية المستندة إلى الديموقراطية الليبرالية .
لم يقبل فوكوياما وكثيرون غيره مثل هذه القراءة للتاريخ ، فطالما يقص التاريخ تطور علاقة الإنسان بالطبيعة فلا يمكن أن تكون هناك أقاصيص متباينة لهذه العلاقة . لكن ، وقد ترتب عليه أن يعارض ماركس من أجل أن يصل إلى ذات النتيجة التي وصل إليها هنتنغتون وهي إنتصار الحضارة الغربية على ما عداها من حضارات وأن معارضة ماركس لا بدّ وأن تبدأ بتغيير محرك التاريخ الذي كان قد اكتشفه ماركس ، صراع الطبقات ، فقد قال فوكوياما أن للتاريخ محركاً واحداً هو التسلح (!!) وفي معرض إثباته لهذه " الحقيقة " قال أن التسلح هو المحصلة الناتجة عن قوتين مستقلتين هما (1) علوم الطبيعة الحديثة (Modern Nature Science) التي تكفل من جهة استمرار تقدم التاريخ وتوجيه مساره (Directionality) و (2) وعي الذات (Self-conscious) الذي يؤسس للصراع من أجل الإعتراف بالذات (Struggle For Self-recognition) وهو الخصيصة التي خص بها هيجل (Hegel) الإنسان من دون أقرانه في مملكة الحيوان . وعاد فوكوياما بهذه الخصيصة إلى خصيصة أخرى كان قد قال بها أفلاطون وهي نزعة الإنسان للسيادة والسيطرة (Mythos) ؛ وقد أخطأ باعتبارهما ذات الخصيصة علماً بأن معظم الحيوانات إن لم نقل جميعها تتحلى بهذه الخصيصة التي تنبثق من غريزة الصراع من أجل البقاء ، فلذلك نرى أن الأسود تحافظ على سيادتها المطلقة في عرينها ومثلها تفعل ذكور بعض أنواع القردة . وتتناطح أكباش الأغنام من أجل إعتراف القطيع بفحولة الكبش الأقوى . ومن الغريب أن يذهب فوكوياما هذا المذهب ، مذهب التسلح لضمان السيادة والبقاء ، في العام 92 بشكل خاص بعد أن انهار الإتحاد السوفياتي مباشرة وكان أقوى دولة في التسلح والعسكرة !!

ليس من فكرة ضمّنها فوكوياما في نظريته " نهاية التاريخ " لا تستحق النقض المطلق . لكن القيام بمثل هذا العمل يستوجب تسطير مئات الصفحات وهو ما لا تحتمله المقالة. لذلك نكتفي هنا بدحض أفكاره الرئيسية التي تشكل مفاصل أساسية في نظريته المحبوكة حبكة ضعيفة متهالكة .

الفكرة الأولى التي إنطلق منها فوكوياما وهي تغيير محرك عربة التاريخ ، الصراع الطبقي ، واستبداله بمحرك آخر آلته العلوم الطبيعية ويعمل على خصيصة الصراع لدى الإنسان من أجل الإعتراف بالذات ، هذه الفكرة تستند على إفتراضات غير قادرة على تفسير أسباب التوقف الفجائي لهذا المحرك عند نقطة معينة وعدم اشتغاله على الإطلاق إلا بعد ثورة إجتماعية وتغيير النظام الإجتماعي واستئصاله من جذوره . لو أن محرك فوكوياما هو المحرك الفعلي لعربة التاريخ لظلت هذه العربة تسير في خط واحد مستقيم دون توقف ولما تمرحل التاريخ تبعاً لذلك فعاشت البشرية عصراً طويلاً من العبودية ثم إنتقلت إلى عصر الإقطاع ثم إبتدأ عصر الرأسمالية بالميركانتيلية ؛ وظل يظهر في كل عصر طبقتان مختلفتان نوعاً عما سبقهما ، طبقة عليا تحكم وتمتلك الثروة وطبقة سفلى فقيرة ومحكومة . ثم لو كانت العلوم الطبيعية هي أساس التطور لما صادف التاريخ أية أزمات خلال رحلته المستمرة حيث أن تقدم العلوم لا ينعكس في أي شكل من أشكال الأزمة ، وفي مثل هذه الشروط لن يكون وارداً انهيار الإمبراطوريات القديمة ولكان العالم يعيش اليوم في ظل الإمبراطورية الرومانية أو حتى قبلها الفارسية أو الأشورية .

يجهد فلاسفة ما بعد الحداثة في معارضة ماركس ودحض فلسفته " المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية " فيلجأ معظمهم إلى القول بأن المعرفة هي محرك التاريخ كما قال فوكوياما عن علوم الطبيعة الحديثة . ويقتفي أنصارهم من الإقتصاديين أثرهم فيقولون ب " اقتصاد المعرفة " بزعم أن المعرفة قد غدت العامل الحدي في قيمة الإنتاج وليس الشغل كما افترض ماركس . واتساقاً مع هذه الطروحات قرر فوكوياما أن الإنسان ليس حيواناً إقتصادياً فقط بل هو قبل ذلك حيوان يعي ذاته (self-conscious) أي أنه ذو كبرياء وينزع إلى السيادة على سائر المحيطين به . وبهذا يعيدنا فوكوياما إلى الموضوعة الأثيرة لدى الفلاسفة المثاليين والتي تقول في النهاية أن " الله " خلق الإنسان في أحسن تقويم أو على صورته ومثاله أي بكامل وعيه ، مبتعداً بذلك عن ثنائية الإنتاج/المعرفة والتي تؤكد العلاقة الديالكتيكية بين الإنتاج من جهة والمعرفة من جهة أخر وأن المعرفة لا تكون في الأصل إلا بوجود الإنتاج الذي هو أبوها وأمها وأن المعرفة لا تتسع وتتطور إلا من خلال توسيع الإنتاج وتطويره . مثالية الخلق في التوراة والتي أعاد التأكيد عليها هيجل ويتكئ عليها فوكوياما لغاية تأبيد الرأسمالية لم تعد تحظى بأي اعتبار بعد أن اتفق الأنثروبولوجيون والآثاريون على أن الحيوانات الشبيهة بالإنسان كانت قد عاشت على الأرض ملايين السنين قبل أن يدرك فجر الوعي . ولو أن الإنسان كان قد خلق بوعيه الكامل لسار التاريخ إلى الخلف وبدأ الإنسان حياته على الأرض بأفضل أدوات الإنتاج ثم بدأ في رحلة التخلف مع الأيام .
تجسد الوعي بداية بخروج الإنسان من ذاته للعناية بما يحيط به من أشياء من أجل إنتاج حياته نفسها ، أي الضروريات التي تسمح له بالإستمرار والبقاء على قيد الحياة . هذا التغريب الذي يسميه ماركس " رحلة التغريب " (Alienation Journey) وهي الرحلة التي لا تنتهي طالما الإنسان يحيا على الأرض . إفترق الإنسان عن أقرانه من الحيوانات الأخرى عندما لزم ثنائية مستجدة لديه هي أدوات الإنتاج / الوعي . وأخيراً وبغض النظر عن كل الإجتهادات المختلفة فإن أحداً لا يناقش في أن الوعي الإنساني يصب بأجمعه في طاحون واحدة تدور لتنتج حاجات الإنسان الحيوية وما يسهّل شروط حياته . فالإنسان حيوان منتج ولأنه كذلك فإن له تاريخاً يتغير .
يوظف فوكوياما الوعي بالذات (self-conscious) في النزوع إلى السيادة والسيطرة على الآخر في المحيط وبهذا المعنى يفسر مبدأ هيجل " الصراع من أجل الإعتراف بالذات " (The Struggle for Recognition). ليس من شك في أن العقل هو أداة الصراع لدى الإنسان من أجل البقاء لكن ليس الصراع من أجل السيادة والسيطرة . الحيوانات التي لا وعي لديها تصارع من أجل السيادة والسيطرة فالأسد لا يقبل أسداً آخر في عرينه والكباش تتناطح من أجل السيطرة على قطيع الأغنام وكذلك تفعل ذكور بعض أنواع القردة . 
خصيصة الإعتراف بالذات الإنسانية “Recognition “ تختلف تماماً عن الخصيصة الحيوانية ، خصيصة النزوع إلى السيادة والسيطرة . فطالما أن الذات الإنسانية لا تتحقق إلا بالإنتاج فإن الصراع من أجل الإعتراف بالذات لا بد وأن ينحصر في دائرة الإنتاج دون أن يتعدى محيطها بحال من الأحوال . من هنا رأى ماركس أن التطبيق الواقعي لمبدأ هيجل ، الصراع من أجل الإعتراف بالذات ، يتحقق من خلال الصراع الطبقي حيث تتبنى كل طبقة وسيلة إنتاج بعينها وتتصارع الطبقات دعماً لوسيلة إنتاجها وأرض المعركة هي السوق حيث تتصارع المنتوجات في تنافس مرير حول أولوية استبدالها بالنقد كما حول ارتفاع السعر . وفي سياق هذا الصراع في الأسواق جرت كل الحروب الإستعمارية وما اقتضته من تسلح غير مسبوق على الصعيدين الكمي والنوعي كما كان في الحرب العالمية الأولى والثانية .
تشخيص الإنسان على أن لديه نزوع غريزي نحو السيادة والسيطرة إنما هو تصوير كاريكاتوري يبتعد عن حقيقته . فالإنسان حيوان اجتماعي وما كان ليكون إنساناً لو لم يتعاون مع أقرانه في المجتمع من أجل أن ينتج إحتياجاته الحيوية ولو لم يفعل ذلك لظل حيواناً ولم يحدث أي فراق بينه وبين الحيوانات الأخرى . التعاون الذي هو شرط الإنتاج يقتضي فيما يقتضي روح المساواة . والتعاون والمساواة ينفيان نفياً مطلقاً كل نزوع للسيادة والسيطرة ، النزوع الذي اعتبره فوكوياما محرّك التاريخ .

بالرغم من أن الشيوعية تلغي كل التناقضات بين الإنسان وأخيه الإنسان إلا أن ماركس كان قد رفض اعتبارها نهاية التاريخ ؛ ولما لم يجد ما يعلل به هذا الرفض قال بأنه لا يعرف من الشيوعية حرفاً لا شروطها ولا ما قد يطرأ فيها من تناقضات محتملة . لكن فوكوياما وعلى العكس من ماركس قرر أن النظام الرأسمالي أو "إقتصاد السوق " ، الإسم التجميلي المفضل لدى أنصار النظام الرأسمالي ، وتوأمه " الديموقراطية الليبرالية " ـ دون أن يعلم أحد سر هذه التوأمة المزعومة ـ هما نهاية التاريخ !! ما كان بوسعه اعتبار هذين التوأمين نهاية التاريخ لو لم يأخذ على عاتقه منذ البداية تركيب محرك خاص للتاريخ يشتغل بالحروب التي هي التجسيد التام لنزوع الإنسان إلى السيادة والسيطرة من جهة ولتقدم علوم الطبيعة من جهة أخرى ، وهو ما فعله فوكوياما عن سابق تصميم . امتنعت الحروب فانتهى التاريخ حسب فوكوياما. تقدمت علوم الطبيعة فأنتجت أسلحة الدمار الشامل التي منعت على المتحاربين التحارب وتعطل بذلك نزوع الإنسان للسيادة والسيطرة ولذلك كانت الديموقراطية الليبرالية . بمثل هذه الأفكار الطفولية الساذجة يبشر فوكوياما بنهاية التاريخ وأبدية الرأسمالية في وقت متأخر بعد أن تعفنت الرأسمالية في القبر وقد توفيت وأُعلن عن وفاتها ب "إعلان رامبوييه" (Rambouillet Declaration) نوفمبر 1975 وبعد أن لم تعد السوق الرأسمالية سوقاً بكل قوانينها وضوابطها المعروفة حيث يجري فيها إفتراس منتجي السلع من العمال من قبل منتجي الخدمات من الطبقة الوسطى فتصل في أحيان كثيرة قيمة ساعة/شغل إنتاج الخدمة إلى ما يساوي ألف ضعف قيمة ساعة/شغل إنتاج السلعة . لقد تفككت كل قوانين السوق وهو ما أتاح لطلائعي الطبقة الوسطى التفاخر باستبدال " إقتصاد السوق " بما يسمى بِ " إقتصاد المعرفة " ـ وهناك مقاربة شاملة لهذا الموضوع في كتابي " جديد الإقتصاد السياسي " المنشور على شبكة الإنترنت تحت العنوان أدناه .

الضربة القاضية التي نزلت على أم رأس نظرية فوكوياما " نهاية التاريخ " وقتلتها قبل أن تولد تمثلت بإفلاس " النظام " القائم حالياً في الدول الغربية ومثالها الولايات المتحدة الأميركية التي يقدمها فوكوياما على أنها نظام " الديموقراطية الليبرالية " و " إقتصاد السوق " بينما هو في الحقيقة لا نظاماً ولا ديموقراطياً ولا ليبرالياً ولا إقتصاداً ولا سوقاً !! 
أن يكون هذا " النظام " نظاماً فذلك يعني بالضرورة أن يقوم على ذاته ويعمل بذاته ولذاته . إلا أن النظام في الولايات المتحدة لا يقوم على ذاته ولا يعمل بذاته ولذاته . هذا النظام بحاجة لاستدانة مليارين من الدولارات يومياً لمجرد الإستمرار والبقاء على قيد الحياة . وأن يكون ديموقراطياً فذلك يعني بالضرورة أن يتمكن أي مواطن أمريكي من أن يرشح نفسه نائباً عن الشعب والحال أن الذين لا يملكون ملايين الدولارات لا يستطيعون مجرد التفكير بالترشح . أما مرشح الرئاسة فعليه أن ينفق مئات الملايين قبل أن ينجح . أما أن يكون النظام ليبرالياً فذلك يشترط أن يتمكن موظف الإدارة الأميركية على الأقل أن يكون حراً في إتخاذ القرارات المناطة بوظيفته وهو ما لا يحدث أبداً في الولايات المتحدة . عندما أصر الرئيس جون كنيدي أن يتمتع بكامل حريته في إتخاذ قراراته وجد من يقتله ؛ وعندما ذهب الرئيس رونالد ريغان إلى ريكيافيك في إيسلندا للإجتماع بغورباتشوف والخروج باتفاقية جديدة لنزع الأسلحة ، خرج غورباتشوف في نهاية الإجتماعات ضاحكاً بملء شدقيه متسائلاً .. ما هذا الرئيس الذي أرسل إلى هنا بدون صلاحيات في إتخاذ أي قرار ؟!! واعترف وزير الخارجية السابق كولن باول بأنه لم يكن صاحب الخطاب الذي أدلى به في مجلس الأمن عن أسلحة الدمار الشامل في العراق . وبخصوص الإقتصاد الأميركي فإنه ليس إقتصاداً في كل أوجهه . فهو لا ينتج كل حاجات الشعب الأمريكي وانكشافه الفضائحي ليس الإستدانة الدائمة فقط والتي راكمت حتى اليوم ما يساوي أربعة أمثال مجمل الإنتاج القومي لتكون الولايات المتحدة أكبر مدين في العالم ، بل هو الإنكشاف الكلي تقريباً للدولار . غطاء العملة القومية ، الدولار ، ليس من إنتاج الولايات المتحدة ولا تملك أي شيء منه على الإطلاق . إنه النفط العربي والإنتاج السلعي الصيني . الولايات المتحدة اليوم مرتهنة لعرب النفط وللصينيين . وأما السوق فلم تعد حرة بعد أن فقدت أصنامها الرأسمالية . الخدمات التي تشكل اليوم ثلاثة أرباع مجمل الإنتاج في الدول المتقدمة لا تصل السوق ولا تخضع لقانون القيمة الرأسمالي وهو القانون الأساسي للسوق ، أية سوق .
أقترح على فوكوياما أن يبدأ منذ اليوم بكتابة نظرية أخرى تعارض كل ما جاء في نظريته حول أبدية الرأسمالية ونهاية التاريخ . أنصحه بكل مودة أن يباشر حالاً في ذلك لأن النظام الأميركي القائم اليوم وسائر الأنظمة المماثلة في البلدان الأخرى سوف تنهار انهياراً مروعاً حتى القاع في السنوات القليلة القادمة ، ذلك الإنهيار الذي سيلقي بالبشرية كلها في كارثة تاريخية لا تشبهها إلا كارثة سقوط روما عام 476 للميلاد . 

فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01 

تتوجب الإشارة هنا إلى أن كتابي المنشور على الشبكة " أزمة الإشتراكية وانهيار الرأسمالية " كان قد صدر بذات التاريخ الذي صدر فيه كتاب فوكوياما " نهاية التاريخ " والكتابان متعارضان ، لكأني كتبت لأنقض نظرية فوكوياما 

mardi 9 novembre 2010

الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر:فلاديمير لينين

تقترب الذكرى الرابعة للخامس و العشرين من أكتوبر (7 نوفمبر – تشرين الثاني).

بقدر ما يبتعد عنا هذا اليوم العظيم، بقدر ما يزداد دور الثورة البروليتارية في روسيا اتضاحا و بقدر ما نتأمل بمزيد من التعمق أيضا تجربة نشاطنا العملية، مأخوذة بمجملها.

و من الممكن عرض هذا الدور و هذه التجربة بلمحات في غاية الإيجاز – هي بالطبع أبعد من أن تكون كاملة و دقيقة – على النحو التالي.

إن مهمة الثورة في روسيا، المباشرة و القريبة، كانت مهمة ديموقراطية برجوازية قوامها القضاء على بقايا القرون الوسطى، و إزالتها إلى الأبد، و تنظيف روسيا من هذه البربرية، من هذا العار، مما كان يعيق إلى ما لا حد له كل ثقافة و كل تقدم في بلادنا.

و من حقنا أن نفتخر لكوننا قمنا بهذا التنظيف بأكثر بكثير من الحزم و السرعة و الجرأة، بأكثر بكثير من النجاح و الشمول و العمق، – من حيث التأثير في جماهير الشعب، في أعماقه، – مما فعلت الثورة الفرنسية الكبرى منذ أكثر من 125 سنة.

لقد قال الفوضويون و الديموقراطيون البرجوازيون الصغار (أي المناشفة و الاشتراكيون الثوريون، بوصفهم الممثلين الروس لهذا النموذج الاجتماعي العالمي) و لا يزالون يرددون كثرة كثيرة من الآراء المشوشة بصدد العلاقة بين الثورة الديموقراطية البرجوازية و الثورة الاشتراكية (أي البروليتارية). و حول هذه النقطة، تأكدت كليا، خلال أربع سنوات، صحة مفهومنا للماركسية، صحة استعمالنا لتجربة الثورات الماضية. و لقد سرنا، كما لا أحد، بالثورة الديموقراطية البرجوازية إلى النهاية. و بكل إدراك، و بخطى ثابتة، و دون أي انحراف، نسير إلى أمام، نحو الثورة الاشتراكية، عارفين أنها غير منفصلة عن الثورة الديموقراطية البرجوازية بسور صيني، عارفين أن النضال وحده هو الذي سيقرر مقدار التقدم الذي سنتمكن من تحقيقه (في نهاية الأمر)، مقدار القسم الذي سننفذه من مهمتنا اللامتناهية الكبر، مقدار الجزء الذي سنوطده من انتصاراتنا. و من يعش ير. و لكننا نرى منذ اليوم أن عملا جليلا – بالنسبة لبلد خرب، منهوك، متأخر – قد أنجز فيما يتعلق بالتحويل الاشتراكي للمجتمع.

و لكن لننه عرضنا حول مضمون ثورتنا الديموقراطي البرجوازي، يجب على الماركسيين أن يفهموا ما يعنيه هذا. و على سبيل التوضيح، لنأخذ بضعة أمثلة عملية.

إن مضمون الثورة الديموقراطي البرجوازي، هو تصفية العلاقات الاجتماعية (النظم، المؤسسات) في البلد من خصائص القرون الوسطى، من القنانة، من الإقطاعية.

أيا كانت أهم الظاهرات، البقايا، الرواسب من القنانة في روسيا عشية 1917؟ الملكية، الفئات المغلقة الحاكمة، التملك العقاري و التمتع بالأرض، وضع المرأة، الدين، اضطهاد القوميات. خذوا أيا من "إسطبلات أوجياس" هذه المتروكة، و نقول هذا للمناسبة، إلى حد ملحوظ، غير منظفة بصورة تامة من قبل جميع الدول المتقدمة حين قامت بثورتها الديمقراطية البرجوازية، منذ 125 سنة و 250 سنة و أكثر (1649 في انجلترا)،– خذوا أيا من إسطبلات أوجياس هذه، تروا أننا نظفناها كليا. ففي نحو عشرة أسابيع، لا أكثر، منذ 25 تشرين الأول – أكتوبر (7 تشرين الثاني – نوفمبر) 1917 حتى حل الجمعية التأسيسية (5 كانون الثاني – يناير 1918)، فعلنا في هذا المضمار ما يزيد ألف مرة عما فعل الديمقراطيون و الليبراليون البرجوازيون (الكاديت) و الديمقراطيون البرجوازيون الصغار (المناشفة و الاشتراكيون – الثوريون) في ثمانية أشهر من حكمهم.

إن هؤلاء الجبناء، هؤلاء الثرثارين، هؤلاء النرجسيين المشفوفين بأنفسهم، هؤلاء أشباه هملت من قياس مصغر، كانوا يلوحون بسيف من كارتون، – و لم يقضوا حتى على الملكية! لقد أفرغوا الزبالة الملكية كما لم يفعل أحد في أي وقت مضى. و لم نترك حجرا على حجر، و قرميدة على قرميدة، من هذه العمارة التي دامت قرونا و قرونا، عمارة نظام الفئات المغلقة (إن أكثر البلدان تقدما، كانجلترا و فرنسا و ألمانيا، لم تتخلص بعد حتى الآن من بقايا هذا النظام!). إن أعمق جذور هذا النظام، أي بقايا الإقطاعية و القنانة في تملك الأرض، إنما استأصلناها كليا. "يمكن الجدال" (ففي الخارج ما يكفي من الأدباء الكاديت، و المناشفة، و الاشتراكيين – الثوريين للدخول في هذا الجدال) حول معرفة ما سينجم "في آخر المطاف" من الإصلاحات الزراعية التي تقوم بها ثورة أكتوبر الكبرى. إننا لسنا اليوم على استعداد لتضييع وقتنا على هذا الجدال، لأننا بالنضال نحل هذا الجدال و كل طائفة الجدالات التي تتوقف عليه. و لكنه لا يمكن الجدال ضد واقع أن الديمقراطيين البرجوازيين الصغار "قد تفاهموا"، طوال ثمانية أشهر، مع الملاكين العقاريين حفظة تقاليد القنانة، بينا كنسنا نحن كليا خلال بضعة أسابيع هؤلاء الملاكين العقاريين و جميع تقاليدهم على السواء من على وجه الأرض الروسية.

خذوا الدين، أو غياب الحقوق للمرأة ، أو اضطهاد القوميات غير الروسية و عدم مساواتها في الحقوق. و كلها قضايا تتعلق بالثورة الديموقراطية البرجوازية. إن تافهي الديموقراطية البرجوازية الصغيرة قد ثرثروا حول هذه الموضوعة طوال ثمانية أشهر. و ليس ثمة بلد واحد، بني أرقى البلدان في العالم، حلت فيه هذه المسائل إلى النهاية في الاتجاه الديمقراطي البرجوازي. أما عندنا فقد حلها إلى النهاية تشريع ثورة أكتوبر. لقد حاربنا الدين و نحاربه حقا، و منحنا جميع القوميات غير الروسية جمهوريات أو مقاطعات مستقلة ذاتيا خاصة بها. و لم تعد روسيا تعرف هذه السفالة، هذه الشناعة، هذه الدناءة، ونعني بها انعدام الحقوق أو عدم المساواة في الحقوق بالنسبة للمرأة، هذه البقية المنفرة المتبقية عن الإقطاع و القرون الوسطى، و المرممة في جميع بلدان الكرة الأرضية، دون أي استثناء، من جانب البرجوازية الجشعة و البرجوازية الصغيرة البليدة و المذعورة.

هذا هو مضمون الثورة الديموقراطية البرجوازية. منذ مائة وخمسين سنة و مائتي وخمسين سنة، وعد زعماء هذه الثورة (و هذه الثورات ، إذا تناول الكلام كل نوع قومي عن نموذج مشترك) التقدميون الشعوب بتحرير الإنسانية من امتيازات القرون الوسطى، و عدم مساواة المرأة ، و الصلاحيات الممنوحة من جانب الدولة لهذا الدين أو ذاك (أو "لفكرة الدين" ، "النزعة الدينية" بوجه عام)، وعدم المساواة بين القوميات. وعدوا، ولم يفوا بهذا الوعد. و لم يكن في مقدورهم أن يفوا به، لأنه حال بينهم وبني الوفاء به "احترام"... "الملكية الخاصة الكلية القداسة". إن ثورتنا البروليتارية لم تكن هذا "الاحترام" الملعون لهذه البقايا من القرون الوسطى، الملعون ثلاث مرات، و لهذه "الملكية الخاصة الكلية القداسة".

و لكنه، توطيدا لمكتسبات الثورة البرجوازية الديموقراطية في صالح شعوب روسيا، كان يتعين علينا أن نمضي إلى أبعد. و هذا ما فعلناه. فقد حللنا قضايا الثورة البرجوازية الديموقراطية عرضا، خلال السير، بوصفها "نتاجا ثانويا" لعملنا الرئيسي و الحقيقي، لعملنا الثوري، البروليتاري، الاشتراكي. فالإصلاحات، كما قلنا دائما، نتاج ثانوي للنضال الطبقي الثوري. و الإصلاحات الديموقراطية البرجوازية، كما قلنا و أثبتنا بأفعالنا – نتاج ثانوي للثورة البروليتارية، أي الاشتراكية. و نقول بالمناسبة أن جميع إضراب كاوتسكي و هلفردينغ و مارتوف و تشيرنوف و هيلكويت و لونغه و ماكدونالد و توراتي و سائر أبطال الماركسية "الثانية و النصف" لم يستطيعوا إدراك هذه العلاقة بين الثورة الديموقراطية البرجوازية و الثورة البروليتارية الاشتراكية. إن الأولى تتحول إلى الثانية. و الثانية تحل، عرضا، قضايا الأولى. و الثانية توطد عمل الأولى. و النضال، النضال وحده، هو الذي يقرر إلى أي حد تنجح الثانية في تجاوز الأولى. (...)

لينين – 14 تشرين الأول – أكتوبر 1921

mercredi 27 octobre 2010

لينين يظهر علنا لأول مرة في أجتماع سوفييت بتروغراد في الساعة الثالثة بعد الظهر

الثورة تبدأ في الساعة الثامنة صباحا . لينين يظهر علنا لأول مرة في أجتماع سوفييت بتروغراد في الساعة الثالثة بعد الظهر

الموضوع مقتبس من يوميات الثورة
24_ 26 اكتوبر ( ثورة أكتوبر عام 1917 )
أدرك لينين أن الوقت قد حان لكي يضرب ضربته , ففي منتصف سبتمبر 1917 ( حسب التقويم القديم ) الموافق 28 سبتمبر حسب التقويم الحالي . ارسل لينين , من منفاله بفلندا ., عدة رسائل الى اللجنة المركزية للحزب البلشفي , ولجنتي بتروغراد , أكد فيها ضرورة أسراع البلاشفة في الاستيلاء على السلطة في روسيا .
وفي يوم 20 أكتوبر عاد لينين من فلندا الى بتروغراد متخفيا . ومنذ الثالث والعشرين من الشهر نفسه عقدت الجنة المركزية للحزب البلشفي عدة أجتماعات سرية برئاسة لينين , بهدف مناقشة الاستعدادات للثورة وخطوات تنفيذها , كما انتخبت مكتبا سياسيا من سبعة أعضاء .
وقرأ لينين في أجتماع 23 أكتوبر تقريرا عن ضرورة إشعال الثورة المسلحة , وصادقت اللجنة المركزية على ذلك إلا أن اثنين من أعضاء اللجنة المركزية , هما كامنييف وزينوفييف , عارضا هذا القرار , في حين أيد 20 من أعضاء اللجنة المركزية وأمتنع ثلاثة عن التصويت . وكان عدد أعضاء الحزب البلشفي زهاء 400 ألف عضو . وعن هذه الدورة للجنة المركزية أنبثقت اللجنة العسكرية الثورية برئاسة لينين نفسه ., واشرفت على مجمل الإعداد وقيادة الثورة المسلحة . وأنتشر مندوبو اللجنة المركزية للحزب البلشفي في المناطق الصناعية الروسية بهدف قيادة الانتفاضة . وشكلت اللجنة التنفيذية لمجلس سوفيات بتروغراد لجنة ثورية عسكرية برئاسة بودوفوسكي وأرسلت اللجنة المركزية مفوضيها الى كافة الوحدات العسكرية المرابطة في العاصمة وضواحيها . وأستكملت قوى الثورة أستعداتها لشن الهجوم .
وفي الاجتماع التالي في 23 أكتوبر1917 , أشار لينين مرة أخرى الى التمرد في الاسطول الآلماني وقال : إن الموقف الدولي يعطينا سلسلة من الاسباب الموضوعية للاعتقاد بأننا أذا أقدمنا الآن فسنجد في البروليتاريا الأوربية كلها , حليفا يقف الى جانبنا , وكان ستالين هو الذي طالب في الاجتماع بثقة أكثر في الموقف الدولي .
صباح الاربعاء 25 أكتوبر ( 7نوفمبر )
في صباح 25 أكتوبر 1917 ( 7 نوفمبر ) صدر بلاغ بلشفيكي يعلن سقوط الحكومة المؤقتة, والقبض على جميع أعضائها , فيما عدا كرنسكي الذي أستطاع الفرار , ,اقر السوفييت العام تلك الثورة , وكوًن في اليوم نفسه حكومة مؤقتة جديدة , أطلق عليها أسم المجلس السوفييتي لوكلاء الشعب , وأنتخب لينين رئيسا لهذا المجلس . وتروتسكي وزيرا للخارجية ..
وأصدر المجلس البيان التالي :
إن الحكومة المؤقتة قد عزلت . وأنتقلت سلطة الدولة إلى يد جهاز سوفييت بتروغراد لنواب العمال والجنود _ واللجنة العسكرية الثورية , القائمة على رأس بروليتاريا بتروغراد وحاميتها . وهي تضمن تحقيق الاهداف التي ناضل الشعب من أجلها , وهي التصالح الديمقراطي في الحال , وإلغاء الملكية الكبيرة للأرض , والرقابة العمالية على الانتاج وإقامة حكومة سوفييتية .
25 تشرين الاول ( اكتوبر ) الثورة تبدأ في الساعة الثامنة صباحا . الجنود يقفلون (( مجلس الجمهورية )) في الساعة الثانية عشر ظهرا . لينين يظهر علنا لأول مرة في أجتماع سوفييت بتروغراد في الساعة الثالثة بعد الظهر . العمليات العسكرية ضد مقر الحكومة المؤقتة في قصر الشتاء . تبدأ في الساعة التاسعة مساء . المؤتمر العام الثاني للسوفييت يعقد أول أجتماع له في (( سمولني )) في الساعة عشرة مساء .
وفي صباح 25 أكتوبر كان معظم بروغراد في أيدي الثوار البلاشفة , وبقت بضع مواقع بيد قوات الثورة المضادة بما فيها قصر الشتاء , حيث يقبع وزراء الحكومة المؤقتة تحت حماية كتيبة من اليونكرز , في حين فر رئيس الحكومة كيرنسكي , سرا من بروغراد في سيارة السفارة الامريكية , وأتجه الى قطاعات القوزاق المسحوبة من الجبهة , بغية العودة معها الى العاصمة . وسرعان ماصفت قوات الثورة جيوب قوات الثورة المضادة في بتروغراد . وحتى مساء 25 أكتوبر ( بالتقويم الروسي القديم ) ظل قصر الشتاء , محاصراَ بقوات كثيفة من الحرس الأحمر والجنود والبحارة الثوريين . وفي الساعة 21 دوت فوق نهر النيفا وبتروغراد , القنبلة الأولى من مدافع الطراد أورورا , إشارة للبدء في الهجوم على قصر الشتاء . وبعد ساعات قليلة سيطرت قوات الثورة على القصر , وأعتقلت الوزراء السابقين , وأودعتهم قلعة بطرس وبولص , حيث كان القيصر يسجن الثوار من قبل . ورفرف العلم الأحمر فوق العاصمة الروسية بروغراد ..

الخميس 26 أكتوبر ( 8_نوفمبر 1917 ) ( سقوط قصر الشتاء ) وقيام حكومة العمال والفلاحين
أصدر لينين مرسوم السلام المشهور . وأقره المؤتمر الثاني لسوفيتات عموم روسيا , سلام مبني على سلام عادل وديمقراطي "بلا ضم ولا تعويضات" وحق تقرير المصير القومي لكل الأمم بالتصويت الحر . وأن تكون مفاوضاتها المقبلة علنية تماما أمام كل الشعب . وبعد مرسوم السلام تم أقرار مرسوم الارض وينص المرسوم على مصادرة جميع أراض الملاك والعائلة القيصرية والأديرة بلا تعويض , وتمليكها للشعب . وحملت المراسيم أسم مجلس مفوضي الشعب , وعين لينين رئيسا لهذه الحكومة , وانتخب المؤتمر الثاني للسوفييت أعضاء اللجنة التنفيذية المركزية لعموم روسيا وتم أختيار كامنييف رئيسا لهذه اللجنة . وفي إطار تشكيل الحكومة شكلت لجنة الشؤون العسكرية والبحرية , وضمت بلاشفة من ذوي الخبرة العسكرية , هم أنتونوف . وأفسيينكو , والملازم الثاني كريلينكو , والبحار ديبيكو ( رئيس اللجنة المركزية لأسطول البلطيق ) . وتشكلت حكومة العمال والفلاحين :ـ
1_ رئيس المجلس _ فلاديمير أوليانوف ( لينين )
2- الداخلية ريكوف . 3_ الزراعة ميليوتين . 4_ العمل شليا بنيكوف . 5_ الحربية والبحرية لجنة مؤلفة من أفسيينكو( أنطونوف ) كريلنكو , ديبنكو . 6_التجارة والصناعة نوغين 7_ التعليم لوناتشارسكي 8_ المالية سكفورتسوف . 9_ الخارجية تروتسكي . 10_ التموين تيودوروفيتش . 11_ العدل أبوكوف ( لوموف ) 12_ البريد والبرق أفيلوف ( غليبوف ) 13_ رئيس شئون القوميات جوغاشفيلي ( ستالين )
أنعزلت الحكومة المؤقتة عن الجماهير والشعب الروسي وعن الوحدات العسكرية الروسية . ولم يقف الى جانب الحكومة المؤقتة سوى اليونكرز ( قوات الثورة المضادة ) , وحتى وحدات القوزاق التي كانت أمل الحكومة المؤقتة الرئيسي , لم تغادر ثكناتها , ورفضت تنفيذ أوامر الحكومة المؤقتة . ونجحت الثورة البلشفية دون أراقة دماء نسبيا َ في حين أتسمت القوى المضادة للثورة بالعنف في موسكو مما ضاعف عدد الضحايا لدى الطرفين
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=4&aid=233056..,

dimanche 24 octobre 2010

برهان غليون:الأزمة العربية بين الهوية والتحول


أمام ما يظهر للناظر من أوضاع بائسة تعيشها المجتمعات العربية المعاصرة، يكاد القسم الأكبر من المحللين والباحثين يعرض عن الأخذ بالمقاربات التي طورتها العلوم الاجتماعية الحديثة والتي تنظر في الشروط التاريخية، الجيوستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية، لولادة النظم الاجتماعية وتحولها، وينزع مقابل ذلك إلى البحث عما يعتقد أنه الجذور الأبعد للداء، تلك الجذور التي تتصل بالشخصية أو الهوية أو الثقافة أو الدين. وفي هذه المقاربة لا يكون الاضطراب والضياع، وربما الشلل الذي تعرفه هذه المجتمعات، هنا وهناك... حالة طارئة تعبر عن تحولات اجتماعية أو سياسية أو ثقافية داخلية، وعن تبدل البيئة الخارجية وتحولها، وإنما تعبير عن علل كامنة تمس بنية الشخصية الثقافية أو ما يسمى العقل الجمعي. من هنا تأتي موجة النقد الذاتي التي نشهدها، والتي تصل أحياناً إلى حد الندب والجلد، لتتجاوز كل معايير التحليل المنطقي، في محاولة لإثبات وجود عاهات موروثة يتعذر علاجها دون الخروج من الذات أو القبول بمعاداتها!

وفي الواقع فإن معظم المقاربات الثقافوية تنزع إلى تأكيد عنصرين: الخصوصية التاريخية النابعة من فرادة التطور، والجوهرانية النابعة من النظر إلى المجتمعات كما لو كانت تجسيداً لجوهر روحي ومادي جامد لا يتغير.


وفي اعتقادي أن كل ما تعرفه المجتمعات العربية اليوم من ظواهر سلبية؛ في أنماط إنتاجها، وأساليب حكمها وسياساتها، علاوة على عقمها الثقافي البادي للعيان... لا يمكن فهمه لا من داخل الدين ولا الثقافة ولا التراث، وإنما يعود بشكل رئيسي إلى الإجهاض الذي تعرضت له مسيرة التحول والتقدم التي انخرطت فيها تلك المجتمعات قبل حوالي قرن، وكان يفترض أن تنقلها من أنماط الفكر والسلوك والإدارة والحكم القديمة نحو أنماط حديثة، مستدركة التأخر التاريخي الذي لحق بها نتيجة جمود وتلكؤ نخبها القائدة خلال القرنين الماضيين.

وبعكس ما تشيعه الأدبيات الرائجة، كانت المجتمعات العربية طليعية في دخول مغامرة الحداثة، لأنه لا يوجد في ثقافتها الزمنية والدينية ما يعيق النظر العقلي والتجديد الفكري والديني: لا سلطة بابوية، ولا تقاليد إقطاعية ثابتة ومتجذرة. فمحمد علي باشا سبق اليابان إلى شق طريق التحديث منذ بداية القرن التاسع عشر، وبقيت مصر أكثر تقدماً، من الناحية الصناعية والعلمية والتقنية، مقارنة بمعظم بلدان أوروبا حتى الربع الأخير من القرن نفسه. ورغم الضغوط والتهديدات الاستعمارية، فقد استمر -وإلى وقت قريب- النزوع داخل المجتمعات العربية ونخبها الثقافية وأحزابها السياسية وقواها الاجتماعية الصاعدة، قوياً من أجل التغيير والتحديث واللحاق بالعصر. ولم تستطع الهيئات الدينية المحافظة أن تحبط هذا التحرك القوي في اتجاه التغيير أو أن تشكل عقبة تذكر أمامه، بل إن رجال دين تقدميين وإصلاحيين ساروا في اتجاه التحويل والتحديث لمجتمعاتهم ونظّروا له ودعموه، كما فعلت الحركة الإصلاحية الإسلامية. ولم يضعف سقوط الأقطار العربية تحت الاحتلال من زخم تيار الحداثة والتحديث. ففي ظله نشأت الحركات الوطنية حول مفاهيم وقيم ومطالب حديثة في بناء الدولة والأمة والسياسة والشورى والديمقراطية، وولدت الأحزاب الليبرالية والاشتراكية والقومية. وما أن تحقق الاستقلال حتى انطلقت مسيرة التحديث والتقدم بأقوى صورها، رافعة شعار القومية العربية التي حددت أهدافها باستكمال الاستقلال وتوحيد الوطن العربي ومواجهة النفوذ الأجنبي، وبناء أمة حديثة، وإحداث ثورة صناعية وتقنية وعلمية شاملة.

من هنا كانت الصدمة قوية عندما ظهر إخفاق هذا المشروع، أعني مشروع الانخراط الإيجابي في روح العصر، وتأكيد السيادة الكاملة، وتطوير البنى الاقتصادية والعلمية للعالم العربي. وسوف ينقلب الحلم إلى كابوس عندما يفتح الفراغ الأيديولوجي والسياسي الذي خلفه إجهاض مشروع النهضة والتقدم الباب أمام عودة القوى القديمة، والتي كانت تنتظر الفرصة لتنقض على منجزات المشروع التقدمي وإقامة نظامها الخاص وتعزيزه في وجه أي معارضة قادمة.

وإذا تأملنا في كل ذلك، سيكون من السهل أن نكتشف بأن جذور الأوضاع المأساوية التي نعيشها، لا تمتد بالضرورة بعيداً في التاريخ، وإنما تكمن في النظام الاجتماعي والإقليمي الجديد الذي ولد على أنقاض النظام القومي العربي الذي رفع توقعات العرب التاريخية إلى السماء قبل أن يتركهم يسقطون صرعى أمام خصومهم التاريخيين. ففي سياق هذا النظام الجديد، أمكن لإسرائيل التي لم تكن تطمح لشيء أكثر من الاعتراف العربي بوجودها، إطلاق مشاريع التوسع الاستيطاني في ما تبقى من فلسطين وسواها من الأراضي العربية المحتلة، وفيه استعادت الدول الغربية النفوذ الذي فقدته أو كادت، وأصبحت تشارك بقوة في أجندة السياسة الإقليمية وتوجهاتها، وصعدت طبقة رجال المال والأعمال على انقاض ما كان يسمى الاقتصادات الوطنية المركزية المعتمدة على ملكية الدولة والخطط التنموية والأهداف السياسية الوطنية الواضحة.

ولو أردنا الاختصار، لقلنا إن عوامل الأزمة العميقة التي تعيشها المجتمعات العربية، والتي تضعف من إنجازاتها وتفسد مضمونها في جميع الميادين، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، تتلخص في أربع كلمات رئيسية: الاحتلال، التبعية، الاستبداد، واقتصاد الهدر. هذه هي مصادر الأزمة الفعلية، وما تبقى قنابل دخانية، لا قيمة لها سوى في طمس العلل الحقيقية والتغطية عليها وتبريرها.

dimanche 17 octobre 2010

موقف فهد من قضية فلسطين


1-11-1947
الرسالة الأولى - الاقتراحات الواردة نجيب عليها بما يلي:
  1. لجنة الدفاع شيء حسن استمروا في مسعاكم مع الإخوان في سوريا وفلسطين عن طريق من تعتمدون عليه ومن الضروري إرسال شخص إليهم.
  2. لا مانع لدينا إذا كان المقصود إرساله إلى "مكة" هو ماجد وإذا كان شخصا أخر فأعلمونا باسمه لكي نعطيكم رأينا.
  3. اتركوه الآن واصرفوا النظر عن الإذاعة الآن.
  4. لابأس بإصدار نشرة ثقافية إذا استطعتم الاعتماد على كادركم المحلي، ومن الضروري معالجة الأوضاع الراهنة والنظرية. أما مساهمتنا في الموضوع فهذا قد لا يتيسر دائما نظرًا لأوضاعنا وعدم صلتنا بالظروف في مجريات الأحوال، ولذلك اعتمدوا على كادركم في كتابة مقالات جريدتكم وسوف لا نستطيع تزويدكم بشيء إلا بعد أسابيع وربما أشهر.
  5. لم تذكروا بالتفصيل عن المنطقة الجنوبية ومن تريدون الاعتماد عليهم.
    أما إصدار نشرة لهم فهذا أمر ضروري إذا توفرت الأسباب وإذا اعتمدتم على قابلية من سيتولى أمر المنطقة الجنوبية أما الآن فهيئوا الأسباب المادية لها.
    لا حاجة لمنطقة شمالية فباستطاعتكم تأليف لجنة تدير أمر الألوية الشمالية منكم ومن أربعة أشخاص أو ستة من الرفاق الأكراد عداكم فعرفونا بأسماء من ترشحون على أن تكون ممثلة جميع ألوية الشمال.

الرسالة الثانية
  1. اعملوا على توفير المال لكادر محترف، ومن الضروري أن تأخذوا أسماء جديدة عند العمل بين الجماهير وتحفظًا زائدًا، ومن الضروري أن تأتوا ببعض النشيطين من كادر الألوية إلى المركز.
  2. أما قضية فلسطين فلم نتوصل إلى أكثر مما توصلتم، عدا شيء واحد هو ذكركم لقومية يهودية في فلسطين فهذا ربما كان غير صحيح، فكل ما في الأمر أن الاتحاد ربما قال بوجوب الأخذ بنظر الاعتبار بضعة مئات الألوف من اليهود الذين سبق وأصبحوا من سكان فلسطين، فهذا لا يعني أنهم قومية ولا يعني عدم الاهتمام بهم. ومع هذا فليست هذه نقطة جوهرية في الموضوع، فموقف الاتحاد جاء نتيجة محتمة للأوضاع والمؤامرات والمشاريع الاستعمارية المنوي تحقيقها في البلاد العربية وفي العالم. فالمهم في الموضوع هو وجوب إلغاء الانتداب وجلاء الجيوش الأجنبية عن فلسطين وتشكيل دولة ديمقراطية مستقلة كحل صحيح للقضية. ومن واجبنا ان نعمل لهذا حتى الأخير، ولكن إذا لا يمكن ذلك بسبب موقف رجال الحكومات العربية ومؤامراتهم مع الجهات الاستعمارية فهذا لا يعني إننا نفضل حلاً آخر على الحل الصحيح ونرى من الأوفق أن تتصلوا بإخواننا في سوريا وفلسطين وتستطلعوا رأيهم في تعيين الموقف.


المصدر: كتاب "من وثائق الحزب الشيوعي العراقي – كتابات الرفيق فهد" ؛  منشورات طريق الشعب – بغداد
دار الفارابي – بيروت ؛
طبع في حزيران - 1976

mercredi 29 septembre 2010

من رسالة ماركس الى زوجته

هذه مقتطفات من رسالة بعثها ماركس الى زوجته جيني التي كانت قد تركته مع بناتها الثلاث في زيارة لأهلها بالمانيا. وكان ماركس مع اسرته يعيش في انكلترا مهاجرا وفي ظروف قاسية وصعبة جدا. وقد احب ماركس زوجته جيني التي كانت خير عون له في نضاله وفي عمله العلمي.
يا حبيبة قلبي ها انذا اكتب اليك ثانية لانني وحيد ولانني يخجلني ان احاورك دائما في الخيال، دون ان تعرفي او تسمعي شيئا ما احاورك به، ولا تستطيعين الرد عليّ. انني اراك امامي، احملك فوق يدي واقبلك من الرأس حتى القدمين، وأركع امامك، واتنهد.. مدام انني احبك... انني في الحقيقة احبك اكثر من حب مغربي البندقية (يقصد عطيل)، الشخص الخبيث والفاسد يعتبر كل الصفات خبيثة وفاسدة، من من مشوهي سمعتي واعدائي ذوي لسان الثعابين قد اتهمني مرة باني مؤهل لان اؤدي دور العاشق الاول في مسرح من الدرجة الثانية؟ ولكن هذا هو الواقع، ولو كان عند الاوغاد ذرة من النكتة لرسموا "علاقات الانتاج والتبادل" في جانب، وفي الجانب الآخر رسموني وانا عند قدميك، وكتبوا في قصاصة: انظروا الى هذه الصورة، ثم الى الصورة الاخرى، غير انهم اوغاد اغبياء، وسيظلون اغبياء ابد الآبدين. الفراق الاني جيد للتمييز بين الاشياء التي تتشابه اثناء الحضور، حتى الابراج تبدو قميئة على القرب، بينما الزهيد واليومي يأخذ بالتنامي لدى مراقبته عن كثب. وهكذا الامر مع العواطف. فالعواطف الكبيرة التي تأخذ عند قربها شكل عادات صغيرة تنمو وتأخذ حجمها الطبيعي ثانية بتأثير سحر الفراق، وهكذا هو حال حبي، يكفي ان تبتعدي فقط في المكان فأعلم ان الزمن قد خدمه مثلما تخدم الشمس والمطر النبات، أي للنمو. ان حبي اليك يبدو، حالما تبعدين، على حقيقته، عملاقا تركزت فيه كل طاقات فكري، وكل خواص قلبي، واني لاحس ثانية بانني رجل، لانني احس بالعواطف الكبيرة. ستبتسمين يا قلبي الحلو، وتتساءلين من اين لي فجأة كل هذه الفصاحة؟ ولكني لو استطعت ان اضم قلبك الناصع الحلو الى قلبي لصمت وما تفوهت بكلمة، ولما كنت لا استطيع ان اقبلك... وجب عليّ الكلام. في الواقع يوجد عدد كبير من بنات الهوى في الدنيا والبعض منهن جميلات، ولكن اين ألقى وجها حيث كل قسمة، وكل طية فيه تبعث في احلى واروع ذكريات حياتي؟ حتى اوجاعي التي لاحد لها وخسارتي التي لا تعوض اقرأها في محياك الحلو وأبعد الالم عني بالقبل، عندما اقبل وجهك الحلو. وداعا يا قلبي ألف قبلة لك وللاطفال
كارل ماركس 21 حزيران 1856

samedi 25 septembre 2010

حزب شيوعي لا أشتراكية ديمقراطية- فهد


حزب شيوعي ..
لا اشتراكية ديمقراطية
الى الأخ مقدام
تحية رفاقية حارة
أرجو أن تكونوا مرتاحي البا ل وأنتم في غربتكم واريد أن أعتذر لكم عن تأخير جوابي هذا لكم بسبب الظروف التي نحن فيها . اما طلبكم الأنتماء الى حزبكم فهو قيد الدرس واطمئنوا بأن حزبكم يتشرف بضم المناضلين الى صفوفه وسوف نعلمكم بالنتيجة النهائية عند انتهاء مدة الترشيح وقد اتصلنا بأحد رفاقنا الذين قضوا معكم زمنا في المكان الذي انتم فيه فذكركم بالطيب ، لذلك أرجوكم ان تتصرفوا كما لو كنتم حزبيا وسأطلب من رفاقنا القريبين في هذا البلد ، ان يمدوكم بالجريدة والأدبيات التي تحتاجونها وان يساعدوكم فيما تحتاجون اليه .
( 1 )
اسئلتكم تتطلب شرحا طويلا لا استطيع الاجابة عليها في هذا الظرف الا بايجاز والحق يقال ان مثل هذه المواضيع لايمكن فهمها واتقانها الا بدراسة ما كتبه ماركس-انجلز-لينين-ستالين-ومن تتبع حركة الطبقة العاملة في ادوارها الثلاثة المتمثلةمرحلتها الأولى بالأممية الأولى عندما كانت الحركة تمثل دور تعريف القضية ونشرها بين عمال مختلف الأقطار المتقدمة وتميزها عن الأشتراكيات الطوباوية وعن الفوضوية ، ووضع الأسس للنظرية الخاصة بالطبقة العاملة ، وايجاد منظمات خاصة بها – اي منظمات للعمال مستقلة عن منظمات البرجوازية الحرة – وكانت مرحلتها الثانية المتمثلة في الأممية الثانية تمثل دور حركة الطبقة العاملة السلمي الذي هو ايضا دور تطور الطبقة الرأسمالية السلمي ، وكان على الحركة في تلك الفترة ان توجد وتنشر الأدبيات ، وتستفيد من الامكانيات العلنية لتقوية الحركة وبصورة خاصة الاستفادة من الامكانيات البرلمانية لارغام الحكومات البرجوازية على سن القوانين وشمول الانتخابات للعمال كوسيلة لتقوية الحركة الاشتراكية ونموها . اما المرحلة الثالثة ، المتمثلة في الاممية الثالثة (( الاممية الشيوعية )) فانها تمثل دور هجوم الطبقة العاملة على قلعة الرأسمالية واخذ السلطة بيدها ، اذ ان الرأسمالية دخلت مرحلتها الاخيرة ، مرحلة الرأسمالية الاحتكارية ، عصر الامبريالزم والثورة البروليتارية . لذلك وجب على الطبقة البروليتارية ان تشهر سلاحها جديدا ، وان توجد لها تنظيما جديدا كفوءا للقيام بتنفيذ خططها الجديدة ، ان توجد لها – وانهم موجودون – احلافا وانصارا في الطبقات الكادحة في الشرق والغرب وبين شعوب المستعمرات عموما وعلينا بالاضافة الى ما ذكرت – تفهم الظروف المختلفة والمحيطة بنا والاستفادة من تاريخ حركتنا وتفهم مستقبلها .
( 2 )
هل هناك قاعدة ثابتة في التنظيم ؟
سؤالكم الرابع : (( هل هناك قاعدة ثابتة في قضايا التنظيم يركن اليها مهما كانت الظروف ام ان كل قضية تحل بما يقتضي لها .. ؟ ))
يقول ستالين – (( ان الدكتاتورية البروليتارية هي الشئ الاساسي في اللينينية)) واللينينية هي تطبيق الماركسية في عهد الامبريالزم بايجاد نظرية الثورة البروليتارية وخططها وانها (( جوهر محتويات الثورة البروليتارية )) اما قضايا اللينينية الاخرى كدور الحزب – التنظيم – ومسألة الفلاحين والمسألة الوطنية وغيرها ، فهي تؤلف المسائل الرئيسية في فكرة الدكتاتورية البروليتارية ومشتقة عنها ، فالتنظيم اذن هو من اسس القضية وليس بجوهرها وهو ضرورة تاريخية لكل مرحلة تاريخية من مراحل حركتنا للوصول الى الهدف النهائي ، فباستطاعتنا ان نقول ان التنظيم (( الحزب )) غاية ووسيلة ، كقولنا ان الحركة حقيقة مطلقة طالما توجد مادة. نقول ان التنظيم غاية كما نقول ان القطن بضاعة بالنسبة للزارع . لكن اصحاب المغازل يعتبرونه من المواد الخام فيشترونه ليحولوه الى بضاعة ، اي الى غزل وهذا الاخير هو مادة خام بالنسبة الى الحائك الذي يشتريه كذلك ليحوله الى بضاعة الى قماش وهلم جرا .
كانت للينين غاية فسافر من اجلها الى خارج روسيا وكانت تلك الغاية اصدار جريدة وكانت للينين غاية وهي خلق حزب من نوع جديد حزب بروليتاري خال من الانتهازية ومن نفوذ الطبقات الغريبة فاصدر جريدته (( ايسكرا )) لتضع الاسس لذلك الحزب وتهيئ له ، وكانت للينين غاية وهي اسقاط الاوتوقراطية والبرجوازية وتحويل السلطة الى ايدي البروليتاريا ، فخلق الحزب ذا النظام الحديدي المسلح بالنظرية الثورية والخطط الحكيمة ، وعندما دقت ساعة الخلاص من الملاكين والرأسماليين برهن هذا الحزب على جدارته في قيادة الطبقة العاملة بأسرها وفي قيادة حلفاء هذه الطبقة واعني الفلاحين وشعوب مستعمرات القيصرية ، وتوجيه هذه القوى المجتمعة لدك صرح حكم الملاكين والرأسماليين واقامة دكتاتورية الطبقة العاملة .
ترون مما تقدم ان التنظيم (( الحزب )) كان غاية للوصول الى غاية اكبر اي انه كان غاية ووسيلة ، فبدون حزب كالحزب البولشفي وبدون قادة كلينين وستالين وكيروف ومولوتوف ودزرجينسكي وفرونزا وفوروشيلوف وغيرهم ، اجل بدون هذا الحزب وهؤلاء القادة ما استطاعت البروليتاريا الروسية بلوغ هدفها – اقامة الدكتاتوريـة البروليتاريـة وبناء الاشتراكية – ولما استطاعت ان تقف اليوم هذا الموقف الجبـار وتحكم على جيوش الفاشستية بالاندحار والفناء.
قلنا ان الهدف النهائي للحزب البولشفي كما سجلته مناهجهم كان اسقاط البرجوازية واقامة الدكتاتورية البروليتارية . ولم يقف حزب شيوعي في العالم الا على هذا الاساس ، كما ان ذلك شرط من شروط الاممية الشيوعية . ( ان الاحزاب الانتهازيـة ومنها حزب رياض تنكر الدكتاتورية البروليتارية وتتجنب ذكرها في مناهجها كما
يتجنب اللص ارتياد المكان الذي سطا عليه ) وبالرغم من ذلك فقد بين لنا ماركس وانجلز ولينين ان عهد الدكتاتورية البروليتارية ليس سوى فترة انتقال من ادوار عاشت فيها البشرية عيشة لا انسانية ، عيشة بربرية شبه وحشية الى مجتمع انساني حقيقي ، مجتمع يعمل الانسان فيه بمحض ارادته وفيه يبتدئ تاريخ الانسان .
ان التنظيم يتطور وينمو ويتكامل وفق سنة الديالكتيك ، كلما تطورت الحركة وتكاملت وهو ككل شئ في الكون وفي المجتمع متحرك وغير منفصل عن الظروف المحيطة به .
لذلك (( لايمكن ان تكون له قاعدة ثابتة يركن لها مهما كانت الظروف )) اي انه ليس بحقيقة مطلقة لكنه في الوقت نفسه له قواعد ثابتة بالنسبة الى مرحلة الحركة والظروف الملابسة ، وبالنسبة لاختبارات الطبقة في الاقطار الاخرى ، على ان لاتكون هذه الاختبارات وصفة جاهزة تعطى لكل حالة من الحالات .
ولكن تستطيع الاحزاب الشيوعية في العالم القيام بتأدية واجباتها في هذه المرحلة – مرحلة الامبريالزم – تحتم عليها ان تكون احزابا مجاهدة ، احزابا جماهيرية ، لها قواعد عامة ثابتة ( بالنسبة للدور الذي هي فيه من ادوار نضال الطبقة العاملة ) كأن يكون الحزب مركزيا – غير مفكك – لكي يستطيع مقارعة العدو الموحد ، الرأسمالية الاحتكارية ( التي تتمثل اليوم بالفاشستية ) وان يكون حرا من تأثيرات الاجنبي ، نفوذ الطبقات المعادية ، التي تستخدم الانتهازيين مطايـا لها داخل الحزب . وهكذا يحافظ الحزب على وحدته ، اذ يطهر الحزب نفسه لا من العناصر الخائنة فقط بل ومن العناصر الثرثارة والخاملة والمخالفة لمبادئه وتعاليمه ايضا ، يقول لينين (( عندما تكون البروليتاريا في معارك فاصلة مع البرجوازية من اجل السلطة فمن الضروري ليس اقصاء المنشفيك والاصلاحيين والتورانيين ((منشفيك ايطاليا )) فحسب بل قد يكون من المفيد ايضا اقصاء شيوعيين طيبين قد يتذبذبون او يكشفون عن ميل التذبذب نحو الوحدة مع الاصلاحيين . يجب اقصاء هؤلاء عن جميع المراكز ذات المسؤولية في الحزب )) ، ان يتبع اشكال التنظيم التي تمكنه من استغلال جميع الامكانيات في العمل ، ان يدرب قادته وكادره تدريبا يجعلهم اهلا لقيادة حزب مفروض عليه ان يقوم بدور الطليعة ، ان يسير على قاعدة المركزية الديمقراطية ، ان يأخذ بقدر المستطاع
( عندما يكون في حالة سرية او في ظروف خاصة ) بمبدأ المركزية الديمقراطية ، وان يتقيد بقواعد عمومية تقررها الاممية الشيوعية وان لايبني تنظيمه للحاضر فقط دون الاحتياطات للطوارئ . قلنا ان الاحزاب السيوعية احزاب مركزية تبنى تنظيماتها على سلسلة من المنظمات ( اللجان ) تختلف بشكلها احيانا في الاحزاب العلنية . لكنها لاتختلف بجوهرها . وسبب هذا الاختلاف هو عدم تكافؤ الاحزاب الشيوعية من حيث العدد والاختبارات الذاتية ، مبلغ تطور كل قطر ، التنظيمات الادارية او القوانين في كل قطر ، الواجبات الخاصة في كل قطر .. الخ
فتنظيمات الحزب الشيوعي لجميع الاتحاد السوفييتي ( البولشفي ) قد بلغت درجة عالية من التكامل والدقة وكذلك المنظمات التابعة – كمنظمات الشبيبة الشيوعية والنقابات وغيرها . انه في الحقيقة ستة عشر حزبا في حزب جامع يمثل طليعة الشعوب المتاخية . واشكال هذه التنظيمات لايمكن ان تنسخ نسخا من قبل الاحزاب العلنية الاخرى في انكلترا وامريكا . دع عنك الاحزاب الصغيرة للاسباب التالية :-
ان الحزب البولشفي حزب في الحكم ولديه جميع الامكانيات السياسية والاقتصادية والثقافية ، انه استطاع ان ينظف صفوفه وبلاده من التيارات الانتهازية واظهر اصحابها فيما بعد كخونة مخربين ، انه خاض معامع ومعارك طبقية وحروبا اهلية وتحررية صلبت عود رجاله وقادته وحنكتهم وجعلتهم محترمين محبوبين ومطاعين ، واصبح مايقوله قائدهم الاكبر ستالين . وما يأمر به ، واجبا مقدسا وأمرا مطاعا ليس فقط من قبل اعضاء الحزب والطبقة البروليتارية السوفياتية والشعوب السوفياتية بل من البروليتاريا العالمية والشعوب . ان هذه الميزات للحزب البولشفي مكنته من الوصول الى اعلى مرتبة في التنظيم ومكنته من تنظيم دولة العمال والفلاحين والشباب والشعب كافة . وهذه الحقيقة تفسر لنا سرعة تنفيذ المقررات الحزبية وقيام الحزب البولشفي ومن ورائه الدولة والشعب بأعمال تشبه الاعجوبات بالنسبة للمجتمعات البرجوازية .
ان الاحزاب العمالية تدرس تنظيم الحزب البولشفي وتعتبره ( العلنية منها ) اعلى اشكال التنظيم وتقتدي به لكنها لاتقلده تقليدا اعمى لايتفق وظروفها الخاصة الذاتية منها والموضوعية ، كما ان وجود الاحزاب الشيوعية في اممية واحدة كان يسهل عليها دراسة تنظيمات بعضها البعض والاستفادة من تلك الدراسة عمليا .
والخلاصة فالتنظيم من اسس الحركة وليس لبابها فهو لذلك تابع لها مرتبط بنظريتها الثورية يتكيف وفق خططها وهو ككل علم يدرس ولا يصبح اي جزء من حقيقة الا لدى اختباره في بودقة التطبيق .
(لزيادة الايضاح عن ماهية الحزب اقرأ (( اسس اللينينية )) ، الموضوع الثامن ، الحزب ، مترجم الى اللغة العربية من قبل حزبنا . واقرأ دور الحزب والطبقة العاملة في نظام الدكتاتورية البروليتارية – قضايا اللينينية ، الموضوع الخامس ، الطبعة الانكليزية الحادية عشرة ص 13-152) .
( 3 )
ما هو واجب الاقلية الصحيحة تـجـــاه الأكـثـرية الخـاطـئـة ؟
كان لينين شديد الحرص على الضبط الحزبي – التقيد بالمبدأ والنظام وتنفيذ مقررات الأكثرية والهيئات العليا الممثلة للأكثرية – باعتباره من مستلزمات الحزب الذي كان يريده كاداة للطبقة البروليتارية من اجل الثورة البروليتارية ، من اجل قضية الاشتراكية ، اما حرصه على القضية الاساسية قضية الاشتراكية ، فكان بالطبع اشد ، لذلك لم يعتبر مسألة الاكثرية والاقلية من وجهتها الحسابية – العددية بل ((من وجهة تعبيرها عن افكار وسياسة البروليتاريا حقا . ))
ولنأخذ مثلا موقف البلاشفة – لينين – والعناصرالثورية في الاحزاب الاشتراكية الاوروبية التي كانت تعرف بالماركسيين اليساريين ، وقد كان هؤلاء يؤلفون اقلية ضئيلة في مؤتمرات الاممية الثانية بالنسبة الى الانتهازيين اليمينيين وبالنسبة الى متذبذبي الوسط ، وبالرغم من اقليتهم وعدم نجاحهم في دفع المؤتمرين لاتخاذ وجهات نظرهم في اهم الامور التي تتعلق بحركة العمال ، كالقضية القومية وقضية المستعمرات وقضية الحرب ، فانهم لم ينفصلوا عن الاممية الثانية ولم ينقطعوا عن حضور مؤتمراتها – لم يكن الحزب البولشفي معترفا به من قبل الاممية الثانية الا ان لينين كان يحضر مؤتمراتهم بصورة من الصور – ولم يكن في ذهابهم الى تلك المؤتمرات وهم اقلية مصيبة ، ضرر على القضية الاشتراكية بل بالعكس استطاعوا ان يجبروا تلك المؤتمرات على بحث الكثير من القضايا المهمة واستطاعوا اخيرا دفع مؤتمر بازل (1912 ) لاخذ قرار ضد الحرب الامبريالستية التي كانوا يتوقعــون اثارتها ، وقد اثيرت بالفعل عام ( 1914 ) حرب امبريالستية للسلب والنهب من قبل كلتا المجموعتين المتحاربتين ، فماذا كان موقف الاقلية الضئيلة المصيبة من قرار مؤتمر بازل ، اي من قضية الاشتراكية قضية الاممية (تآخي الطبقة العاملة العالمية ) ومن موقف احزابهم ؟ لقد ايدها اليمينيون باعتبارها حرب (( دفاع )) اي انهم جوزوا للعامل الالماني ذبح العامل الفرنسي والانكليزي والعكس بالعكس ، وايدها الوسطيون تأييدا غير مباشر بادعائهم ان منظماتهم اداة سلمية ولا شأن لها بالحرب لذلك فهم يعتزلون العمل ( اي يتركون الحرب وشأنها والعمال ينحر بعضهم بعضا ) وسيرجعون لخدمة الطبقة العاملة بعد الحرب .
لكن الاقلية تمسكت بمؤتمر بازل ووقفت الى جانب القضية الاشتراكية ضد الاكثرية الساحقة في احزابها ، فبرهنت على انها اممية بالفعل لا بالقرارات والالفاظ الجوفاء . فنادى ( مكلين ) في انكلترا ضد الحرب واستيق الى السجن وخطب ( كارل ليبنخت ) في المانيا في الرايخ وقاد مظاهرة خارج المجلس ضد الحرب وسيق الى السجن كذلك . وعارضها ( جان جوريس – مؤسس الأومانتيه ) في فرنسا فأغـتـيـل في يوم اعلانها ( 11 أغسطس 1914 ) وعارضتها كتلة البلاشفة في الدوما فارسل اعضاؤها جميعا الى سيبيريا .
وهذه بعض مقتطفات ما كتبه لينين عن كارل ليبنخت (( لقد نادى كارل ليبنخت عمال المانيا وجنودها لتحويل بنادقهم ضد حكومتهم انه فعل هذا علنا في منبر البرلمان ثم قاد مظاهرة في ميدان ( ... ) ووزع نشرات طبعت سرا حاملة شعار ( تسقط الحكومة ) وقد القي القبض عليه وحكم عليه بالاشغال الشاقة .. (( لم يكتف كارل ليبنخت بأن هاجم بدون رحمة في خطبه ورسائله بليخانونيي بلاده وبتروسوفييها ( شيدمان ليجن ) فحسب لكنه هاجم جماعة الوسط ( كاوتسكي ) أيضا .
ترون ان الاكثرية اصبحت أكثرية عددية لاتمثل مصالح جماهير البروليتاريا بل مثلتها الاقلية و لم يبق هنا قيمة للضبط و التقيد به اذ اصبح في غير مصلحة البروليتارية.
لقد خالف كارل ليبنخت وصديقه ( وتوريل )وهما اثنان من بين ( 110 ) نواب الضبط الحزبي وحطما (( الوحدة )) مع الوسط والشوفينيين ووقفا ضدهم جميعا ان ليبنخت وحده يمثل الاشتراكية ، يمثل قضية البروليتاريا اما بقية الاشتراكيين الديمقراطيين الالمان جميعا فانهم على حد تعبير روزا لوكسمبورغ ( احد مؤسسي الحزب الشيوعي الالماني ) جثة نتنة فطيسة .
ان خيانة قيادة الاممية الثانية وانهزامهم بشكل مفضوح الى جانب حكوماتهم البرجوازية ، ووقوف متذبذبي الوسط موقف العاجز والمساعد للاولين ، كل ذلك حتم على (( الاقلية الضئيلة )) الامميين بالعمل – الذين عرفـوا فيمــا بـعـد بيساريي (( زمروالد )) – الانفصال عن الشوفينيين الخونة واعلان افلاس الاممية الثانية ، فدعا لينين الى عقد مؤتمر اممي في ( زمروالد ) ثم في ( كينتال ) وثالث لم يحضره اليساريون وعرفت هذه المؤتمرات بأممية زمروالد وبحركة زمروالد وكانت اهداف يساريي زمروالد ، وعلى رأسهم لينين والحزب البولشفي ، ايقاف الحرب الامبريالستية باثارة حرب اهلية وباعلان أفلاس الاممية الثانية وتأليف اممية ثالثة .
لم تشترك في حركة زمروالد من الاحزاب الكبيرة سوى الحزب البولشفي والوسطيين الالمان ، ومع ذلك لم يؤلف يساريو زمروالد سوى الاقلية اذ أن الاكثرية الساحقة كانت للوسطيين . وقد اتصفت الحركة بهم لذلك انفصل عنها اليساريون منذ مؤتمرها الثاني ( كينتال ) ونشروا بيانا مستقلا ، وهذا ما قاله لينين في هذا الصدد : (( اننا لا يمكننا الاستمرار على البقاء في مستنقع زمروالد ، ولايجب ان نبقى في حلف مع اممية بليخانوف وشيدمان الشوفينية لاجل ( كاوتسكي ) ... علينا ان ننفصل حالا عن هذه الاممية علينا ان نبقى في زمروالد لاجل الاستخبارات فقط .. علينا ان نؤسس حالا وبدون تأخير اممية بروليتارية ثورية جديدة ، او بالاحرى ، علينا ان نعلن بصراحة وبدون خوف ان هذه هي الآن قائمة وتعمل .. انها اممية أولئك ( الاممين عمليا ) .. ( يساريي زمروالد ) .. انهم وحدهم ممثلو الجماهير الاممية الثورية ، وليسوا مفسخي الجماهير .. ومن الحق ان يقال ان أمثال هؤلاء الاشتراكيين قليلون ، لكن ليسال كل عامل روسي نفسه كم كان في روسيا من الثوريين الواعين حقيقة قبل ثورة شباط – آذار 1917 .. (( فليست المسألة ( أذن ) مسالة اعداد بل هي التعبير عن فكر وسياسة البروليتاريا الثورية الصادقة ))
ولنأخذ بعض الامثلة عن سلوك لينين والحزب البولشفي في هذا الخصوص وموقف لينين من (( ايسكرا )) بعد سيطرة الانتهازية على تحريرها . كان قد وضع اقتراحين في المؤتمر الثاني لقئمة محرري جريدة الحزب أيسكرا احدهما يحتوي على ستة اشخاص ( لمارتوف ) والآخر ثلاثة اشخاص ( للينين ) فقرر المؤتمر ان تؤلف هيئة تحرير الجريدة من ثلاثة اشخاص وقد تم بالفعل انتخاب الاشخاص الذين رشحهم لينين ( لينين ، بليخانوف ، مارتوف ) ومعنى هذا ان الاشخاص الذين رشحهم مارتوف لم يقبلهم المؤتمر لكن موقف المنشفيك بعد المؤتمر كان موقف المقاطع تجاه الجريدة وتجاه اللجنة المركزية ( التي كانت اكثريتها من البولشفيك ) ولم يكتفوا بالمقاطعة بل اخذوا ينشرون الكراريس والاقاويل والتلفيقات ضد المؤتمر وضد البولشفيك وضد دكتاتورية لينين ( تصوروا اتهام لينين بالدكتاتورية في حين ان الانتخابات للجنة المركزية وهيئة تحرير الجريدة جرت من قبل اكثرية الموجودين اثناء الانتخابات ) بغية ارغام الاكثرية ( البولشفيك ) على التنازل لهم عما يريدون ، فوجدوا في بليخانوف ضعفا استغلوه للأستيلاء هيئة تحرير الجريدة ، ووافق كذلك لينين على ادخال ثلاثة اشخاص اخرين ( أولئك الذين رفضهم المؤتمر ) على هيئة التحرير . قلت وافق على ادخالهم بغية تثبيت السلام داخل الحزب ، ولكنه في الوقت نفسه قدم استقالته من هيئة التحرير وخيرهم في نشرها او عدمه حسبما يتطلبه السلام داخل الحزب
انه بالطبع لم يستطع البقاء في تلك الاكثرية لما في بقائه من مسؤوليات ادبية ولكنه رضى (( مؤقتا )) بما حصل معتقدا ان ذلك في مصلحة سيادة السلام داخل الحزب ولكن الامر جاء على عكس ما ادعاه الانتهازيون ، اذ انهم استولوا على لسان حال الحزب ليشنوا حربا على قرارات المؤتمر ويشوهوا الحقائق ولكي يحاربوا اللجنة المركزية التي اصبحت عزلاء بعد فقدان البولشفيك الجريدة ، وهكذا ساءت الامور حتى اضطر البولشفيك الى عقد المؤتمر (( كونكـرس )) وعقد المنشفيك مؤتمرا ( كونفرانس ) خاصا بهم اذ انهم رفـضوا حضور المؤتمر وكانـوا بالفعل يقاطعـون كل شئ لا يتأكدون من الفوز به .
وفي عام ( 1906 ) اضطر لينين والبولشفيك بسبب الحالة الناشئة عن ثورة 1905 -1906 وبسبب عدم وضوح انتهازية المنشفيك ، لدى جماهير العمال الحزبيين والاعتياديين ، الى التوحد ثانية مع المنشفيك ، وحصل هذا التوحـد في استوكهولم ( 1906 ) المعروف بمؤتمر الوحدة . لقد كان هذا المؤتمر يضم أكثرية منشفية (62 ضد 46 بولشفيك ) وهكذا جاءت جميع انتخاباته في صالح الاكثرية المنشفية المسيطرة كما ان اهم قرارات المؤتمر كانت خاطئة لذلك لم يتقيد لينين بها . واكثر من هذا فانه فرض كواجب على الاشتراكيين الديمقراطيين النضال الايديولوجي ضمن الحركة وكشف اخطاء تلك المقررات على ان لايضر ذلك بوحدة النشاط الثوري ، وها اني انقل لكم فقرات من نداء وجهه مندوبو البولشفيك في مؤتمر الوحدة الى الحزب .
( في عصر ثوري كعصرنا الحاضر ، ان جميع الاخطاء النظرية والانحرافات الخططية للحزب تنتقدها الحياة ذاتها انتقدا قاسيا . وهذا ينور ويثقف الطبقة العاملة بسرعة لم يسبق لها مثيل . وفي هذا الوقت ، فان من واجب كل اشتراكي ديمقراطي ان يعمل لخلق الظروف لاثارة النضال الفكري داخل الحزب في القضايا النظرية والخططية نضالا مكشوفا وبأوسع ما يمكن من الحرية ، ولكن يجب ان لا يكون ذلك في اي حال من الاحوال معكرا ومؤخرا لوحدة النشاط الثوري للبروليتاريا الاشتراكية الديمقراطية – لينين . المنتخبات ، المجلد 3 ، ص 467 - .
(( اننا لا نستطيع ، ويجب ، ان لا نتجاهل حقيقة كوننا واثقين تماما من ان مؤتمر الوحدة لم يقرر تماما هذه الواجبات اذ ان المقررات الثلاثة التي هي اهم المقررات للمؤتمر تكشف بجلاء عن الآراء الخاطئة لكتلة (( المنشفيك )) السابقة التي كانت لها السيطرة عدديا في المؤتمر )) ( المصدر ذاته – صحيفة 469 ) .
(( علينا ان نحارب وسوف نحارب فكريا ضد مقررات المؤتمر تلك التي نعتبرها خاطئة ، لكننا في الوقت ذاته نعلن للحزب باسره بأننا ضد الانقسام مهما كان نوعه .. )) – المرجع ذاته صحيفة 471 - .
لقد جئتكم بحوادث عن الاكثرية والاقلية لا لغرض العمل بها بل كحوادث تاريخية قديمة لها صلة بحاضرنا ، حوادث تمت الى موقف الماركسيين الثوريين ( اليوم – الشيوعيين اللينينيين ) ونضالهم داخل الاممية الثانية ، تلك الاممية التي كان لها من الماركسية اسمها ، أما حقيقتها فقد كانت مسيرة من قبل الانتهازية .
كانت الاممية الثانية اممية عمال من حيث تركيبها ، لكنها كانت تؤلف تيارات غريبة عن قضية العمال ، وكانت تؤلف احزابا ونقابات وجماعات ذات ميول سياسية متباينة ليس بينها وحدة ولا تناسق في المبدأ والارادة والنشاط والتنظيم ، اما قياداتها الشكلية فقد كانت بأيدي الوسطيين الذين كان يلذ لهم ان يدعوا ﺒ(( الماركسيين الارثودوكس ) اما قياداتها الحقيقية فقد كانت بأيدي المنقحين الاصلاحيين الانتهازيين وفيما بعد خونة الطبقة البروليتارية المكشوفين . فلينين والبلاشفة او اليساريون المعروفون اليوم بالشيوعيين ، نشأوا وناضلوا في وسط تلك الاممية ولم ينفصلوا عنها انفصالهم النهائي داخل روسيا ايديولوجيا وتنظيميا الا عام 1912 ( في مؤتمر براغ ) وأعني أنفصال البلاشفة النهائي عن المنشفيك . وانفصالهم بمقياس عالمي كان عند وقوع الحرب الامبريالستية عام 1914 اي حين اعلان افلاس الاممية الثانية ، وتم هذا الانفصال تنظيميا وبشكل رسمي عام 1919 بتأسيس الاممية الشيوعية وانقسام احزاب العمال في جميع العالم الى ثورية وانتهازية ، واصبحت القضية حينذاك لا قضية وحدة أو قضية أكثرية وأقلية بل قضية فصل العناصر الثورية وتمييزها عن الانتهازية وتأليف العناصر البروليتارية الثورية في أحزاب شيوعية خالية من الانتهازية دون الالتفات الى الكمية ، وفيما يلي بعض شروط الاممية الشيوعية المفروضة على اقسامها (فروعها) في سبيل الانضمام :
(( الشرط الثاني )) : على كل منظمة تريد الانضمام الى الاممية الشيوعية ان تعمل بطريقة مرسومة وبلا انقطاع على تنحية الاصلاحيين واتباع (( الوسط )) من جميع المراكز ذات المسؤولية في حركة العمال ( في التنظيم الحزبي ، وفي هيئة التحرير ، النقابات ، الكتلة البرلمانية ، الجمعيات التعاونية ، البلديات .. الخ . وتستعيض عنهم بشيوعيين يعتمد عليهم ويجب ان لا يفوتهم ان في بعض الحالات يقتضي لهم في بادئ الامر ان يستعيضوا بعمال اعتياديين بدل(( قادة ذوي أختبار)).
(( الشرط السابع )) : على الحزب الذي يريد الانضمام الى الاممية الشيوعية ان يدرك ضرورة الانفصال المطلق التام عن الاصلاحية وعن سياسة الوسط وعليه ان يقوم بدعاية في سبيل هذا الانفصال ، فيما بين رفاق الحزب في اوسع نطاق وبدون ذلك لا يمكن اتباع سياسة شيوعية ثابتة.
تطلب الاممية الشيوعية بصورة أنذارية وحتمية ان يحدث هذا الانفصال في اقرب وقت اذ أن الاممية الشيوعية لا تستطيع ان تسمح للمعروفين باصلاحيتهم من امثال توراني ومودغلياني ( أشتراكيان أيطاليان ) واخرين بان يكون لهم حق ادعاء عضوية الاممية الثالثة اذ ان حالات كهذه تؤدي الى صيرورة الاممية الثالثة شبيهة الى حد بعيد بالاممية الثانية المتدهورة .
ان الاحزاب طليعة الطبقة البروليتارية الثورية الجديدة _ الاحزاب الشيوعية التي قذف بها رحم الاممية الثانية الى الوجود ، جاءت تمثل المرحلة الاخيرة والفاصلة من مراحل نضال الطبقة البروليتارية لذلك تميزت عن احزاب الاممية الثانية بميزات جديدة هي ، انها احزاب مجاهدة شبه عسكرية ، احزاب تجمع بين بعضها والبعض الاخر وبينها وبين افراد كل منها وحدة في الارادة وفي العمل والتنظيم ، احزاب اصبح في الامكان السير فيها وفق قاعدة خضوع الاقلية للاكثرية ، لكن هذه الاكثرية مقيدة بالخطة اللينينية الثورية ، فان خرجت عنها فلم تعد بالاكثرية الواجب الخضوع لها بل تصبح انحرافا لايتفق ومبادئ الاممية الشيوعية .
وانقل فيما يلي عن خطاب لينين في مؤتمر الاممية الشيوعية الثاني ( 23 تموز 1920 ) ردا على اقوال الرفاق البريطانيين من ان اكثرية الشيوعيين عندهم لا يوافقون على الانضمام الى حزب العمال .
(( يقول لنا الرفيقان تايز ورامزي ان اكثرية الشيوعيين البريطانيين لا يوافقون على الاتحاد ولكن ( عجبا ) هل علينا دائما ان نتفق مع الاكثرية لا ، ابدا ، فاذا كانت هذه الاكثرية لم تفهم بعد اي الخطط هي الصحيحة فلربما كان من الاحسن الانتظار ، كما ان من الاحسن وجود حزبين متوازيين لوقت ما من السكوت عن البت في اي الخطط هي الصائبة . فاستنادا الى اختبارات جميع اعضاء المؤتمر والى الحجج التي ابديت هنا ، فبعد هذا انكم بالطبع سوف لا تلحون علينا بطلب اصدار قرار بتأليف حزب شيوعي موحد في جميع الاقطار . ذلك غير ممكن لكننا بكل صراحة نستطيع ان نعبر عن ارائنا ونعطي تعاليمنا ، علينا ان ندرس القضية التي وضعها على بساط البحث المندوبون البريطانيون في هيئة خاصة ، وبعد ذلك نقول ان الخطط الصحيحة هي الانضمام ( الانضمام غير الاندماج ) الى حزب العمال واذا عارضت الاكثرية ذلك علينا اذن تنظيم الاقلية على حدة وفي هذا اهمية تثقيفية )) ( لينين – المنتخبات – المجلد الحادي عشر صحيفة 217 ) .
وقد حصلت حوادث عديدة من هذا القبيل في اكثر الاقطار عند اول تأليف الاحزاب الشيوعية وعندما كانت في دور تكوينها اذ طغى المرض (( اليساري )) الذي حمله الشيوعيون الجدد الذين لم يكونوا قد تعودوا على الخضوع للضبط الحزبي و على استغلال جميع الامكانيات في العمل العلني ، وعلى تحمل (( دكتاتورية الزعماء )) و (( دكتاتورية الحزب )) في حين كانوا يريدون هم – او بالاحرى يتصورون – دكتاتورية الجماهير لا دكتاتورية الحزب وزعمائه وقد قال لينين عنهم (( من الخير لهؤلاء اليساريين ان ينفصلوا ويؤلفوا حزبهم من ان يشوشوا على الحزب ويعيقوه عن القيام بأشغاله العمليـة والتثقيفيـة والسياسيـة وليجربـوا انفسهم ، هؤلاء الذين يريدون حزبا بدون ان يكون شديد المركزية وبدون ضبط حديدي ، كيف يستطيعون ان يهيئوا للدكتاتورية البروليتاريا ولتحقيقها ولابد ان الحياة – اي الواقع – سيعيد اليهم صوابهم ولا بأس من ان انقل لكم عن الرفيق ستالين حادث طغيان (( الانحراف اليميني والتوفيقية ))في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الالماني . يقول الرفيق ستالين : (( ان المرحلة الثانية من خلافاتنا مع ( بوخارين ) تتصل بما يعرف بحادثة (( وتروف )) و (( تيلمان )) كان وتروف سكرتيرا سابقا لمنظمة هامبرغ واتهم بأختلاس اموال الحزب وطرد من الحزب لهذا السبب ولما كان وتروف هذا قريبا الى تيلمان استغل (( الموفقون )) في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الالماني هذه الحادثة بالرغم من عدم وجود اي تدخل لتيلمان بجريمة وتروف وحولوا قضية وتروف الى قضية تيلمان وشرعوا باسقاط قيادة الحزب السيوعي الالماني الثورية . وانكم بدون شك قد عرفتم من الصحف ان (( الموفقين أورت و غيزهارت )) نجحوا لوقت ما في اكتساب اكثرية اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الالماني لجانبهم ضد الرفيق تيلمان ، وماذا اعقب ذلك ؟ انهم نحوا تيلمان من القيادة وبدأوا يتهمونه بالفساد ونشروا قرارا على هذا النحو بدون علم وموافقة الجنة التنفيذية للكومنترن . وهكذا فبدلا من تنفيذ تعاليم المؤتمر السادس للاممية الشيوعية بمحاربة الميل التوفيقي ، انهم بالفعل اخلوا بهذه التعليمات بشكل فظيع ، انهم حاربوا القيادة الثورية للحزب الشيوعي الالماني حاربوا الرفيق تيلمان ، في صفوف الشيوعيين الالمان ..)) ( ستالين – قضايا اللينينية اختلافاتنا مع بوخارين حول قضايا الكومنترن ، صحيفة 149 ، الطبعة الانكليزية 1940 ) .
ترون ايها الرفاق ان ما اوردناه من هذه الحوادث يعود الى زمن كانت فيه الاحزاب الشيوعية في دور التكوين ، عندما كان الانحرافيون اليمينيون واليساريون اقوياء في الحزب البلشفي وفي الكومنترن واقسامه وكانت الاممية حينذاك تتدخل وتحكم في مثل هذه القضايا ولكنني منذ اكثر من ( 12 ) سنة لم اسمع عن اختلاف اكثرية مخطئة واقلية مصيبة او اي حادث انقسام في الاحزاب الشيوعية الكبيرة . اذ ان عمر هذه الاحزاب واختباراتها وتطهير صفوفها من الانحرافات الغريبة ، كل ذلك مكنها من السير على قاعدة الديمقراطية المركزية ، قاعدة خضوع الاقلية للاكثرية . وان حدث واخطأت الاكثرية فهذا امر شاذ لا يتخذ كقاعدة ، وليس من المحتمل حدوثه في الاحزاب الراسخة واذا حدث فعلا فالاممية الشيوعية كانت السلطة التي لها الحق في الفصل .
ان خضوع الاقلية للاكثرية هي القاعدة الاساسية في الاحزاب الشيوعية وبدونها لايمكن ضبط حزبي ، وحزب مركزي موحد في الارادة والعمل والتنظيم ولذلك يلجأ بعض الادعياء غير الناضجين في الزعامة واعداء الحزب وغيرهم قبل كل شئ الى الطعن بالاكثرية التي لم تاخذ برايهم والتي لم تحلهم في المراكز اللائقة بهم الى ... فاول ما يحتجون به هو (( دكتاتورية القيادة )) و (( انقيــاد اللجنـة المركزيـة للسكرتير )) واخيرا (( دكتاتورية الحزب )) .
ان المنحرفين المارقين لكي يستروا ارتدادهم يلجأون الى وضع مسؤوليتها على عاتق الاكثرية والهيئات التي تمثل الاكثرية .
وهناك ظروف تضطر القيادة احيانا الى ارجاء قرار ما مع وجود الاكثرية الى جانبها وذلك بغية افهام الاقلية وتهيئة الحزب كله لتنفيذ ذلك القرار على الوجه الاكمل ، على ان لا يكون تاخير اتخاذ مثل هذه القرارات سببا لفشل تنفيذها في المستقبل او الاضرار بمصالح الحركة .
ويجب ان لايغرب عن البال ان وحدة الحزب في الارادة والعمل والتنظيم لا يحد من اجتهاد الرفاق الحزبيين في جميع القضايا التي تعرض عليهم ومناقشتها بكل حرية والتصويت لها وفق رأي المصوت وان الاكثرية والاقلية في التصويت حول قرار ما لا تؤلف اكثرية ( جماعة ) واقلية ( جماعة )كما هي الحال في البرلمانات البرجوازية تلك الاكثريات والاقليات المعروفة بجناح اليمين واليسار .. الخ اذ ان مبادئ الاحزاب الشيوعية لا تقبل التكتلات والفرق في داخلها.
( 4 )
الفروق الجوهـرية بين الطـرق التنظيمية في حزبين شيوعين احدهما سري والاخر علني
تمشي الاحزاب العلنية على قاعدة المركزية الديمقراطية ، فتسند المسؤوليات الى الاشخاص عن طريق الانتخابات في الوحدات الحزبية من القاعدة حتى القمة كأن تنتخب فرق المعامل ( وأقسامها ) لجانها وهذه تنتخب من بينها اعضاء في اللجان العليا ، لجنة المحلة والقسم البلدي ، على هذا الترتيب حتى اللجان المحلية ( لجنة المقاطعة مثلا ) اي اعلى لجنة دون اللجنة المركزية .وتنتخب هذه اللجان مندوبيها ( بالنسبة المقررة ) فترسلهم مندوبين عن منظمتها الى المؤتمر الذي يضم بطبيعة الحال اعضاء اللجنة المركزية ( عضو اللجنة المركزية غير المنتدب من منظمة محلية لايتمتع بحق التصويت في الانتخابات ) والمؤتمر ينتخب اللجنة المركزية وينتخب من بين اعضائها السكرتير العام والمكتب السياسي ولجنة المراقبة والحسابات ( ليس لكل حزب من الاحزاب الشيوعية العلنية مكتب سياسي ولجنة مراقبة . فاللجنة المركزية تكتفي بتوزيع الاعمال على لجان تؤلفها ويشرف على اعضائها رئيس الحزب او السكرتير العام او السكرتير ، وهذا بالطبع متوقف على قوة الحزب وظروفه ) .
والمركزية الديمقراطية تفرض وجوب التقيد بتنفيذ مقررات الهيئات السفلى ، واذا نوقش قرار في الجنة المختصة فصوتت له بالاكثرية ، اصبح نافذا ويجب التقيد به من قبل الاقلية كما ان المركزية الديمقراطية تحصر الصلاحيات والمسؤوليات في الهيئات ( اللجان )كل حسب درجتها حفظا لوحدة العمل وهذا لا يعني ان الهيئات العليا كاللجنة المركزية مثلا لا تطرح احيانا اقتراحات على اللجان السفلى لمناقشتها قبل تقريرها كما انها تدعو احيانا الاعضاء العاملين لمؤتمر ( كنفرنسات ) لبحث القضايا التنظيمية التي تجابه الحزب واحيانا تقوم باستفتاء عام لجميع الاعضاء كما حصل بعد ان استفتى الحزب البولشفي في خطة ستالين وخطة تروتسكي فكان مع الاول 96% وصوت للثاني لا اكثر من واحد ونصف بالمائة .
ان للحزب الشيوعي العلني امكانيات علنية تساعد على النمو بخطى اسرع ، على النشر ، على تثقيف الكادر ، على العمل ضمن منظمات الطبقة البروليتارية العلنية التي تعمل على تنظيم وتوجيه العمال ، الى تفهم البرلمان كمنبر يسمع للشعب اصواتهم وكوسيلة لتوسيع الحقوق الديمقراطية ولفضح مناورات الرجعية والانتهازية ، لاستعماله اداة ضد الحروب الاعتدائية ولمناصرة شعوب المستعمرات والبلدان التابعة .. الخ .. ان الامكانيات المارة الذكر يمكن الاستفادة منها بالقدر الذي تسمح له درجة الديمقراطية الحقيقية الموجودة ، لكن بامكان الحزب ان يناضل ويوسع الحقوق الديمقراطية ويوسع الامكانيات .
الحزب السري: لايأخذ الحزب السري بقاعدة المركزية الديمقراطية الا بالقدر الذي تسمح به الظروف التي الجأته الى العمل في السر وما تفرضه هذه الظروف من نتائج اهمها عدم معرفة اعضاء الحزب بعضهم البعض الاخر الا بصورة ضيقة وعلى الاكثر معرفة سطحية ، وعدم معرفة الرفيق بما يقوم به رفيق في الخلية الاخرى .
1- الوظائف الحزبية في الحزب السري : ان التنظيم في الحزب الشيوعي السري يتألف من قاعدته على اساس خلايا في المعمل او في محلات العمل الاخرى او كما يتفق ، وعدد اعضاء الخلية لا يتجاوز في اكثر الاحيان خمسة اعضاء وهكذا اذا وجد عشرون شيوعيا في معمل واحد لايعرف بعضهم بعضا ولا يجتمعون اجتماعا واحدا ، ولايمكن ان ينتخب منظم للجنة ذلك المعمل في الحزب السري كما ينتخب في الحزب العلني . وكذلك تتخذ قاعدة ترشيح او تعيين منظم اللجنة من قبل هيئة اعلى ويصوت له اعضاء اللجنة ولهم ان يرفضوه اذا كان لديهم مايبرر ذلك ، ومن منظمي الخلايا تتألف لجان المعامل وغيرها .. وهلم جرا حتى اللجنة المركزية ( بأستثناء بعض أعضائها الذين تضطرهم طبيعة أعمالهم ان يكونوا بعيدين عن التنظيم المحلي وعن الشبهة ) عند تعذر انعقاد مؤتمر لانتخاب اللجنة المركزية ان اكثر المنظمين في الخلايا واللجان في الحزب الشيوعي السري – خصوصا في الاحزاب التي لم يمض وقت طويل على انشائها – هم اما من موجدي الخلايا التي يديرونها او من الرفاق الذين سبق ان اصبح لهم اختبار حزبي وثقافة تؤهلهم لادارة شؤون خلية من الاعضاء الجدد ، فيصبحون منظمين بطبيعة الحال ، ويتقدمون في مراكزهم الحزبية حسب نشاطهم وفهمهم – واحيانا لضيق الكادر – ويسقطون منها اذا ما بدر منهم ما يستوجب تنحيتهم من مراكزهم .
أما اللجنة المركزية التي لم ينتخبها مؤتمر في حالة استحالة عقد مؤتمر او عندما يكون الحزب في دور التكوين ، فأن اعضاءها غالبا ما يكونون من مؤلفي الحزب ومن الاعضاء الذين ينضمون اليهم اذا ما اقتضت الضرورة ، لتكثير عدد اعضائها في حالة ازدياد نشاط الحزب ومنظماته وفي حالة استبدال الاعضاء المنفصلين من اللجنة . فالديمقراطية المركزية – فيما يخص الانتخابات – لا تطبق في الحزب السري .
2 – مؤتمر الحزب : يصعب في الاحزاب السرية عقد مؤتمرات لها وكثيرا ما تبقى هذه الاحزاب بدون مؤتمر لعشر سنوات ، واحيانا لاكثر من هذه المدة ، فالحزب الشيوعي الهندي مثلا عقد مؤتمره الاول عام 1943 اي بعد ( 15 ) سنة على تأسيسه . ولم نسمع بعقد مؤتمر شيوعي في المانيا وايطاليا وفرنسا واسبانيا بعد ان أصبحت هذه الاحزاب سرية . والمؤتمر الاول للحزب الاشتراكي الروسي عام 1896 أعقبه على الفور القاء القبض على اللجنة المركزية التي انتخبها وعلى اعضاء بارزين اخرين . اما المؤتمرات الاخرى التي عقدها الحزب البولشفي فقد عقدت جميعها تقريبا خارج روسيا بعيدا عن شرطة القيصر وجواسيسه . واذا عقد مؤتمر شيوعي لحزب سري فهو يضم اعضاء اللجنة المركزية –كأعضاء طبيعيين- ومندوبين تنتدبهم لجان الحزب العليا دون اللجنة المركزية ، وهذا بالطبع لا يتم دون معرفة اللجنة المركزية .
ان الصعوبات والاخطار التي تعترض الحزب السري وتحول دون عقد مؤتمراته هي : 1- خطر الشرطة .
2- معرفة المندوبين بعضهم للبعض خصوصا في القطر الصغير .
3- عدم امكانية حضور القادة البارزين الى المؤتمر لوجودهم في السجون او المهجر ، كما هو الحال في المانيا واسبانيا وفرنسا ، وثمة أمر اخر يمنع الاحزاب الصغيرة والجديدة – ومنها – حزبنا عن عقد مؤتمر لها وهو انها لاتزال في دور التكوين وغير قوية لتحمل ضربة قد تؤدي بقسم كبير من كادرها عدا ان الانتهازيين الذين طالما اندسوا في الاحزاب السرية يرون في مؤتمرات الحزب خير وسيلة لنشاطهم اي لجدلهم وثرثرتهم داخل المؤتمر وخارجه ، بقصد فضح الاعضاء وايجاد التكتل والانقسامات .
أما الثرثرة هنا في العراق لعقـد مؤتمر للحزب الشيوعي العراقي لانتخاب لجنة مركزية (( مشروعة )) فأغراضها واضحة وهي فضح أعضاء الحزب العاملين وارسالهم الى السجون اذا أقتضى الامر ليتسنى للانتهازيين والخونة والجواسيس التزعم في حركة العمال والحركة الوطنية وتسييرها وفق مصالح الامبريالزم والرجعية المحلية . لقد عرفنا هذا ولمسناه لمس اليد من الحوادث التالية :
ان المنظمة التروتسكية التي أندمجت فيما بعد مع الخونة المطرودين من الحزب ومع بعض الجواسيس الذين انضموا اليهم والفوا ما يسمونه بحركة المؤتمرين كانت منظمة لا نشاط لها البتة بين الجماهير ، عدا بعض افراد منهم اندسوا هنا وهناك بقصد التخريب لكن اعضاء هذه المنظمة لم يقطعوا الصلة فيما بينهم ولم يصفوا منظمتهم مع علمهم الاكيد بانهـا منظمة عاطلة لا فائدة منها ، الا انهم انتظروا وانتظروا طويلا ذلك اليوم الذي تلقى الشرطة فيه القبض على قادة الحزب الشيوعي فيبرزوا حينذاك من مكمنهم ليحلوا محل الشيوعيين . ولما يأسوا اخيرا انقسموا فيما بينهم ، فمنهم من طلب الانتماء الى الحزب ، والاخرون فضلوا الانتظار معتمدين على زملائهم الذين ارسلوهم الى الحزب ، لكن الحزب قبل بعضهم كمرشحين ، وقبل انتهاء مدة ترشيحهم وجدهم جميعا ( جميع اعضاء منظمتهم ) قد طفروا الى جانب الخونة قادر وفاضل وشركائهما ، فأدعى قادر انه انفصل عن الحزب لان الحزب لم يعقد مؤتمرا لانتخاب لجنة مركزية ( شرعية )مع العلم ان هذا الخائن لم يطلب عقد مؤتمر عندما كان داخل الحزب لا هو ولا شركاؤه اي انه لم يرده عندما كان داخل الحزب واصبح يريده هو والتروتسكيين والجواسيس الذين انظموا اليهم ، وقد نسى هؤلاء جميعا ان الاحزاب الشيوعية لا تنتدب ممثلين في مؤتمراتها الا من بين اعضائها الحزبيين .فعلام الثرثرة اذن ؟؟
هل الحزب الشيوعي العراقي شاذ يؤمن بمبادئ الاممية الشيوعية ؟ ولا يتقيد بقوانينها ، ليعقد مؤتمرا (( حزبيا و شيوعيا )) يمثل فيه اناس غريبون عنه ، ايديولوجيا وتنظيميا ، اناس لا يعرفهم الحزب جميعا ولا يعرف فيهم سوى اولاد الوزراء وامثالهم الجواسيس والمخربين وغيرهم ؟؟ وماذا كان مصير هؤلاء ((الابطال)) الذين ما خافوا الشرطة يوما من الايام فنادوا بعقد مؤتمر شيوعي تحت سمع الشرطة وبصرها ؟ الا انهم على اثر غارة اعتيادية قامت بها الشرطة (على غيرهم طبعا) قطعوا لها عهدا بان يعطلوا اعمالهم ويحلوا تنظيمهم ويعطلوا نشرتهم _ وبعده _ انهم اصدروا بيانا يقولون فيه ان العمل السري والشيوعي نوع من الخيانة وطلبوا من اعضائهم ان لا يقفوا انفسهم عن العمل فقط بل يقنعوا الغير نترك العمل _ وبعده _ نشر كبيرهم مقالا في جريدة (صوت الاهالي)يقول للحكومة فيه ان عمل الشيوعيين ( القاعدة طبعا ) ومنشوراتهم اعمـال تخريبيـة و طالب الحكومة بانزال العقاب بهم ، وهكذا برهن ((المؤتمريون)) على نواياهم الحسنة في دعوتهم لعقد مؤتمر شيوعي ((لشيوعيي العراق)) .
اما الشراريون الجدد فقد عقدوا المؤتمر الذي ارادوه فجأة (في غياب السكرتير ومعارضة اكثرية اللجنة المركزية)للاستيلاء على الحزب ، لكنهم فشلوا فذاقت قاعدتهم مرارة ذلك ((المؤتمر)) وكشف قادتهم عن انتهازيتهم لكنهم يريدون اليوم ان يعيدوا لعبتهم لعلهم يصلون الى الهدف الذي لم يحققوه (او حققوه جزئيا) في مؤتمرهم الاول ولا اظن ان رفاقنا ستنطلي عليهم حيلة هؤلاء وينخدعون بلفظتهم باسم وحدة الحزب وما اشبه من الحجج .
وعند حدوث ما يستوجب عقد المؤتمر وتعذر عقده على الحزب يدعى الى اجتماع (كونفرانس) من الاعضاء النشطين ولهذا الاجتماع صلاحيات المؤتمر في امور كثيرة منها سياسة الحزب اي خططه في تلك الفترة ، لكننا لم نقرأ او نسمع ان اجتماعا كهذا انتخب لجنة مركزية ، وانتخاب اللجنة المركزية من قبل مؤتمر الحزب في الحزب السري ، تجري على اساس ترشيح الاشخاص ثم انتخابهم بالصوت الخفي وابقاء اسماء الاعضاء مكتومة عن اعضاء المؤتمر ، اما في المؤتمر العلني فاولئـك المندوبون يعرفون قادة الحزب وتاريخ نشاطهم الحزبي وسلوكهم في المواقف الحاسمة وسياستهم .. الخ . وبالرغم من ان الاحزاب العلنية تنتخب ايضا اثناء الانتخابات الاعضاء اللائقين الى اللجنة المركزية او المراكز الاخرى ، فالمندوبون يشعرون باستقلال ارائهم ومسؤولياتهم عند الانتخاب بينما في الحزب السري يعتمد المندوبون على المركز في الترشيح فينتخبون المرشحين وهذا بالطبع لا يعني ان المندوبين يكرهون على انتخاب اولئك المرشحين .
3 – عضوية الحزب وكادره : تتفق الاحزاب الشيوعية العلنية والسرية ، على شروط العضوية الثلاثة التي وضعها لينين في المؤتمر الثاني وهي :
1 – دفع الاشتراك الشهري
2- اقرار منهاج الحزب وسياسته
3- العمل في احدى منظماته
وهذا لايعني ان كل من تم قبوله لهذه القاعدة يجب قبوله بسهولة عضوا في حزب شيوعي ، دون الالتفات الى طبقته وعمله وسلوكه في الماضي والحاضر وقابليتـه على القيام بمهامه الحزبيـة وعلى التضحية ، واخيـرا ظروف الحـزب الذاتيـة والموضوعية .
ان الاحزاب الشيوعية العلنية كائنـة جميعها في اقطار تتمتع فيها الطبقـة العاملة بحقوق ديمقراطية فلها نقاباتها وجمعياتها وتنظيماتها الاخرى غير السياسية ، فأكثـر طلاب الأنتماء الى عضوية الحزب مـن العمـال ومن المنظمين منهم في النقابـات وغيرها ونشاطهم في منظماتهم المهنية معلومون لدى رفاقهم فاذا ما قبلهم الحـزب كلفهم بواجب حزبي في محيط عملهم – على الاكثر – فان أبوا القيام به او ثبي عدم جدارتهم فصلهم من عضويته بدون كبير عناء . اما الاحـزاب الشيوعيـة السريـة فمعظمها في اقطار لا ظل للديمقراطية فيها ، او فيها من الديمقراطية اسمها (كما هي الحال عندنا) ولا نقابات فيها واذا وجدت فصلاحياتها محدودة ولا تظـم الا جـزءا يسيرا من الطبقة العاملة ، فمعظم هؤلاء عند مجيئهم الى الحزب طالبين العضوية لم تكن لهم تجارب في النضال والتنظيم وليست لهم فكرة كافية عن اهداف الحزب وضرورة الضبط الحزبي والعمل السري الخ .. فاذا ما قبل احد هؤلاء بالسهولة التي يقبل بها العضو في الحزب العلني وبرهن فيما بعد على عدم جدارته واقتضى فصله من الحزب فانه قد تعرف على اشخاص وتنظيمات ، وكثير من هؤلاء المفصولين وحتى الشرفاء منهم لم يتورعوا (وهذا ما حصل عندنا) من فضح اسماء الحزبيين والطعن بالحزب والصاق التهم بقادته الخ .. يفعلون ذلك بقصد تبرير موقفهم امام الناس . هذا عدا الاضرار التي يلحقونها بالحزب ، عندما يكونون داخله.
اما طلاب العضوية في الاحزاب الشيوعية في المستعمرات والاقطار التابعـة للامبريالزم حيث يكون النضال التحرري في مقدمة الاهداف وحيث يكون القطر متأخرا صناعيا – مثل قطرنا – فالملاحظ هو ان أكثرية المنجذبين الى الحزب هم من البتي برجوا وخصوصا المثقفين ، وسبب هذا ان البلاد خالية من احزاب ديمقراطية علنية يستطيع هؤلاء ان يبدوا نشاطهم فيها ولحرمان الموظفين والمستخدمين من الاشتغال بالسياسة ، واحيانا لاسباب شخصية وللتجسس على اعضاء الحزب واعماله ، ولولا هذه الاسباب لما جاء جميع هؤلاء الى الحزب الشيوعي ولوجدوا ضالتهم خارجه . ولو قبل جميع هؤلاء في الحزب لفقد الحزب صفته الطبقية كحزب للطبقة العاملة واصبح حزبا لاشكل له . لقد كان هؤلاء مصدر الانقسامات والافكار الغريبة داخل الحزب . ولكي تتجنب الآحزاب الشيوعية اغراق صفوفها بأمثال تلك العناصرفانها لاتقبلهم بالسهولة التي تقبل بها العمال وتعمل دائما على تثقيف العمال وايجاد كادر منهم ، فالمرفوضون من اولئك المثقفيـن يعتبـرون عدم قبولهم في الحزب اهانة لهم فهم يرفضون بدورهم الاعتراف بالحزب ويعملون على التخريب من بعيد فتراهم يتهافتون على كل حركة تعادي الحزب مبررين عملهم هذا بكونه ((حركة وعملا)) وان الجمود حسب تفسيرهم خيانة : انهم يقفـون الـى جانب العدو ويعملون ضد الحزب الشيوعي الذي رفض قبولهم ، اي انهم يقومون بخيانة عملية كيما يرضوا رغبات في نفوسهم قد يسمونها ((حب العمل)) في سبيل الحركة ، وهي في الحقيقة حب الظهور والتزعم ودوافع طبقية غريبة عن مصلحة الطبقة البروليتارية فكأن حب العمل للحركة لا يكون الا عن طريق الاشتراك في نضال معاد للحزب والحركة ، وفي طليعة هؤلاء اولاد الوزراء والباشوات وبعض موظفي الدولة وكبار الاساتذة الذين ينقمون على الحكومة وعلى الطبقة البرجوازية وعلى الاستعمار بسبب عدم احلالهم في المراكز اللائقة بهم وهؤلاء بحكم مراكزهم وثقافتهم المدرسيـة ونفوذهم الطبقي يستطيعـون ان يؤثـروا علـى بعض صغار الموظفين والطلاب وعلى بعض العمال غير الواعين . ان كلا من هؤلاء قد كون في مخيلته حزبا شيوعيا كما يشتهيه هو ، حزبا خاليا من الامر والنهي أي خاليا من الضبط الذي لا يطيقه هو لنفسه ، وخاليا من القيادة التي لا يتفق وجودها وحرية تفكيره التي تتمثل في حرية تصرفه والتي كثيرا ما تفرض عليه تعاليم وحلولا لا يستسيغها نفسه وأخيرا انها تريد ان تفصل بينه وبين تفكيره الخاص القديم (أيديولوجية البتي _ برجوا) وبينه وبين تفكير أصدقائه القدماء .
قلنا ( ان قبول الاعضاء الجدد الى الحزب الشيوعي السري لا يتم بسهولة اي لا يتم بعين الشروط التي يقبل بموجبها الحزب العلني بسبب الظروف التي تكتنف الحزب من حيث وضعه السري ) كما ان هناك ظروفا تضطر الحزب ان يوسع المجال او يغلقه او يضيقه في وجه طلاب العضوية الجدد ، كأن يكون الحزب عل وشك القيام بأمر هام (اعلان الثورة او ما أشبه) أو عندما تكون البلاد في حرب أهلية أو عندما يكون الحزب قائما بعملية تطهير أجماعية أو عندما يكون الحزب في الحكم وهلم جرا ..
4 – كادر الحزب وكادر القيادة
لقد اراد لينين وستالين أن يكون كادر الحزب حائزا على الصفات التالية : (( ان يكون ثوريا محترفا لا من الهواة ، أن يكون ذا حاسية ثورية تمكنه من شم رائحة الخطر قبل وقوعه ، أن يكون ذا غريزة ثورية ويقظة ثورية ، أن يكون ذكيا يستطيع التخلص من شراك البوليس والضحك على ذقونهم وفطنا لاساليبهم وخدعهم ، أن يكون شجاعا لايخاف التضحية وقلبه عامر بالايمان يحب طبقته وحزبه وشعبه ، ان تكون صلاته قوية بالجمهور ، أن يكون محبوبا في محيطه وحائزا على ثقة الناس ، أن تكون له معرفة نسبية بكل شئ أي أن يعرف سنة حركة المجتمع وطبقاته وأقسامها والعوامل الاقتصادية وما يشتق عنها من عوامل سياسية وحقوقية ودينية ، التي تسير تلك الطبقات وأقسامها وتؤلف ما يسمونـه ﺒ(( نفسيتها)) وبصورة خاصة ايتعرف على قوى أعدائه ومتناقضاتهم ويستفيد منها ، وان يتعرف على قواه الداخلية والموضوعية المؤلفة من طبقته واحلافها العاملين والمحايدين ، أن يعرف كيف يكره عدوه وكيف يحاربه وأن يعرف من أي جهة ياتي الخطر الأعظم في اللحظة المعينة فيعبئ قواه لها ، وأن يختار الموقف الذي يريده هو للمعركة ، وأن يهاجم متى أقتضى الهجوم وأن ينسحب عند اللزوم (وقد يفسر الانتهازيون الآنسحاب المنظم بغية الاحتفاظ بالقوى ، بالاستسلام ورفع الايدي) ، أن يعرف فن الثورة وتدريب الجماهير وتعبئتها للمناوشات والمعارك الصغيرة والكبيرة .
ويريد ديمتروف من الشيوعي أن يكون مسلحا بالنظرية الثورية ملما بممارستها ، ولا يكفي أن يكون ملما بالنظرية الثورية بل أن تكون له سجية ثابتة وصلابة الشيوعي الذي لايعرف ان يلين ، ولايكفي ان يعلم مايجب عمله بل أن يكون له الاقدام على انجازه ، ويجب ان يكون على استعداد للعمل ، العمل باي ثمن كان من أجل خدمة الطبقة العاملة خدمة صحيحة أن يكون قادرا على أناطة كل حياته بخدمة مصالح البروليتاريا .
ان الاحزاب الشيوعية السرية أشد احتياجا الى مثل هذا الكادر للاسباب المهمة التالية :
لانها في سريتها واشتباكاتها المستمرة تحتاج الى كادر ، اي الى ضباط اركان يقودون فصائلها ويعوضون عن الذين يسقطون في المعركة قتلى وجرحى ، اي كادر أحتياطي يعوض عن الكادر الذ يساق الى السجون والذي تخور قواه أمام ارهاب العدو فيتملص من المسؤولية واحيانا يهرب الى جانب العدو .
قلنا ان الاحزاب الشيوعية السرية اشد احتياجا الى كادر من الاحزاب العلنية وهذا الاحتياج يلاحظ بصورة خاصة في الاحزاب الشيوعية الحديثة _ كحزبنا _ خصوصا عندما تكون الحركة الطبقية والوطنية بحاجة الى حزب الطليعة للسير امامها ودفعها وعندما تنعدم في البلد جميع أشكال التنظيم الطبقي والشعبي ويصبح من واجب الحزب دفع الجماعات وقيادتها في نضالها من اجل حق التنظيم ومساعدتها على تنظيم نفسها . اجل ان الحاجة الى كادر تصبح جد ملموسة عندما تعلو الحركة في ارتفاع أعلى من الحزب فيضطر الحزب حينذاك على السير في ذيل الحركة .
لذلك وجب على حزبنا خلق الكادر وتربيته وتثقيفه ، فبأي وسيلة نستطيع خلق هذا الكادر لسد النقص في حزبنا ولمجابهة الطوارئ والتهيؤ للمستقبل الذي يدل حاضرنا على ان الحركة الوطنية التحررية والطبقية ستكون اوسع بكثير مما هي عليه الان ؟؟
علينا قبل كل شئ ان نوفر لرفاقنا الادبيات الثورية ونحثهم على الدراسة ونطلب منهم ان يتسلحوا بالنظرية الثورية اذ ( بدون نظرية ثورية لايمكن ان تكون حركة ثورية – لينين ) وعلينا ان نتعهد بتدريبهم وننسق لهم المواضيع الواجب تفهمها وان نضع لهم مناهج دراسية ونراقب تطبيقها وان نبني ثقافتهم على ضوء حالتنا الثورية وعلى ضوء الحالة الداخلية وعلى ضوء الحالة الدولية وتطوراتها . وشئ آخر أريد ان الفت نظر رفاقي اليه هو ( ان (( لنظرية الثورية التي تقود الحركة الثورية )) لاتصبح نظريـة حيـة مالم يبرهن التطبيـق على صحتها وان الماركسيـة ليست (( وصفة جاهزة تعطى لكل الحالات )) واني اطلب اليهم ان لا يكون مثلهم كمثل (( الماركسيين )) و (( الشيوعيين )) الكثيرين من ابناء الذوات والافندية الذين ابتلى بهم العراق وابتلت بهم الشيوعية والماركسية ، اولئك الذين لا ينفكون ليل نهار من نقل عبارات ماركس _ انجلز _ لينين _ ستالين ، ويضعونها في غير محلها اما لغباوتهم وانفصالهم عن حياة الجماهير، او لغرضفي نفوسهم ومثل هؤلاء كمثل خطيبة لاتنفك ابدا من تعداد الوان المآكل التي ستتحف بها خطيبها بعد اقترانهما اذا ما جاءها بكتب تبحث عن فن الطبخ ولم تنس هي ابدا من ان تعده وتقسم له أغلظ الايمان بانها ستبقى له قلبها ونفسها ابد الابدين وتفدي بهما في سبيل خدمته وسعادته ، ولم ينس العريس ان ياتيها في ليلة عرسه بمجموعة من الكتب التي تبحث في فن الطبخ وبمثلها تبحث في وفاء الزوجات ، وفي اليوم الثاني فتحت العروس كتبها وانتقت لونين من الطعام كبة برغل وسلاطة فاصوليا بالزيت _ فكتبت ما تحتاجه من السوق لتهيئة المطبوخ ، وعندما جلسا الى مائدة الطعام وجد الزوج امامه شيئا لا هو كبة برغل ولا هو بالشوربة ، أما الفاصوليا بالزيت فقد حـاول عبثا ان يسحقها بين اسنانـه لانها كانت اقـرب الى سلاطـة ((باسورك)) من سلاطة فاصوليا بالزيت .
ان تلك العروس المدعية كانت قد ضبطت اوزان ومقادير المواد المطلوبة للطبخة ، كما ضبط اولئك المدعون الاغبياء أقوال ماركس وانجلز ولينين وستالين وحفظوها عن ظهر قلب ، ولكنها لم تراع الوقت المناسب لوضع كل جزء من الاجزاء التي تتألف منهاطبخة الفاصوليا بالزيت ، فوضعت الحامض مباشرة مع الاجزاء الاخرى فأستعصى طبخها . اما الكبة فان ساعديها لم يتعودا الدق فكتلتها دون ان تلحم المواد ورمتها في القدر قبل ان يغلي الماء اذ انها لم تكن قد اختبرت في حياتها متى وكيف يغلي الماء ولافرق عندها اغلى الماء قبل وضع الكبة او بعده ، فكانت النتيجة أ ن تحولت كبتها الى طبخة لا اسم لها وذهبت أتعابها سدى وغضبت على عريسها الذي جاءها بتلك الكتب التي أحتوت على تلك المعلومات الكاذبـة عن طبـخ الكبـة والفاصوليا ، وصممت في سرها أن تنتقم من عريسها بتحررها من وعدها بصيانة قلبها ونفسها له ولخدمته وسعادته . أنه في اليوم الثاني من زواجها انكشفت لها الحقيقة المرة ، حقيقة نظام الزوجية والضبط العائلي الحديدي فظهر لها بيتها الجديد كسجن مظلم اذ كيف تستطيع تلك الفراشة المرحة ان تحبس قلبها وقد تعود التنقل من دوح الى دوح ومن زهرة الى أخرى ؟
كذلك الحال مع اولئك ((الماركسين)) و ((الشيوعيين)) الذين يحتفظون بكتب الشيوعية ويحفظون اقوال ماركس وانجلز ولينين وستالين عن ظهر قلب ولكنهم لم يستطيعوا ان يهيئوا طبخة كبة شيوعية اذ أن سواعدهم لم تتعود على العمل ولانهم لاينتظرون حتى يغلي الماء لطرحها في القدر ، لانهم يخافون شخير الماء الفائر وقرقعته ولانهم يتصورون امكانية انفجار القدر واصابتهم برشاش الماء الفائر ، ولانهم دائما يضعون الحامض قبل نضجه ، فيستعصي الشئ المراد طبخه . وان أبى الناس أكل طبخهم النئ وشوربتهم الكريهة أقسموا له أن طبيخهم ماركسي هيأوه حسب كتلوك ماركس ... الخ .
اما تعشقهم ﻟ((الديمقراطية)) وحرية العمل والتفكير والتصرف ، فأنه يشبه تعشق تلك الفراشة العاهرة ، فالنظام والضبط الحديدي والتقيد بمقررات لاتتفق وآرائهم الخاصة المنبثقة عن رغباتهم الخاصة ، فهذه أمور لاتتفق و ((ديمقراطيتهــم)) التي تضطرهم على الدوام أن يتنقلوا كتلك الفراشة من مستنقع الى آخر .
على كادرنا أن يتعلم كيف يقرن النظرية بالعمل وان يتذكر دائما ان الماركسية اللينينية ليست ((بألياذة)) تغنى على الرباب او ((قفا نبك)) تعلق على الجدار . انها نظرية الثورة البروليتارية وضعت كدليل للعمل ، اي انها وضعت للحياة فأننا لا نحترفها بترديدنا إياها دون فرضها على الحياة . هذا هو الكادر الذي يحتاج اليه حزبنا ويريده ، لذلك وجب علينا تخصيص شطر كبير من جهودنا لتثقيف أنفسنا بالنظرية الثورية والاختبار والتخلق بالاخلاق والصفات التي هي من مميزات الكادر الحزبي ، مع العلم ان للحركة دخلا كبيرا في خلق الكادر وتزويده بالاختبار .
5- المقررات الحزبية في الحزب السري : ليست الاحزاب الشيوعية كتلك الجمعيات السرية ذات المبادئ والغايات التي لاتتفق ومصلحة الجمهور ولا تستسيغها آدابه وأسلوب تفكيره ، والتي تلجأ الى العمل السري وتبني نشاطها على المؤامرات والارهاب وتعلمه مالا تبغي . فالاحزاب الشيوعية العلنية منها والسرية ، لاتخجل ولاتحجم عن نشر مبادئها ونواياها ولاتخاف من تبيان موقفها من الحوادث التي لها صلة بطبقتها وبلادها ، وبمصير الانسانية ومايعود لها من حضارة ... الخ .
فأن مايلجئ بعض الاحزاب الشيوعية الى التكتم والتخفي هو منعها من قبل الطبقة الحاكمة وحكوماتها عن نشر مبادئها وآرائها ، وعن تأليف منظماتها بصورة علنية ، ومن أمكانية قيام أعضائها بنشاطهم ، وملاحقة الآعضاء بأعتبارهم أناسا خارجين على القوانين ( قوانين الحكومات المستبدة ) فالحزب يختفي أذن ويصبح حزبا سريا بقصد نشر مبادئه وآرائه ، وتبيان موقفه من الحوادث وللمحافظة على أستمرار الحركة وتنظيمها ، الى آخر ما هنالك من الواجبات
فالشيوعيون ليسوا من عشاق السراديب والسجون وليسوا ممن يرتاحون الى تعريض بيوتهم الى غارات الشرطة وارهاب من فيها واحيانا أخذهم رهائن _ كما حصل في غارات حزيران المنصرم _ وليسوا ممن يحبون رؤية وجه الجاسوس الذي يتبعهم كظلهم ، ولكنهم يتحملون كل هذه وأكثر منها برغم أنف العدو الذي يحاول تهزيمهم من الميدان _ عن طيب خاطر لسبب يحلونه فوق ذواتهم وفوق بيوتهم ، أنهم يعشقون مثلا أعلى في الحياة لطبقتهم وللبشرية أجمع ، أنهم يكرهون عن وعي أعداء طبقتهم الواقفين حجر عثرة في طريق تقدم الانسانية .
فالعمل السري أذن - فيما يخص المقررات الحزبية - كتمان كل قرار أومناقشة أو مشاريع أو أجراءات أو رقابة وطرد اعضاء ، أو تتبع حركات العدو ، وبعبارة أوضح كتمان كل ما من شأنه ان يكشف ويضر بتشكيلات الحزب وكادره وبأعضائه وكل ما من شأنه ان يمنع أو يعرقل نشاطه في الحاضر والمستقبل ، وهذا لايعني اننا يجب ان نتكتم على حساب مبادئنا ونشاطنا الجماهيري ومصلحة حزبنا ، بل علينا ان نقارن بين الفائدة المتوخاة والخسارة التي قد تنجم ، فنطرح الخسارة من الربح ، فأن بقي لدينا حاصل لا نحجم عن نشر بيان أو قرار أو خطة حوله الخ .. ولا حاجة بنا الآن الى تبيان القرارات أو الاجراءات التي تكتم كليا أو جزئيا ، أذ ان ذلك منوط بالظروف . ومن المفيد هنا أن أتحفكم بآراء عباد الشكليات وعشاق اللبرالزم ( مبدأ البرجوازية الحرة )من المقررات الحزبية ، ((ديمقراطيتها وعدم ديمقراطيتها)) ومن ثم آرائهم ضد سياسة الحزب وخططه .
أثنان من هؤلاء الاغبياء – ارتدا فيما بعد – أحدهما وقف ضد تنفيذ قرار حزبي متصل بخبز الجماهير ورفض استلامه بحجة ان صيغته شديدة اللهجة متطرفة أما صاحبه فتردد في اخذه لانه اعتبره انحرافا من الحزب الى اليمين وعملا لا فائدة منه ولكن الجماهير قبلته ووقعته بضعة آلاف شخص ونظموا وفودا ذهبت تطالب الحكومة بحل مشكلة الاحتكار . وهكذا برهن هذان أنهما لا يعرفان اليسار من اليمين أو بالاحرى انهما كانا متقصدين ارادا ، لوسنحت الفرصة ، طرح القرار على بساط البحث ومناقشته وفضحه قبل تنفيذه ، ووضعا الحزب أمام الامر الواقع ، اي سحب تنفيذه حرصا على سلامة القائمين به . لم يخطر ببال المعارض ان قرارا بتقديم عرائض الاحتكار ضد المحتكرين ، في سبيل خبز الشعب ، ليس سوى مناوشة بين الجمهور والسلطة الحاكمة أستعدادا لعمل أعلى ، لكنه يريد ان يتعرف على نوايا الحزب قبل وقتها ، واذا عرفها ، وعرفها كل واحد في الحزب وخارجه معناه ايقاف تنفيذه بثمن يدفعه الحزب بكادره .
اما المعارض الثرثار الذي يبني معارضته بحجة التفهم وحب الاطلاع ، او الذي يظهر معارضته بشكل حب المعركة ، فانه يبقى حياته الحزبية كلها يسأل ولا يفهم ولايريد ان يفهم ، ويفضح كل ما سيتوصل الى معرفته بحجة انه لا يفهم ، وكيف يفهم والقيادة لم تطلعه على نواياها وعلى قراراتها ، واحيانا على قرارات يتوهم وجودها .
قد تلقى الشرطة القبض على بعض الحزبيين وغير الحزبيين ممن لهم صلة بعملنا مباشرة او بصورة غير مباشرة ، او قد يفهم الحزب بصورة من الصور ان بنية الشرطة الاغارة على بعض البيوت فيتخذ الحيطة ويطلب من الاعضاء الذين قد يكون لهم شان في الامر أن ينظفوا بيوتهم وأن لا يجتمعوا في المكان وأن لايجتمعوا في الوقت المعين .. الخ فينبري الثرثار وينهال بأسئلته : لماذا وهل هناك خطر وماهو مصدر الخطر ؟ وهل هناك خيانة وهل أنا مطرود لكي لا أحضر الاجتماع ، وهل الحزب لا يثـق بي فلا يدعني افهم ، وهل هـذه ديمقراطيـة الحزب ؟ وهل وماذا .. الخ ؟؟ فاذا اخبرتـه بأعتقـال س ، ج ، ب ، فأنك تفضح هؤلاء وقد يصل خبرهم الى الشرطة وهم تحت قبضتها ، وان أطلعته على مصدر الخبر فانك قد تجلب الضرر للمخبر وتخسر المعلومات التي يستفيد منها الحزب . واذا شعر الحزب بوجود مخربين واعداء في داخله وأراد ان يحصر التخريب في نطاقه كما يحصر رجال الاطفاء النار بعزل مكانها عما يحيط بها لكي لا تمتد وتنتشر ومن ثم القضاء على المخربين بأقل كلفة ، أنبرى لك الثرثار الأحمق –وكثيرا ما يلبس المخرب ثوب الحمق والثرثرة تصنعا ، أو يكون الثرثار العوبة حمقاء بيد المخربين- ولماذا هذه الاجراءات كلها ؟ هل يوجد خائن أو جاسوس بيننا ؟ لماذا لا توءلفون محكمة حزبية وتحاكمونه كما تقتضي الاصول الديمقراطية ؟ لماذا ولماذا ؟ فكأن الثرثار المتمسك بالشكليات يريد ان يقول لماذا لا تريدون ان تنتشر النار لكي يراها الجميع ؟ ولماذا لا تريدون ان تنبهوا المخرب لكي يعرف انكم شعرتم به ليستطيع استبدال اسلوب تخريبه الذي عرفتموه بأسلوب جديد ؟ وكأن الثرثار لا يعلم ان قاعات دور السينما التي تصلح لمحاكمات اولئك المخربين لم تصبح ملكا للشعب ليستطيع الحزب ايقاف اولئك فيها ليجيبوا امام الناس عن جرائمهم ، وان الشرطة لا تأتي لحفظ النظام فيها ولسوق المجرمين الى حيث ينالون عقابهم .. وان صادف وحضرت فلألقاء القبض على من حضر لمحاكمة ذلك الخائن والمخرب أو الخونة ، وكأن الثرثار لايعلم ان المخرب اذا علم مقدار ما يعرف عنه ، وتعرف على خصومه فقد يقوم باعمال كان الحزب في غنى عنها ، فلعل الثرثار أو المتقصد دفعته ديمقراطيته للثقة بالخائن ولعدم الثقة بالحزب وبقيادته . جاءنا ثرثار اندحاري جبان ، كان قد ترك الحزب في ساعة محنته وانضم الى المخربين ، وطلب الرجوع الى الحزب ولكنه أدعى انه كان على حق في ترك الحزب لاسباب ، ومنها ان قرار الحزب في طرد زميل له – شريك في التخريب – كان قرار غير ديمقراطي وغير مشروع أذ لم تتخذ الاصول الصحيحة في قرار طرده ، وعندما سئل عن رأيه في اعمال زميله ورفيقه الذي كان معه في منظمة واحدة ، اجاب انه يتفق في عدم صلاحية المطرود لكي يتمتع بشرف العضوية ، ولكنه يعترض على اسلوب الطرد . ولدينا أمثلة كثيرة من عباد الشكليات ودعاة ديمقراطية الحزب ولكنهم جميعا من حيث النتيجة يعملون على تسهيل عمل المخربين داخل الحزب ، فجماعة رياض –مثلا – يقولـون عنه خائن وليس بجاسوس وأنه خائن بنتيجـة أغلاط غير مقصودة ( ومنهم من يقول بانها مقصودة ) ، انه أخطأ وكل شيوعي قابل لان يخطئ اذ لايوجد في العراق شيوعي كامل ، ويقولون انه أصبح غير كفوء لمركز قيادي ، الا انهم لم يتخذوا قرارا بأدانته ، اذ لايمكنهم اصدار قرار كهذا دون محاكمة في محكمة حزبية وفق الاصول الديمقراطية فعلام يدل هذا المنطق السخيف ((بالديمقراطية)) وماذا يريدون لنا بقولهم ان رياض لم يكن جاسوسا ( ونحن نقول العلم عند الله ) ولكنه خان جماعته ، فسلم أسماء جماعته الى الشرطة ، وأنه اصبح غير لائق لمركز قيادي ؟؟ انهم طبعا اتهموا زميلهم بعد افتضاح أمره لكي يتبرأ شركاؤه ويحل أحدهم محله في قيادة منظمتهم ، أو في (حالة حلها) ستبقى لهم زعامة معنوية –على الاقل- اما قولهم ((انه أخطأ وكل شيوعي يخطئ)) ولا يستطيعون ان يعرفوا ما اذا كان قد أخطأ عمدا او صدفة ، لانهم لا يستطيعون ولوج سرائر الاشخاص ومعرفة نياتهم الحقيقية واما انهم لايريدون ان ياخذوا قرار بحقه أثناء غيابه –دون محاكمته- فلكي لا يؤخذ المخربون داخل الحزب على حين غرة .
هذه بعض الامثلة على موقف المخربين وعباد الشكليات و((الاصول الديمقراطية)) تجاه قرارات الحزب وسياسته كلما سنحت الفرصة ضد الاجراءات التي يتخذها الحزب ضد المخربين واعوانهم ومساعديهم الاغبياء .
جـذور الانتهازيـة
أني ذكرت لكم أشخاصا جاؤوا بأنحرافات وقاموا بتخريبات ، ولكني أحذركم من الظن بأن ذلك لم يكن ليحدث لولا اولئك الاشخاص المعنيون ، احذركم من الظن بأن ماحدث وما يحدث في الحزب مجرد أعمال شخصية (لاتيارات وان لم تتبلور بشكلها النهائي بعد) متصلة بحركتنا ، وان كانت غريبة عنها ايديولوجيا ، ((أني أنكر دور الآشخاص في هذه الانحرافات ولكنهم ليسوا مصدرها انهم نبتات جذورها الراسخة في تربة قطرنا . أن العدو يضحك من عقولنا ويفرح ان نحن حاربنا اوراق الشجرة واغصانها وتركنا جذورها سالمة علينا ان لانكون اغبياء الى حد اعتبار الاخطاء التي نشأت وتنشأ في وسطنا متأتية عن أولئك الاشخاص فنحاربهم دون محاربة التيارات الانحرافية وتنظيف حركتنا منها )) .
فما هي هذه التيارات بالنسبة لحركة العمال والشيوعية ؟
وهل ان العراق تربة صالحة تبت فيها هذه التيارات ؟؟
1- الا توجد في العراق مرتبات من العمال غير الواعين طبقيا (سياسيا) ولا يهمهم في النضال سوى الحصول على زيادة بضعة فلوس من اجورهم وتحسين شروط عملهم ، دون النضال السياسي الشيوعي ؟
ان هؤلاء هم الاقتصاديون عندما يسيرون وراء الافندية الذين يريدون حصر النضال الوطني _ السياسي بهم ، اي بطبقة البرجوازية الحرة .
ان الشراريين قالوا لأمثال هؤلاء العمال بأن الرأسمالي ، صاحب المعمل يستغلكم وينهبكم ويرهقكم ، فما عليكم الا ان تتخلصوا من استغلاله بجمع مبلغ من المال قدره 600 دينار ونحن نساهم بمثل هذا المبلغ فتشتغلون على بركة الله بمشاركة الحزب ، واخيرا لم يجمع المبلغ ففشل الاضراب وخسر العمال جميع ما حصلوا عليه في نضال سنة كاملة ورجعوا الى المعمل بأتعس الشروط ، ولكنهم رجعوا بدون النشيطين الذين كانوا يقودون أضرابهم ، أذ ان الشراريين تمكنوا من الحصول على مبلغ من المال من ابناء عمومة أصحاب معامل الأحذية ( ولعل المتبرع جاد بماله لغير وجه الله ) فأقنعوا أولئك العمال النشطين ، بفتح حانوت لهم ، وهكذا جردوا عمال معامل الأحذية من رفاقهم النشطين ، وحرفوهم عن النضال ، وذهب الأماميون يشجعون أولئك العمال سياسيا وأخلاقيا فصرفوهم عن النضال الى القمار والسرقة ، وهكذا خدم اصحاب ((الشرارة الجديدة)) أصحاب معامل الأحذية ووفروا لهم آلاف الدنانير سنويا وكفوهم شر نضال العمال – بالطبع الى حين- .
2- هل في العراق مراتب من العمال الماهرين ذوي الوعي الطبقي الناقص والممزوج بالأنتهازية أولئك الذين يعيشون أو يريدون ان يعيشوا كما تعيش الطبقة الوسطى ويفكرون مثلها ويريدون ان يحسنوا احوالهم بنضال بروليتاري سلمي ، وهل عندنا عدا هؤلاء مراتب من الطبقات الأخرى ومن المثقفين الذين يهمهم سير حركة العمال على اساس لا ثوري ؟
فهؤلاء هم الأشتراكيون الديمقراطيون الذين ترشيهم الطبقة الرأسمالية في أوروبا بالمراكز الوزارية والرواتب الضخمة ، وترشيهم عندنا –الآن- بتبرعات ومساعدات للزواج ، ووعود بجرائد علنية وحفلات ليلية ، ولا نريد ان نتنبأ عن عطاءاتها لهم في المستقبل.
أن الأشتراكية الديمقراطية –بشكلها المنشفي-تيار في حركة العمال ، لكنه تيار له سياسة معاكسة لقضية العمال ، معاكسة للماركسية – اللينينية تيار يتصف قادته بشعور البتي برجوا وتفكيرها ، تيار انتهازي أدى ببعض أقسامهم –التروتسكيين- الى الخيانة العلنية والتجسس ، فهل أنحرافات المنشفيك عن حزبنا كانت مجرد دوافع شخصية أم انها انبعثت من نفس المصدر الذي انبعثت عنه في البلدان الأخرى ؟
ان الانتهازيين هنا قلدوا اخوانهم المنشفيك-البائدين- في روسيا ولم يأتوا بشئ جديد مبتكر ، انهم قلدوهم لا لمجرد التقليد او حبا به ، ولم يكن هذا التقليد قضية شخصية بل ظاهرة اجتماعية ، اذ ان الظروف التي بعثت الانتهازية عند المنشفيك في روسيا وعند انتهزيي الدولية الثانية هي غير الظروف التي بعثتها هنا وان كانت لا تزال في دورها الابتدائي ولم تتخذ شكلها النهائي كتيار في حركة العمال يحمل ايديولوجية البتي برجوا ويخدم الطبقات الحاكمة ، تيار يريد ان يسير الطبقة العاملة في السبيل الذي تريده الطبقة الرأسمالية والامبريالزم أوعلى الأقل ، يحرفها عن الطريق الذي لا تريده الرأسمالية .
فالانتهازيون عندنا – الذين من فصيلة المنشفيك – حاولوا ان يقنعوا الحزب ((بأن الاشتراكية في العراق سوف لاتكون نتيجة نضال الطبقة البروليتاريا)) و(ان الطبقة) الثورية في العراق والتي بفضل قيادتها سنتوصل الىالاشتراكية هي (طبقة) الافندية ((لذلك يجب ان نفتح ابواب الحزب للأفندية)) و ((ان لاخوف من تذبذبهم طالما الحركة في مد وأنها ستستمر كذلك .. الخ)) انهم حاولوا تقويض النظام والضبط الحزبيين ، واضعاف الثقة بالقيادة وبالرفاق النشيطين ، واوجدوا التكتلات داخل الحزب لغرض التآمر والأستيلاء على قيادة الحزب ، انهم اختاروا الوقت الناسب لذلك بحجة المؤتمر الذي رفض الاشتراك فيه أكثرية اللجنة المركزية وجميع ممثلي فروع الحزب في الخارج وفي وقت لم يكن بأمكان السكرتير حضوره . انهم جمعوا 25 شخصا ممن آزرهم لمطامع شخصية وممن خدع بهم لضعف وعيه الطبقي وقلة اختباره وثقافته الثورية ، وخير دليل على قولنا هذا اجتماعهم الذي نعتوه ﺒ((مؤتمر وعي الطبقـة البروليتاريـة العراقيـة)) والذي عقـد امام أعيـن الشرطـة وبدون تدخلهانتيجة ضمانات أعطاها لهم رياض من ان الشرطة سوف لن تتدخل .
ولم يضع لهم هذا المنهاج واجبا سياسيا سوى اقرار منهاج حزبي انتهازي لا شيوعي أغفل في اهداف الحزب ذكر الدكتاتورية البروليتارية التي تعتبرها الاحزاب الشيوعية كافة ((الشئ الاساسي في الينينية)) و ((جوهر محتويات الثورة البروليتارية)) (ستالين) كما انهم في هدفهم القريب اعتبروا الاقطاع عدوهم المباشر وعلـة العلل ، أمـا الاستعمار فقد أكتفـوا بذكـر كونـه حليف الاقطـاع ، وهذا معناه ، طبعا ، انهم ككل الانتهازيين الذين يخدمون الرأسمالية ينكرون ضرورة الدكتاتورية البروليتارية والثورة البروليتارية ، وتصوروا الوصول للاشتراكية والشيوعية بطريقة سلمية لا عن طريق النضال الطبقي والثورة البروليتارية-وهذا ما تريده الرأسمالية بالفعل لتحويل حركة العمال الثورية الى حركة مسالمة لاضرر منها عليها- وقد يظن البعض ان ابطال ((مؤتمر وعي الطبقة البروليتارية العراقية)) دفعتهم شيوعيتهم الحية و((المرنة)) للتضحية بفكرة الدكتاتورية البروليتارية التي تميز الشيوعيين عن الانتهازيين ، بقصد خدع البرجوازية العراقية (ان كل من يتوهم خدع البرجوازية بهذا الاسلوب لايخدع سوى الطبقة البروليتارية) وجرها للنضال ضد الاستعمار لكنهم رضوا في الوقت نفسه بالاستعمار دون الاقطاع لأنهم قالوا بصراحة في منهاج حزبهم عن أهدافهم القريبة ((ان عدوهم هو الاقطاع)) وانهم يكرهون الاستعمار لانه يسند الاقطاع فاذا مازال الاقطاع زال ، بصورة اوتوماتيكية كرههم للأستعمار لأنهم لا يكرهون الاستعمار لانه يفقدنا سيادتنـا الوطنيـة ولا لأن شركاته ومصارفه تنهب بلادنا وتستنزف دماء عمالنا وفلاحينا وجميع شعبنا .
ان هذا الاجتماع الذي ارادوا ان يصموا به الطبقة العاملة العراقية ينعته ﺒ((مؤتمر وعي الطبقة البروليتارية العراقية)) برهن على عدم وعي المجتمعين فيه ، لا وعيا بروليتاريا ولا وعيا وطنيا ، لانهم انكروا فيه اهداف الطبقـة البروليتاريـة لاقامة الدكتاتورية البروليتارية المعروفة بشكل حكومتها بالديمقراطية السوفياتية ، وانكروا هدف الشعب العراقي التحرري وهوالسيادة الوطنية والتخلص من الاستعمار سياسيا وأقتصاديا .
هذه هي بعض أعمال (( مؤتمر وعي الطبقة البروليتارية العراقية )) – الشريفة- التي لم يخجلوا من نشرها ، أما الاعمال الاخرى التي كانوا قد وعدوا بنشرها ثم خجلوا فأظنها تتعلق بالطعن بأشخاص رفاقنا الذين لم يوافقهم على انتهازيتهم فلا عجب اذن أن رأينا الشرطة العراقية لم تتدخل لفض ((مؤتمرهم)) وأن رأينا وسمعنا أعوان الاستعمار وعملائه ينشطون في الدعوة لذلك ((المؤتمر)) ويجادلون في صحته ويهيئون له ويدعون الى حضوره.
أنهم في كل ما عملوه داخل الحزب قبل ((مؤتمرهم)) لم يستطيعوا تحويل سياسة الحزب الى الاتجاه الذي ارادوه ، ولكنهم في هذا ((المؤتمر)) شقوا الحزب واستطاعوا ان يسحبوا وراءهم فريقا ممن لهم استعداد للتذبذب وممن لم تكن لهم تجارب بأساليب الانتهازية وأغراضها الطبقية ، واستولوا على جريدة الحزب القديمة وعلى ادوات طباعته ومخزن أدبياته ، وبعملهمهذا ظنوا انهم أستولوا على الحزب واصبح بأمكانهم تسيير الحركة الشيوعية كما يشتهون وكما تشتهي الطبقات المعادية. واخذت ميولهم الانتهازية تظهر بوضوح كميل سياسي غريب ومعاد للشيوعية ولحركة العمال الثورية . وقد دلت على هذا تصرفاتهم الشخصية وسلوكهم الحزبي الانتهازي ومساوماتهم في سبيل العلنية على حساب الحركة وتشويههم للحقائق الشيوعية بحجة المرونة الشيوعية ، وأخيرا أستسلامهم وأنهزامهم من الميدان عند أبسط اصطدام بينهم وبين الشرطة . انهم جاؤوا بثلاثة عمال الىلجنتهم المركزية ليظهروا أنفسهم بمظهر حزب عمال ، لكنهم في الوقت نفسه بدلوا صفة أولئك العمال البروليتاريين التواقين الىترفيه حالهم وجعلوهم أصحاب حوانيت ، أي انهم مدوهم بالمال اللازم كرأسمال حرفي وهكذا أصبحوا حرفيين ولم ينسوا في الوقت نفسه فضل الغني الذي مدهم بالمال كرأسمال للحرفيين الجدد ، وكقرض لدفع مهر زعيمهم فأجلسوه بجانبهم في اللجنة المركزية ويكفينا للدلالة على انتهازيتهم ومساوماتهم ، ان ننقل البعض القليل الذي أتحفوا به الجمهور في عدد جريدتهم ((الشرارة الجديدة))- الموؤودة- العاشر والاخير لشهر حزيران1943 : جاء في مقالهم الافتتاحي ((نحن و الحكومة)) المساومة التالية على غلق جريدتهم الشرارة ((.. أعطونا حزبا ديمقراطيا ، وامنحوا لنا حرية التفكير والمجاهرة بالرأي ونحن مستعدون على ان نحجب حتى ((شرارتنا العزيزة)) حتى تتأكدوا من صدقنا ، أننا لسنا اناسا كما تتهموننا ديدننا التخريب وقلب نظام الحكومة ، معاذ الله لسنا كذلك . اذا منحتم لنا حرية التعبير عن آرائنا وسمحتم لنا بتشكيل النقابات والاحزاب كما هو موجود في أمريكا وأنكلترا فنحن مستعدون لان نظهر حسن نياتنا لكم ، بأن نغلق ((الشرارة)) كما (( اظهرها السوفيات لكم بغلق الكومنترن .. أذا فعلتم هذا فسنفعل ذلك فهل أنتم فاعلون ؟ سترينا الايام))
( محل التوقيع ...)

ان المقال عنون ﺒ((نحن والحكومة)) وبدأ موضوعه بأنهم سياسيون محترفون ولا يريدون أن يتخلوا عن ذلك الا أذا تخلوا عن حياتهم وشعبهم ومع ذلك فأنهم لم يكونوا يوما ليناضلوا لقلب النظام الحالي والحكومة الحالية اذا كانت هذه الحكومة منضمة الى جبهة الشعوب الموحدة ضد النازية . وبعد ان عددوا مساوئها انتقلوا الى ((بيت القصيد)) المعتقلين-الذين اعتقلوا في شهر آيار- ووجه الخطاب الى الحليفين الى شرشل وروزفلت العظيمين حول المعتقلين ، وانتهى أخيرا كما ترون فيما نقلناه بالمساومة على تعطيل جريدتهم .
وهنا نحن نقتطف من مقالهم التالي المعنون (( نجدد عهدنـا )) الفقرات التاليـة ((____)) أتخذت الحكومة السوفياتية مؤخرا قرار خطير الشأن يقضي بحل الكومنترن . ومن البديهي أن يكون لمثل هذه القرارات تأثير على اتجاهاتنا السياسية (( ... )) ان اول ما يستخلص من قرار الحكومة السوفياتية هو وجوب السعي لتعزيز التعاون مع الحكومة تعزيزا تاما . نعم هذا هو واجب الساعة ، واذا كنا نحن قد بذلنا الجهود لتحقيق التعاون مع الحكومة ، فأننا يترتب علينا الان مضاعفة هذه الجهود (( ... )) اننا لم نكن يوما ما أعداء لهذه (( ... )) واذ كنا اليوم نجدد عهدنا الى الحكومة بالتعاون معها فلا يعني هذا التعاون ان نتنازل عن مطاليبنا ، بل كل مانبتغيه هو اظهار استعدادنا لازالة العراقيل وكل المفاهيم الخاطئة التي لابست ذهنية المسؤولين عن حقيقتنا .
ولتعلم الحكومة اننا لانبغي من وراء جهادنا تغيير نظام الحكم والقضاء على طبقة من الطبقات ، بل أن مهامنا الرئيسية مكافحة الفاشستية عدونا المشترك (( ... )) ولتعلم الحكومة اننا لسنا حريصين على اصدار هذه الجريدة في كل الظروف والاحوال ، واننا نعلن عن استعدادنا لتعطيلها فيما اذا نزلت عند مطاليب الشعب الجوهرية بمنحها للجماهير الحريات الديمقراطية وفي مقدمتها حرية تأليف حزب ديمقراطي تسمح لتأليفه لأي كان من العناصر الديمقراطية . وفي هذا ما يدلل للمسؤولين عن حسن نيتنا ورغبتنا الشديدة في تجنب السير على خطة قد يجد المسؤولون استفزازا لهم فيها (( ... )) فالاحرى بها – الحكومة – ان تطلق سراح هؤلاء المعتقلين (( ... )) . ان هذا المقال لايختلف عن سابقه في القصد والجوهر الا انه اظهر للحكومة تأكيدات وخضوعا زائدين وتنازلا عن اصدار الجريدة اذا اعطت الحكومة حزبا لغيرهم واذا –وهذا بيت القصيد- أطلقت سراحهم من التوقيف ، وازدادوالها في تأكيدهم بأنهم وان كانوا حزبا شيوعيا الا أنه حزب مسالم يود التفاهم مع الحكومة وترك كل عمل يستفزها ، ويريدون من الحكومة ان تعتبرهم كذلك ليستطيعوا مضاعفة تعاونهم مع الحكومة .
اما ذكرهم عن اتخاذ الحكومة السوفياتية قرارا بغلق الكومنترن فهذا بهتان وزور وأفتراء على الكومنترن وعلى الحكومة السوفياتية ، فبيان الأممية الشيوعية يعطي ضوءا على العوامل التي حتمت على الاممية الشيوعية حل منظمتها ، ولم نقرأ في ذلك البيان أثر لتدخل الحكومة السوفياتية ، كما انه وقع من قبل رئاسة الاممية وسكرتاريتها الذين هم في الوقت نفسه قادة الاحزاب الشيوعية الكبيرة لفرنسا والمانيا واسبانيا وغيرها ، ولم نر تواقيع الحكومة السوفياتية على قرار حل الاممية الشيوعية فليس غريبا على من يريد المساومة ان يتهم غيره بالمساومة لكن ((الشراريين الجدد)) أتهموا الحكومة السوفياتية بالمساومة ، واعتبروا الاممية الشيوعية العوبة بيد الحكومة السوفياتية ، وفي المقال الثالث الذي سننقل اليكم بعض درره وجواهره اتهامات صريحة للحكومة السوفياتية والاممية الشيوعية ، أما قولهم ان ((من البديهي ان يكون لمثـل هذا القرار تأثيـر على اتجاهاتنـا السياسيـة)) فلعلهم لم يقصـدوا مايقولون ، اذ انهم لم يفهموا ان لكل حزب او جماعة سياسية اتجاها سياسيا، والتأثير على الاتجاه السياسي يعني حصول تبدل فيه وهذا يعني الانتقال من معسكر سياسي الى آخر ، أو لعلهم يقصدون ان حل الاممية حتم عليهم تبديل خطتهم ، ونحن بدورنا نسأل هل كانت لهم خطة قبل القرار وماذا كانت خطتهم ، و ((لكي يستطيع المرء تبديل خطة ينبغي ان تكون له خطة-لينين)) . ومن الظاهر ان الجماعة لم تكن لهم خطة ، اذ لو كانت لهم لحصلوا على بديل او عوض عن مساوماتهم التي أدت الى التسليم بدون قيد أو شرط .
ولننتقل الان الى المقال الثالث وهو ((حل الكومنترن)) .. ((ان حل الكومنترن في موسكو أثار أستغراب الكثير وأستفسار الكثير وشوه تفكير الاخر وضيع على الكثيرين مجال تفكيرهم بهذا الصدد بحيث لم يستطيعوا ادراك أسباب ونتائج هذا الحل وعليهأرتأينا ضرورة البحث قليلا في هذه القضية بغية أزالة الغيوم الدكناء التي غشت عيون البعض من ذوي الثقافة الضحلة)).
لقد أحصى صاحب المقال العبقري المستفسرين والمستغربين ومشوهي التفكير وضعيفي التفكير الذين لم يدركوا أسباب ونتائج هذا الحل ، فحصل لديه الكثير+ الكثير+ الكثير الاخر + الكثيرين أيضا ، وأن حاصل الجمع عنده بعض ، فأنبرى ليزيل بقلمه ((الغيوم الدكناء التي غشت عيون البعض من ذوي الثقافة الضحلة)).
ولننظر فيما كتبه لنرى كيف يبدد الغيوم الدكناء التي غشت عيون أصحابه ((ان الكومنترن هو أعلى منظمة للاحزاب الشيوعية العالمية)) ... ((انها تبلور سياسة الاحزاب العالمية)) ... ((ان هذه المنظمة العظيمة تتمشى على سياسة مرنة غير جامدة شأن الاحزاب الشيوعية الاخرى))((ان الحزب الشيوعي السوفياتي ممثل فيها أيضا وله الكلمة العليا)) ... ((اوجدت هذه المنظمة العظمى لحفظ تراث الثورة السوفياتية الكبرى من خطر الدول الرأسمالية ولتوجيه الاحزاب الشيوعية التي تعوزها التجربة توجيها صحيحا لتقف حئلا دون قيام دولة رأسمالية لايذاء الوطن الاشتراكي العظيم)) .. ان الكومنترن قد انحل ليس لان مهمته قد انتهت ، لقد انحل لان الظروف الدولية تتطلب هذا الحل ويفسر لنا كاتبنا العبقري هذه الظروف الدولية ﺒ((ان الحوادث التاريخية الانية جعلت من الضروري القيام بهذه التضحيةمن قبل الاتحاد السوفياتي المحبوب)) .
فلكي يظهر الاتحاد السوفياتي حسن نيته في تسيير دفة الحرب (كأنه لم يظهر حسن نيته قبل حل الاممية) التي تقتضيها الجبهة الموحدة العظيمة والاشتراك في عالم ما بعد الحرب السلمي ، ولكي يظهر الاتحاد السوفياتي أخلاصه لاصدقائه في الجبهة الموحدة ، وأنه لا ينوي قط التدخل في الشؤون السياسيـة الداخليـة للبلاد الاخرى لا بد انه طلب الى الكومنترن حل منظمته المعقودة في موسكو وكانت هذه الحركة الدبلوماسية من جانب الاتحاد السوفياتي خير دليل على حسن نيته في الحرب وفيما بعد الحرب وفي عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى ((؟)) اننا نطيع بيان ديمتروف وزدانوف وتوريز ومارتي ، اننا جنود لستالين وشرشل وروزفلت مستعدون لنموت لتبقى رايتهم ترفرف على المعمورة ، وكل ما نطلب من الحكومة ، بأسم جبهة الشعوب المتحدة وترسيخا لسمعتها في هذا البلد أن تكافح الغلاء وتضرب على أيدي المحتكرين وتطلق –وهنا بيت القصيد- سراح الديمقراطيين . اننا لانكره الحكومة بل نحب شعبنا ، فأنتقادنا للحكومة هو ملاطفة لا أكثر ولا أقل(وتدلل البنت على أمها) دفاعا عن شعبنا لا كرها منا للحكومة او عدم رضانا بوجودها –محصنة بالله- وبأسم الجبهة الموحدة يناشدكم الحزب الشيوعي العراقي اطلاق سراح جميع الديمقراطيين الاحرار ... )) .
لقد أتعبت القارئ بكثرة المنقول فأرجو عذري اذ لابد لي من ذلك وان كنت قد كلفته قراءة أشياء كريهة تعافها الانوف ، وأضيف الان عبارة واحدة وانقلها من مقالهم الرابع ((العقد الاجتماعي)) ليتأكد القارئ من ان هذه المقالات الاربع لم تكتب الا لغرض واحد ..((ولايفوتنا أيضا قبل ختام هذه الكلمة ان نعلن صراحة وعلى الملأ وجهرا في الاعلان بأن الحزب الشيوعي على أهبة الاستعداد الى ان ينقطع عن اصدار جريدته ((الشرارة)) فيما اذا نفذت مطالب الشعب التي ناضلت وتناضل من اجلها وهي ... ((اطلاق سراح جميع الديمقراطيين والشيوعيين حالا)) .. ((لا اخال الحكومة بعدهذا يتسرب اليها الشك من وعدنا اذ أن وعود الشيوعيين لا ريب فيها (ووعد الحر دين) وحل الكومنترن (قميص عثمان) خير دليل على صدق نيتنا في تأييدنا لجبهة الشعوب الديمقراطية ، وأبلغ ما ضحينا لاجلها ، فالى تحقيق هذا العقد الاجتماعي بيننا)) .
هل للقارئ الكريم ان يجد مثل هذه الصفاقة والمسكنة وفقدان الكرامة الانسانية عند كتاب مهما بلغت حقارتهـم وانتهازيتهـم ، اللهـم الا في معسكر (الشرارة الجديدة) و (الى الامام) الموؤدتين.
لقد نزعوا الحياء عن وجوههم والصقوا التهم بالاتحاد السوفياتي وصوروا الاممية الشيوعية لعبة بايدي الدولة السوفياتية ، وأعلنوا ساعة حربهم لقرار ديمتروف وزدانوف وتوريز ومارتي ، وحملوا راية ستالين وشرشل وروزفلت بدون خوف من الموت ، وبالاخير ، سقطوا على اقدام الحكومة طالبين منها ومن الجبهة الموحدة وبأسم الجبهة الموحدة أطلاق سراح المعتقلين ، وليس هذا فقط ، أذ ان كل ما جاء في هذين المقالين والمقالين السابقين لم يكن سوى مساومات بخسة لاطلاق سراح جماعتهم وأسلوب غوبلزي لتحضير أذهان البسطاء من زملائهم لقبول الامر الواقع وهو تعطيل جريدتهم التي سبق ان اتفق قادتهم على تعطيلها في الموقف ، ولم ينسوا ان يختبروا زملائهم اذا كان فيهم من هو مستعد لتوزيع بيان بوأد جريدتهم فوجهوا أسئلتهم بهذا الخصوص في العدد نفسه وفي الصفحة العاشرة –الاخيرة– وهذه بعض أسئلتهم :-
السؤال الرابع : ما الذي يجب عمله فيما لو لبت الحكومة طلب الحزب المشروع بأرجاع الحريات التي اقرها الدستور ، وتأسيس العلاقات مع الاتحاد السوفياتي ، وعدم مطاردة الاحرار والضرب على ايدي المحتكرين والخ .. ؟
السؤال الخامس : ما الذي يجب عمله فيما لو كلفت بتوزيع منشور ؟
السؤال السادس : ما الذي يجب عمله في حالة خيانة أحد الرفاق في اوضاع وظروف مختلفة ؟ (يهيئون جماعتهم لتقبل خيانة سكرتيرهم بحجة ظروف واوضاع مختلفة) وهذه هي الاوضاع والظروف المختلفة كما بينوها في سؤالهم الاتي :
السؤال السابع : ما الذي يجب عمله فيما لو أستمرت الحكومة على اعتقال الاحرار الديمقراطيين والشيوعيين واستعمالها الوسائل غير المشروعة في التحقيق؟
السؤال العاشر : لاجل تأمين مورد مالي للحزب ؟ (طبعا حتى بعد تعطيل جريدتهم وايقاف عملهم لكي يبقى الاثنان مسؤولين عن اعالة اسيادهم الاقطاعيين) .
وبعد هذه المساومات العلنية المفضوحة بين الشراريين والحكومة او بالاحرى بينهم وبين الشرطة ثم الاتفاق بينهم اخيرا على التسليم بدون قيد أو شرط فنشروا بيانهم بتعطيل جريدتهم ((الشرارة الجديدة)) وليس في الامر ما يوجب الدهشة من صدور مثل هذا الشئ عن الانتهازيين (وهكذا فعل أيضا ((المؤتمريون)) بجريدتهم –الى الامام- وبمنظمتهم) . الا ان المدهش في الامر ادعاؤهم بان العظيم ستالين قد اوصى لهم بأن يكونوا شيوعيين و (شيوعيين مرنين) ينبذون الشيوعية الجامدة كما ينبذها هو –ستالين- وان يتمشوا (على نهج شيوعية خالقة) ((مبدعة خالقة)) وكذلك أوجب على الشيوعيين المرنين –البهلوانية- الذين ينبذون الشيوعيـة الجامدة والذين يتمشون على نهج ((شيوعية خالقة ، مبدعة خالقة)) ان يكونوا مستعدين للتضحيـة بكل شئ حتى بالشرارة العزيزة عليهم وهكذا فعلـوا للاسباب التاليـة كما جاء في بيانهم :-
أ- ان صدور قانون تنظيم الحياة الاقتصادية أرعب المحتكرين فولوا الادبار .. ((ان السوق يهبط هبوطا مستمرا وفوضى الاسعار في طريقها الى التلاشي ))- الكلام في حزيران 1943-.
ب- لاينكر (لاينكر سوى الحسود) ان الحكومة سمحت ببعض الحريات الديمقراطية فالجرائد حسنة والمجلات – وهل هناك جرائد ومجلات حرة لتكتب ؟- كافة تستطيع ان تكتب ما تشاء لحد ما وهذه حسنة نسجلها للحكومة .
ﺠ- أعتقالها للنازين (( ... )) واطلاق سراح بعض الديمقراطيين (( ... )) فعلى ضوء هذه المعلومات ، وبناءا على الظروف الناشئة من حل الكومنترن – الاممية الشيوعية – وبناء ... وبناء .. – قررت اللجنة المركزية للحزب السيوعي العراقي (حزب الشرارة الجديدة الموءودة) بأجماع الاراء غلق جريدة الشرارة ، وستكون هذه التضحية من حزبنا بمثابة دليل عملي على حسن نيتنا تجاه الحكومة .. )) ولكي يكتسب بيانهم هذه الصفة الرسمية : ولكي تثق الشرطة العراقية بكلامهم ، أرسلوا صورة منه الى :
1- سموالوصي المعظم .
2- فخامة رئيس الوزراء ووزرائه .
3- مجلس النواب .
4- السفارة البريطانية .
5- السفارة الامريكية .
6- مديرية الدعاية العامة .
7- السفارات والقنصليات العربية .
أكتفي بنقل هذا المقدار من تفكير وآراء الانتهازيـة التي ظهرت في حركتنـا والمعروفة بحركة ((الشرارة الجديدة)) و ((المؤتمريين)) (الاماميين) وكيف أخرجوا اراءهم الى حيز العمل ، ونشرو الفوضى والتبلبل بين كثير من الرفاق والعمال وحتى بين بعض الطيبين منهم .
ان أهم ما تتطلبه حركتنا الان هو القضاء على هذا التبلبل وهذه الفوضى عند بعض الرفاق الحزبيين الذين هم خارج الحزب وتنوير رفاقنا الحزبيين بجوهر الموضوع ليستطيعوا اداء واجباتهم في القضاء على هذا الخطر ، لابد لهذا من معرفة جوهر القضية ، لابد من ان نميز ما اذا كانت هذه الانتهازية التي اتخذت شكلها الصريح نتيجة أعمال شخصيته ومؤامرات أشخاص ام انها صدرت عن انحرافات خطرة لها عوامل اجتماعية في ظروفنا الموضوعية .
لقد عالجت الموضوع وبينت العوامل المؤاتية لنمو هذه الانحرافات – يمينية و يسارية – في وسطنا ، وللتوسع في فهم الموضوع والتوجه الصحيح لمكافحته آثرت ان أنقل اليكم من خطاب الرفيق ستالين في الاجتماع الواسع للجنة موسكو ولجنة المراقبة –لمنظمة موسكو-للحزب الشيوعي-البولشفي-في 19 تشرين الاول عام 1928 ((أظن ايها الرفاق علينا قبل كل شئ ان نجرد افكارنا عن الجزئيات والامور الشخصية ، وما أشبه ، لكيما تستطيع حل مسألة الانحراف اليميني الذي يهمنا اليوم ، هل يوجد في حزبنا خطر انتهازية يمينية ؟ هل توجد عوامل موضوعية مؤاتية لنمو خطر كهذا ؟ كيف يجب محاربة هذا الخطر ؟ هذه هي الاسئلة التي تجابهنا الان ، الا اننا سوف لا نستطيع حلها ما لم نطهرها من جميع الجزئيات والعناصر غير المتعلقة بالامور التي تربكنا والتي تمنعنا من تفهم جوهر القضية))((لقد أخطأ زابولسكي في أعتباره قضية الانحراف اليميني أمرا عرضيا ، لقد صرح بانها ليست أنحرافا يمينيا بل مجرد مشاغبة ودسائس شخصية .. الخ .. ولنفرض لحظة ان المشاغبة والدسائس لها بالفعل بعض التدخل في ذلك ، كما لها عادة في كل نضال ، لكن ارجاع كل شئ للمشاغبة والتقصير عن رؤية جوهر القضية الذي وراءها معناه الخروج عن السبيل الماركسي الصحيح اذ ان منظمة واسعة متراصـة ، كمنظمـة موسكو ذات المقام الراسخ لايمكن تحريفها من القمـة الى الاسفل واهاجتها بمساعي بعض المشاغبين او الدساسين . لا أيها الرفاق ، ان مثل هذه الاعاجيب لا تحدث ولا حاجـة لي للتأكيـد لكم بأن قوة منظمـة موسكو وقدرتها لايمكن تقديرها بمثل هذا الاستخفاف ومن الظاهر ان اسبابا أكثر حقا كانت قد عملت فيها اسباب لا علاقة لها بالمشاغبة والدسائس)) .
((وفرونتوف لقد أخطأ كذلك ، اذ أنه بالرغم من اقراره بوجود خطر يميني الا انه يظن ان المسألـة لاتستحق اناسا جديين مشغولين وانشغالهـم بها جدا وفي رأيه ان قضية الانحراف اليميني ليست سوى موضوع لمثيري الضوضاء للجديين من الناس. اني افهم فرونتوف جيدا ، انه غارق بأشغاله اليومية العملية ، وليس له وقت للتفكير بمستقبل تطوراتنـا ، لكن هذا لايعني ان علينـا ان نحول الاتجـاه العلمي الصرف والضيق عند بعض رفاقنـا الحزبيين الى دوغمـا –عقيدة- من دوغميـات عملنـا العمراني ، ان اتجاها عمليا صحيحا لهو من الاشياء الحسنة ، لكن هذا الاتجاه اذا فقد (بعد النظر في المستقبل) في العمل وعجز عن اخضاع العمل الى خطة الحزب الاساسية فانها ستصبح رجعة ومع ذلك فلا يجب ان يكون من الصعب الفهم بان قضية الانحراف اليميني لهي قضية خطة حزبنا الاساسية ، انها قضية تقرير ما اذا كانت أهداف مستقبل التطور التي رسمها حزبنا في المؤتمر الخامس عشر صحيحة أم خطأ)) .
((وكذلك أخطأ الرفاق الذين عند بحثهم قضية الانحراف اليميني ركزوا على قضية الافراد الذين يمثلون الانحراف اليميني ، وقالوا أرونا اليمينيين والموفقين سموهم لنا ونحن نصفي الحساب معهم . ان هذه ليست الطريقة الصحيحة لعرض القضية ، ان للافراد أهميـة طبعا ، غير ان القضيـة ليست قضيـة افراد بل قضيـة الظروف والمواقف التي توجد الانحراف اليميني في حزبنا . لذلك قضية الافراد لاتحل القضية بالرغم من انها دون شك ذات أهمية . واذكر بهذه المناسبة حادثا وقع في أوديسا في نهاية عام 1919 أو في بداية عام 1920 ، عندما كانت جيوشنا تدمر جيوش دينيكين في أوديسا بعدما طردتهم من أوكرانيا . ان عددا من الجنود الحمر لم يتركوا زاويـة من أوديسا لم يفتشوها للعثور على ((الحليفة)) معتقدين بأنهم أسروها –الحليفة- فان الحرب ستنتهي ، فمن المفهوم ان جنودنـا الحمر لو صدق وأسـروا بعض ممثلـي الحلفاء في أوديسا ، فان ذلك بالطبع لم يكن لينهي قضية الحلفاء ، لان جذور الحلفاء لم تكن مغروسة في أوديسا ، بالرغم من ان أوديسا كانت حينذاك مقر دينكين الاخير ، بل في الرأسمالية العالمية وما قلناه عن اولئك الجنود نقوله عن بعض رفاقنا الذين ، في قضيـة الانحراف اليميني يركزون على الافراد الذين يمثلون ذلك الانحراف ، ناسين الظروف التي تبعث الانحرافات ، ولهذا السبب علينا اولا تفهم الظروف التي تبعث الانحراف اليميني وكذلك ((اليساري))- التروتسكي عن الخطة اللينينية)) .
((ان الانحراف اليميني في الشيوعيـة في الظروف الرأسمالية ميل وانعطاف وان كان في الحقيقة لم يتبلور بعد ، وربما لم يدرك بوعي حتى الان ، ولكنه مع ذلك فهو ميل من قبل قسم من الشيوعيين للابتعاد عن الخطـة الماركسية الثورية الى اتجـاه الاشتراكية الديمقراطية . وعندما تنكر جماعات معينة من الشيوعيين شعار ((طبقـة ضد طبقة)) في الحملات الانتخابية –في فرنسا- أو عندما يكونون معارضين لتقديم الحزب الشيوعي مرشحين مستقلين –في بريطانيا العظمى- او عندما يكونون غيـر راغبين في القيام بحملة نضال شديدة ضد يساريي الاشتراكيـة الديمقراطيـة – في المانيا- الخ الخ .. فان هذه تظهر لنا وجود افراد في الاحزاب الشيوعيـة يعملـون على تكييف الشيوعية الى الاشتراكية الديمقراطية . فأنتصار الانحراف اليميني فـي الاحزاب الشيوعية ، في الاقطار الرأسماليـة ، معناه الانهيار الايديولوجي للاحزاب الشيوعية ، وزيادة عظمى في قوة الاشتراكية الديمقراطيـة وماذا تعني زيادة عظمى في قوة الاشتراكية الديمقراطية ؟ انها تعني تقوية وتثبيت الرأسمالية ، لان الاشتراكية الديمقراطية هي الدعامة الرئيسية للرأسمالية في وسط الطبقة العاملة .
وهكذا فانتصار الانحراف اليميني في الاحزاب الشيوعية في الاقطار الرأسماليـة سيزيد في الظروف الملائمة لابقاء الرأسمالية .
هناك بعض مقتطفات حول الموضوع ننقلهـا من خطاب الرفيق ستالين -1929- عن الانحراف اليميني في الحزب البولشفي – أختلافات - مع بوخارين- في قضايا الكومنترن .
((والقضيـة الثانيـة هي قضيـة الميل التوفيقي في احزاب الاممية الشيوعية .لقد تضمن موضوع بوخارين ضرورة محاربـة الانحراف اليميني ، ولكنه لم يقل كلمة واحدة عن محاربة ميل التوفيقيين مع الانحراف اليميني .
ان ذلك بالطبع نقص فاضح ، اذ انـه عندمـا تعلن الحرب على الانحراف اليميني يتخفى الانحرافيون اليمينيون عادة بزي الموفقين ، ويجعلون الحزب في موقف حرج ولكي نمنع مناورة منحرفي اليمين هذه يجب علينا ان نلح بأثارة حرب صادقة ضد الميل التوفيقي)) .
((والقضية الرابعة هي قضية الضبط (دسبلن) لم يحتو موضوع بوخارين على ذكر ضرورة حفظ الضبط الحديدي في الاحزاب الشيوعية وكان هذا أيضا نقصا ذا أهمية غير قليلة ولماذا ؟
لانـه في الوقت الذي تكون فيه الحرب ضد المنحرفين اليمينيين في اشتـداد ، في الوقت الذي يكون فيه شعار تطهير الاحزاب الشيوعية من العناصر الانتهازيـة نافذ المفعول ، يعمد المنحرفون اليمينيون عادة الىتنظيم امفسهم ككتلة ، ويضعون ضبطا خاصا بكتلتهم ، ويمزقون ضبط الحزب ويحطمونه .
وللمحافظة على الحزب من هجمات منحرفي اليمين الكتلية علينا ان نشدد في ضبط حديدي في الحزب وعلى خضوع لا شرطي من قبـل أعضاء الحزب لهذا الضبـط وبدون هذا لا يمكن ان تثار حرب جدية ضد منحرفي اليمين)) أظن ان فيما نقلته عن الرفيق ستالين الكفاية ليوضح لنا :-
1- ان الانحـرافات في الاحزاب الشيوعيـة في الاقطار الرأسماليـة ، هو ميل ، ومن قبل قسم من الشيوعيين للابتعاد عن الخطة اللينينيـة الثوريـة والاتجاه نحو الاشتراكية الديمقراطية ، وتكييف الشيوعية وفق الاشتراكية الديمقراطية التي هي دعامة الطبقات المستثمرة في حركة العمال .
2- وان الحرب ضد الانحرافات يجب ان لاتقتصر على تنحية الانتهازيين وتطهير الحزب منهم ، بل ان تحارب الانحـرافات كميل خطر جدا له جـذوره في الاوضاع الاجتماعيـة والاقتصاديـة في القطـر ، اي ان نحارب الافكار التي تنبعث منهـا الانتهازيـة .
3- ان لا ينشغـل الثوريـون عن الانحرافات باعتبارهـا خطـرا على الحزب ، بأعمالهم الحزبية الاعتيادية الانية دون التفكير بمستقبل الحركة واهدافها ، وبدون الانتباه الى ان انتصار الانحرافات داخل الحزب معناه ضياع الامل بتطور الحركة .
4- وجوب تطهير الاحزاب الشيوعيـة من المنحرفيـن بأعتبارهم اداة النفـوذ البرجـوازي – المعـادي داخل حزب البروليتاريـا ، وان تشن الحـرب لا علـى الانتهازين المفضوحين فحسب بل كذلك على الموفقين .
5- ان يفرض ضبط حديدي على الاعضاء وخضوع لا شرطي لهذا الضبط وبهذا فقط يمكن تحطيم تكتلات المنحرفين داخل الحزب ، بالوقوف ضد هجماتهـم لتنفيذ شعار تطهير الحزب الشيوعي من الانتهازيين .
لقد بينت في مستهل هذا القسم من موضوعي وجود العوامل الموضوعية والمؤاتية لنهوض الانتهازية في بلادنا ، وان هذه الانتهازية وان لم تكن واضحـة ( بالنسبـة لحركـة العمال في اوروبا ) الوضوح الكافي ، قـد ماثلت في تفكيرهـا وسلوكهـا انتهازية الاشتراكيـة الديمقراطيـة بشتى فصائلها ، ولم يكن من الغريب ان تظهر انعكاساتهذه الانتهازية (بالاضافـة الى الانتهازيـة التي تعكسها الطبقات الاخرى بسبب وضع البلاد الاقتصادي والاجتماعي وطبيعة نضالنـا التحرري) في حزبنا بشكل انحرافات يمينية ويسارية عن الخطة الثورية اللينينية ، ولم يكن من الغريب ان تظهر بشكل عنيف جارف ، وفي الوقت نفسه مبهم ومشوش ، وما سبب ذلك الا ظروفنا الذاتية والموضوعية ظروف قطرنا السياسية والاجتماعية ، هذا القطر الصغيـر المتأخر ، والجامع في الوقت نفسه لحزمة من متناقضات الامبريالزم ، وظروف طبقتنا العاملة الفتية التي لم يمض وقت طويل على خروجها من طبقة الفلاحين والحرفيين وصناعهم وممن انحدر من مراتب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة .
ان بلادنا مستقلة وغير مستقلة ، تحكم من قبل وطنيين لكنها لاتملك السيادة الوطنية ، انها ديمقراطيـة لكن الشعب لايستطيع ممارستها ،بلادنا غنيـة لكن شعبنا يتضور جوعا ، الملكيـة الشخصيـة وحريـة التجارة محترمتان لكن موارد البلاد الرئيسية وثروتها الطبيعيـة مسلوبـة ومحتكرة من قبـل ملوك المال الاستعماريين ومن قبل مصارفهم وشركاتهم ، انتاجنـا متأخر وفلاحونـا يقلبـون الارض بمحراث خشبي ويحصدون بمنجل يدوي واحيانا يقلعـون الحاصل قلعـا من جذوره بأيديهم لكن ما ينتجونه بضاعـة مرتبطـة بالسوق العالمية ومحتكرة من قبل الشركات الرأسماليـة الاحتكاريـة العالميـة ، شعبنا يكد ويكدح ليقدم الضرائب لا لتصرف على مصلحة الشعب ، بل لاعالة جيش من البيروقراطية وجهاز حكومي اقيم لارغام الشعب باللين والقوة لمشيئة الامبريالزم وشركاته .
ان العـراق يشكل انتاجه الزراعـي المتغلب ليس القطر الرأسمالي لكنه في نفس الوقت قطر ينتج البضاعـة للسوق العالميـة المحكوم سياسيـا واقتصاديـا من قبل الامبريالزم العالمي وشركائـه ، يضاف الى هذه التناقضات الناجمـة عن الحالـة الدولية وعن النضال الطبقي المحلي .
فالعراق مستقـل بالنسبـة الى بعض اقسام الطبقتين ، طبقـة الاقطاع وطبقـة الرأسماليين والتجار وبالنسبة الى محترفي التوظيف من الوزراء وكبار الموظفين الذين اوشكوا ان يندمجوا في هاتين الطبقتين وبالنسبة الى القشرة الفوقانية من المرتبات والطبقات الاخرى . اما لمجموع الشعب الذي يتمثل بصغار المنتجين من الفلاحين والحرفيين وغيرهم ، وبالعمال والموظفين الصغار فهو ليس غير مستقل فحسب بل مبتلى باستثمار مركب ، اجنبي ووطني ، وبعبوديات جميع المجتمعات الطبقية التي عانتهاوتعانيها البشرية . فلا عجب ان رأينا الشعب العراقي بصـورة عامة ، والبروليتاريا العراقية ، ساخطا ناقما وثائرا (وان كانت ثوريته لاتزال شبـه فطرية لابتعاده عن التنظيم والنظرية الثورية) ، ولا عجب ان رأينا الامبريالزم ومعه المنتفعون من الوضع (وحتى الطبقات والفئـات الثوريـة بحكم نضالهـا الوطني ، والرجعيـة بحكم تفكيرها وبحكم مصالحها الطبقية) يرهبون ثورة الشعب وسخطـه ويحسبون له الحساب ، ولا عجب ان رأيناهم يحاولون مساعدة الانتهازيين في حركة العمال على ركوب صهوة جواد البروليتاريا لأخذ العنـان بأيديهـم وتحويـل رأس الجواد أو ايقافه عن الجري ، او على الاقل الحد من سرعة جريه .
ولاعجب ان رأينا الانتهازية تظهر داخل حزب البروليتاريا بشكل انحرافات يمينية او يسارية ، كلما تطورت الحركة وفي كل خطوة جديدة يخطوها الحزب الشيوعي في نضاله ، وردا على واجبات جديدة يرسمها للحركة . فالانحرافات التي ظهرت داخل حزبنا كانت نتيجة التصادم الطبقي بين الطبقة البروليتارية العراقية ومستغليها ، وكذلك نتيجة تصادم القوى الوطنية والامبريالزم .
وقد صدق رياض عندما قال بأن ((مؤتمره)) جـاء دليلا على وعـي الطبقـة البروليتارية العراقية ، اذ لولا وعي الطبقة البروليتارية العراقية ، ولولا حركتها الفتية المتنامية لما أضطرت الانتهازيـة الىعقد ذلك الاجتماع لتشطر به الحزب الشيوعي بغية ضرب حركة العمال ، الا ان سهمهم طاش ، ورجع كيدهـم الى نحرهم.
ومما ساعد على بروز الانحرافات داخل حزبنا بشكل خطر ، حداثة عهد البروليتارية العراقية اذ ان معظم عمالنا العراقيين جاؤوا حديثا من طبقة الفلاحين والحرفيين ولا يزالون بتفكيرهم اقرب الى البرجوازية الصغيرة من البروليتاريا ، يضاف الى ذلك قلة اختبارهم بأساليب الانتهازية ، وقلة الكادر الحزبي المتقن للنظرية الثورية وتطبيقها ، يضاف الى ذلك انعدام الاحزاب العلنية (الديمقراطية) والنقابات في القطر ، مما دفع كثيرا من العناصر غير البروليتارية من اعداء الاستعمار واعداء الوضع بصورة عامة ، والموظفين والطلاب غير المسموح لهم بالاشتغال بالسياسة وطلاب التزعم والمراكز وعشاق حب الظهور وأقسام العمال الذن لايهمهم سوى تحسين احوالهم المعاشية ، أقول مما دفع جميع هؤلاء الى التهافت على الحزب الشيوعي للعمل فيه . فلو كانت في القطر احزاب ديمقراطية ونقابات لوجد هؤلاء ضالتهم فيها ، ولتمكن الحزب في الوقت نفسه من تجنيد الطليعة على اساس اختبار نضالهم وميولهم في تلك المؤسسات .
ولقد سلكت الانتهازية طرقـا ملتويـة في نشاطها لاخفاء حقيقة كونها انحرافا عن الخطة اللينينية الثورية ، لاخفاء كونها ميلا (لا مؤمرات افراد) غريبا عن الشيوعية . كان الانتهازيـون يصرخون بملء افواههم بان سياسة الحزب وخططـه كانت صحيحة ، لكنهم عمليا كانوا يعاكسون سياستـه ويعرقلون خططه واستمروا على ادعائهم هذا وعلى سلوكهم المعاكس حتى نشروا بيانهم بتعطيل جريدتهم ((الشرارة الجديدة)) وكذلك أدعى وسلك الانتهازيون الذين لم يدخلوا الحزب ابدا ومعهم المطرودون من الحزب ، عملوا كل شئ ، لاظهار حركاتهم بكونهاحركات فرديـة ، بين اشخاص عملوا على تحطيم الضبط الحزبي ليتهموا القيادة بالضعف ، وفي نفس الوقت يصرخون متشكين (من دكتاتورية القيادة ، اي دكتاتورية السكرتير) كانـوا يخربون ويلقون تبعة التخريب على ((ضعف القيادة)) كانوا ينقسمون الى كتل داخل الحزب يمسك بعضها بطرف واحد من الحبل ويمسك الاخر بالطرف الثاني محاولين اثارة الشغب والفوضى داخل الحزب ، وكانوا يثيرون حروبا (مصطنعة احيانا) فيما بينهم ليحولوها الى حرب ضد القيادة وكانوا يعرقلون اجراءات القيادة ضد الخونة والمنحرفين ويحمونهم ليرجعوا بعد بضعة اسابيع فيتهموا القيادة بتحملها تبعة امثال هؤلاء الخونـة داخـل الحزب ، كانوا يحاولـون اغراق الحزب بالعناصـر غير البروليتارية وغير المرغوب فيها وفي الوقت نفسه يهملـون تنظيم العمال وتثقيفهم ويحدون من نشاطهم ويحاولون كسر أضراباتهم ، وكانوا يفسرون الجبهـة الوطنية الموحدة بادخال ، كل من لايريد الفاشستية ، داخل الحزب ووضع منظمات الحزب والشيوعيين تحت نفوذ الاصنام ، وقد كانوا بالفعل يتجسسون ويقومون بدعاية واسعة داخل الحزب لاشخاص في الخارج يدعون التقدم في افكارهـم . وبالاخيـرفانهـم ماركسيون لينينيون متمسكون باللينينيـة الثوريـة وسياسـة الحزب وخططه لكنهم لايتفقون مع سلوك سكرتير الحزب ودكتاتوريتـه لذلك خلقوا لهم ضبطا كتليا خاصا بهم ، وعملوا على نشر دعاية واسعة بين من تلمشوا فيه ضعفا من الاعضاء بغيـة السيطرة على الحركة ، وكلما انشق فصيـل منهم وجد لـه في سلـوك السكرتيـر الدكتاتوري حجة (بعد خروج الفصيل طبعا) وادعى زورا تقديم اقتراحات تنظيمية لم تجب وانه لايستطيع نفع الحركة داخل الحزب لان اللجنـة المركزية تؤيد السكرتير ولا تؤيده هو ، واذا افتضح احدهم او بعضهم وظهرت خيانتـه فذلك بالطبع ، في نظرهم ، سلوك شخصي خاص بهؤلاء الافراد لاعلاقة لهم به ، لانه ليس في الامر ميل انتهازي واتجاه غريب ، بل مجرد خيانـة افراد او اخطاء افراد (وسبحان من لايخطئ) وهل في العراق شيوعي معصوم من الخطأ وأخيرا من المسؤول ؟
فليس هناك ميل انحرافي خاص لتلقى عليه التبعية ، والافراد بشر مساكين لابد لهم من الخطأ اذن من المسؤول ؟ (حسب ادعائهم) لابد ان يكون ((ضعف القيادة)) او ((انشقاق الحركة)) . بهذا المنطق يحاولون اخفاء الانحراف كميل ويبررون خيانة زملائهم في الانتهازية ، ويلقون تبعتها على القيادة وهلم جرا ..
لقد عانت الانتهزية عندنا هزيمة وفضيحة تلو فضيحة وحاولت ستر هذه الهزائم والفضائح بالقاء تبعتها على عاتق غيرها ، ونجحت الى حد بعيد رغم هزائمهـا وفضائحها ورغم التفسخ الذي اصاب قادة الانتهازيـة ، من حجر فريق كبير من الرفاق الطيبين ومنعهـم من الرجوع الى الحزب ، ومن الوقوف في طريق سير الحركة الوطنية وحركة العمال ، وحجتها في ذلك شعارها القائل بتدهور الحركـة بسبب وجود ثلاث كتل (او اربع كتل) شيوعية ، وفي الوقت نفسه برهن الانتهازيون على انهم لايريدون وحدة ، ولا يريدون حزبا شيوعيـا ذا وحدة في الارادة والعمل والتنظيم ، وبمعنى اصح ، انهم يريدون تبرير موقفهم امام الرفاق الطيبين الذين قد تنطلي عليهم دعوتهم الكاذبة للوحدة- كما شرحناها في النشرة الداخلية التي وزعناها على الرفاق الحزبيين – لكيما يسهل عليهم القيام مرة اخرى بمناورة جديدة لضرب الحزب الشيوعي ضربة ((موحدة)) انهم يطبخـون الان الوحدة ، وحدة جميع الكتل الانتهازية ، وجميع الافراد الذين لفظتهم الشيوعيـة في اتحاد واحد بزعامة (انهم بالطبع كلهم زعماء) خائن جديد ترك صفوفنـا مؤخرا ، انهم يتفاوضون فيما بينهم الان من اجـل هذا الاتحـاد وعاملـون على لم الشعث في اتحـاد بين الافـراد والجماعات التي كره بعضهـا البعض ويحارب بعضها البعض وتتناقض مصلحـة بعضهـا مع مصلحـة البعض ، والحرب بينها مستمرة منذ ان دخلـوا في الحركة ولا يوحد فيما بينهم سوى انتهازيتهم وكرههم للحزب الشيوعي ، فالاتحاد اذن مفهوم غرضه ، وهم لايخفـون هذا الغرض ، انه اتحاد ضد الحزب الشيوعي العراقي –القاعدة- كاتحاد اب الذي جمع تروتسكي من جميع فصائل المنشفيك ضد البولشفيك .
انهم تركوا الان فكرة الحزب الشيوعي الموحد واستعاضوا عنها بنظرة الحزبين ، مدعين بان الحزبين ((شيوعيين)) خير من اربع فرق انتهازية في كتلة كبيرة تضم اليها الاعوان المبعثرين تقوم بهجوم موحد ضد الحزب الشيوعي –القاعدة-لتستقل- هي بالحركة وتسيرها وفق مشتهاها ، وبمعنى أصح وفق مشتهى أعداء الحركة .