تحية ثورية لكل رفيق...لكل تقدمي

ستنتصر الطبقة العاملة في صراعها حتما ضد البورجوازية

mercredi 29 septembre 2010

من رسالة ماركس الى زوجته

هذه مقتطفات من رسالة بعثها ماركس الى زوجته جيني التي كانت قد تركته مع بناتها الثلاث في زيارة لأهلها بالمانيا. وكان ماركس مع اسرته يعيش في انكلترا مهاجرا وفي ظروف قاسية وصعبة جدا. وقد احب ماركس زوجته جيني التي كانت خير عون له في نضاله وفي عمله العلمي.
يا حبيبة قلبي ها انذا اكتب اليك ثانية لانني وحيد ولانني يخجلني ان احاورك دائما في الخيال، دون ان تعرفي او تسمعي شيئا ما احاورك به، ولا تستطيعين الرد عليّ. انني اراك امامي، احملك فوق يدي واقبلك من الرأس حتى القدمين، وأركع امامك، واتنهد.. مدام انني احبك... انني في الحقيقة احبك اكثر من حب مغربي البندقية (يقصد عطيل)، الشخص الخبيث والفاسد يعتبر كل الصفات خبيثة وفاسدة، من من مشوهي سمعتي واعدائي ذوي لسان الثعابين قد اتهمني مرة باني مؤهل لان اؤدي دور العاشق الاول في مسرح من الدرجة الثانية؟ ولكن هذا هو الواقع، ولو كان عند الاوغاد ذرة من النكتة لرسموا "علاقات الانتاج والتبادل" في جانب، وفي الجانب الآخر رسموني وانا عند قدميك، وكتبوا في قصاصة: انظروا الى هذه الصورة، ثم الى الصورة الاخرى، غير انهم اوغاد اغبياء، وسيظلون اغبياء ابد الآبدين. الفراق الاني جيد للتمييز بين الاشياء التي تتشابه اثناء الحضور، حتى الابراج تبدو قميئة على القرب، بينما الزهيد واليومي يأخذ بالتنامي لدى مراقبته عن كثب. وهكذا الامر مع العواطف. فالعواطف الكبيرة التي تأخذ عند قربها شكل عادات صغيرة تنمو وتأخذ حجمها الطبيعي ثانية بتأثير سحر الفراق، وهكذا هو حال حبي، يكفي ان تبتعدي فقط في المكان فأعلم ان الزمن قد خدمه مثلما تخدم الشمس والمطر النبات، أي للنمو. ان حبي اليك يبدو، حالما تبعدين، على حقيقته، عملاقا تركزت فيه كل طاقات فكري، وكل خواص قلبي، واني لاحس ثانية بانني رجل، لانني احس بالعواطف الكبيرة. ستبتسمين يا قلبي الحلو، وتتساءلين من اين لي فجأة كل هذه الفصاحة؟ ولكني لو استطعت ان اضم قلبك الناصع الحلو الى قلبي لصمت وما تفوهت بكلمة، ولما كنت لا استطيع ان اقبلك... وجب عليّ الكلام. في الواقع يوجد عدد كبير من بنات الهوى في الدنيا والبعض منهن جميلات، ولكن اين ألقى وجها حيث كل قسمة، وكل طية فيه تبعث في احلى واروع ذكريات حياتي؟ حتى اوجاعي التي لاحد لها وخسارتي التي لا تعوض اقرأها في محياك الحلو وأبعد الالم عني بالقبل، عندما اقبل وجهك الحلو. وداعا يا قلبي ألف قبلة لك وللاطفال
كارل ماركس 21 حزيران 1856

samedi 25 septembre 2010

حزب شيوعي لا أشتراكية ديمقراطية- فهد


حزب شيوعي ..
لا اشتراكية ديمقراطية
الى الأخ مقدام
تحية رفاقية حارة
أرجو أن تكونوا مرتاحي البا ل وأنتم في غربتكم واريد أن أعتذر لكم عن تأخير جوابي هذا لكم بسبب الظروف التي نحن فيها . اما طلبكم الأنتماء الى حزبكم فهو قيد الدرس واطمئنوا بأن حزبكم يتشرف بضم المناضلين الى صفوفه وسوف نعلمكم بالنتيجة النهائية عند انتهاء مدة الترشيح وقد اتصلنا بأحد رفاقنا الذين قضوا معكم زمنا في المكان الذي انتم فيه فذكركم بالطيب ، لذلك أرجوكم ان تتصرفوا كما لو كنتم حزبيا وسأطلب من رفاقنا القريبين في هذا البلد ، ان يمدوكم بالجريدة والأدبيات التي تحتاجونها وان يساعدوكم فيما تحتاجون اليه .
( 1 )
اسئلتكم تتطلب شرحا طويلا لا استطيع الاجابة عليها في هذا الظرف الا بايجاز والحق يقال ان مثل هذه المواضيع لايمكن فهمها واتقانها الا بدراسة ما كتبه ماركس-انجلز-لينين-ستالين-ومن تتبع حركة الطبقة العاملة في ادوارها الثلاثة المتمثلةمرحلتها الأولى بالأممية الأولى عندما كانت الحركة تمثل دور تعريف القضية ونشرها بين عمال مختلف الأقطار المتقدمة وتميزها عن الأشتراكيات الطوباوية وعن الفوضوية ، ووضع الأسس للنظرية الخاصة بالطبقة العاملة ، وايجاد منظمات خاصة بها – اي منظمات للعمال مستقلة عن منظمات البرجوازية الحرة – وكانت مرحلتها الثانية المتمثلة في الأممية الثانية تمثل دور حركة الطبقة العاملة السلمي الذي هو ايضا دور تطور الطبقة الرأسمالية السلمي ، وكان على الحركة في تلك الفترة ان توجد وتنشر الأدبيات ، وتستفيد من الامكانيات العلنية لتقوية الحركة وبصورة خاصة الاستفادة من الامكانيات البرلمانية لارغام الحكومات البرجوازية على سن القوانين وشمول الانتخابات للعمال كوسيلة لتقوية الحركة الاشتراكية ونموها . اما المرحلة الثالثة ، المتمثلة في الاممية الثالثة (( الاممية الشيوعية )) فانها تمثل دور هجوم الطبقة العاملة على قلعة الرأسمالية واخذ السلطة بيدها ، اذ ان الرأسمالية دخلت مرحلتها الاخيرة ، مرحلة الرأسمالية الاحتكارية ، عصر الامبريالزم والثورة البروليتارية . لذلك وجب على الطبقة البروليتارية ان تشهر سلاحها جديدا ، وان توجد لها تنظيما جديدا كفوءا للقيام بتنفيذ خططها الجديدة ، ان توجد لها – وانهم موجودون – احلافا وانصارا في الطبقات الكادحة في الشرق والغرب وبين شعوب المستعمرات عموما وعلينا بالاضافة الى ما ذكرت – تفهم الظروف المختلفة والمحيطة بنا والاستفادة من تاريخ حركتنا وتفهم مستقبلها .
( 2 )
هل هناك قاعدة ثابتة في التنظيم ؟
سؤالكم الرابع : (( هل هناك قاعدة ثابتة في قضايا التنظيم يركن اليها مهما كانت الظروف ام ان كل قضية تحل بما يقتضي لها .. ؟ ))
يقول ستالين – (( ان الدكتاتورية البروليتارية هي الشئ الاساسي في اللينينية)) واللينينية هي تطبيق الماركسية في عهد الامبريالزم بايجاد نظرية الثورة البروليتارية وخططها وانها (( جوهر محتويات الثورة البروليتارية )) اما قضايا اللينينية الاخرى كدور الحزب – التنظيم – ومسألة الفلاحين والمسألة الوطنية وغيرها ، فهي تؤلف المسائل الرئيسية في فكرة الدكتاتورية البروليتارية ومشتقة عنها ، فالتنظيم اذن هو من اسس القضية وليس بجوهرها وهو ضرورة تاريخية لكل مرحلة تاريخية من مراحل حركتنا للوصول الى الهدف النهائي ، فباستطاعتنا ان نقول ان التنظيم (( الحزب )) غاية ووسيلة ، كقولنا ان الحركة حقيقة مطلقة طالما توجد مادة. نقول ان التنظيم غاية كما نقول ان القطن بضاعة بالنسبة للزارع . لكن اصحاب المغازل يعتبرونه من المواد الخام فيشترونه ليحولوه الى بضاعة ، اي الى غزل وهذا الاخير هو مادة خام بالنسبة الى الحائك الذي يشتريه كذلك ليحوله الى بضاعة الى قماش وهلم جرا .
كانت للينين غاية فسافر من اجلها الى خارج روسيا وكانت تلك الغاية اصدار جريدة وكانت للينين غاية وهي خلق حزب من نوع جديد حزب بروليتاري خال من الانتهازية ومن نفوذ الطبقات الغريبة فاصدر جريدته (( ايسكرا )) لتضع الاسس لذلك الحزب وتهيئ له ، وكانت للينين غاية وهي اسقاط الاوتوقراطية والبرجوازية وتحويل السلطة الى ايدي البروليتاريا ، فخلق الحزب ذا النظام الحديدي المسلح بالنظرية الثورية والخطط الحكيمة ، وعندما دقت ساعة الخلاص من الملاكين والرأسماليين برهن هذا الحزب على جدارته في قيادة الطبقة العاملة بأسرها وفي قيادة حلفاء هذه الطبقة واعني الفلاحين وشعوب مستعمرات القيصرية ، وتوجيه هذه القوى المجتمعة لدك صرح حكم الملاكين والرأسماليين واقامة دكتاتورية الطبقة العاملة .
ترون مما تقدم ان التنظيم (( الحزب )) كان غاية للوصول الى غاية اكبر اي انه كان غاية ووسيلة ، فبدون حزب كالحزب البولشفي وبدون قادة كلينين وستالين وكيروف ومولوتوف ودزرجينسكي وفرونزا وفوروشيلوف وغيرهم ، اجل بدون هذا الحزب وهؤلاء القادة ما استطاعت البروليتاريا الروسية بلوغ هدفها – اقامة الدكتاتوريـة البروليتاريـة وبناء الاشتراكية – ولما استطاعت ان تقف اليوم هذا الموقف الجبـار وتحكم على جيوش الفاشستية بالاندحار والفناء.
قلنا ان الهدف النهائي للحزب البولشفي كما سجلته مناهجهم كان اسقاط البرجوازية واقامة الدكتاتورية البروليتارية . ولم يقف حزب شيوعي في العالم الا على هذا الاساس ، كما ان ذلك شرط من شروط الاممية الشيوعية . ( ان الاحزاب الانتهازيـة ومنها حزب رياض تنكر الدكتاتورية البروليتارية وتتجنب ذكرها في مناهجها كما
يتجنب اللص ارتياد المكان الذي سطا عليه ) وبالرغم من ذلك فقد بين لنا ماركس وانجلز ولينين ان عهد الدكتاتورية البروليتارية ليس سوى فترة انتقال من ادوار عاشت فيها البشرية عيشة لا انسانية ، عيشة بربرية شبه وحشية الى مجتمع انساني حقيقي ، مجتمع يعمل الانسان فيه بمحض ارادته وفيه يبتدئ تاريخ الانسان .
ان التنظيم يتطور وينمو ويتكامل وفق سنة الديالكتيك ، كلما تطورت الحركة وتكاملت وهو ككل شئ في الكون وفي المجتمع متحرك وغير منفصل عن الظروف المحيطة به .
لذلك (( لايمكن ان تكون له قاعدة ثابتة يركن لها مهما كانت الظروف )) اي انه ليس بحقيقة مطلقة لكنه في الوقت نفسه له قواعد ثابتة بالنسبة الى مرحلة الحركة والظروف الملابسة ، وبالنسبة لاختبارات الطبقة في الاقطار الاخرى ، على ان لاتكون هذه الاختبارات وصفة جاهزة تعطى لكل حالة من الحالات .
ولكن تستطيع الاحزاب الشيوعية في العالم القيام بتأدية واجباتها في هذه المرحلة – مرحلة الامبريالزم – تحتم عليها ان تكون احزابا مجاهدة ، احزابا جماهيرية ، لها قواعد عامة ثابتة ( بالنسبة للدور الذي هي فيه من ادوار نضال الطبقة العاملة ) كأن يكون الحزب مركزيا – غير مفكك – لكي يستطيع مقارعة العدو الموحد ، الرأسمالية الاحتكارية ( التي تتمثل اليوم بالفاشستية ) وان يكون حرا من تأثيرات الاجنبي ، نفوذ الطبقات المعادية ، التي تستخدم الانتهازيين مطايـا لها داخل الحزب . وهكذا يحافظ الحزب على وحدته ، اذ يطهر الحزب نفسه لا من العناصر الخائنة فقط بل ومن العناصر الثرثارة والخاملة والمخالفة لمبادئه وتعاليمه ايضا ، يقول لينين (( عندما تكون البروليتاريا في معارك فاصلة مع البرجوازية من اجل السلطة فمن الضروري ليس اقصاء المنشفيك والاصلاحيين والتورانيين ((منشفيك ايطاليا )) فحسب بل قد يكون من المفيد ايضا اقصاء شيوعيين طيبين قد يتذبذبون او يكشفون عن ميل التذبذب نحو الوحدة مع الاصلاحيين . يجب اقصاء هؤلاء عن جميع المراكز ذات المسؤولية في الحزب )) ، ان يتبع اشكال التنظيم التي تمكنه من استغلال جميع الامكانيات في العمل ، ان يدرب قادته وكادره تدريبا يجعلهم اهلا لقيادة حزب مفروض عليه ان يقوم بدور الطليعة ، ان يسير على قاعدة المركزية الديمقراطية ، ان يأخذ بقدر المستطاع
( عندما يكون في حالة سرية او في ظروف خاصة ) بمبدأ المركزية الديمقراطية ، وان يتقيد بقواعد عمومية تقررها الاممية الشيوعية وان لايبني تنظيمه للحاضر فقط دون الاحتياطات للطوارئ . قلنا ان الاحزاب السيوعية احزاب مركزية تبنى تنظيماتها على سلسلة من المنظمات ( اللجان ) تختلف بشكلها احيانا في الاحزاب العلنية . لكنها لاتختلف بجوهرها . وسبب هذا الاختلاف هو عدم تكافؤ الاحزاب الشيوعية من حيث العدد والاختبارات الذاتية ، مبلغ تطور كل قطر ، التنظيمات الادارية او القوانين في كل قطر ، الواجبات الخاصة في كل قطر .. الخ
فتنظيمات الحزب الشيوعي لجميع الاتحاد السوفييتي ( البولشفي ) قد بلغت درجة عالية من التكامل والدقة وكذلك المنظمات التابعة – كمنظمات الشبيبة الشيوعية والنقابات وغيرها . انه في الحقيقة ستة عشر حزبا في حزب جامع يمثل طليعة الشعوب المتاخية . واشكال هذه التنظيمات لايمكن ان تنسخ نسخا من قبل الاحزاب العلنية الاخرى في انكلترا وامريكا . دع عنك الاحزاب الصغيرة للاسباب التالية :-
ان الحزب البولشفي حزب في الحكم ولديه جميع الامكانيات السياسية والاقتصادية والثقافية ، انه استطاع ان ينظف صفوفه وبلاده من التيارات الانتهازية واظهر اصحابها فيما بعد كخونة مخربين ، انه خاض معامع ومعارك طبقية وحروبا اهلية وتحررية صلبت عود رجاله وقادته وحنكتهم وجعلتهم محترمين محبوبين ومطاعين ، واصبح مايقوله قائدهم الاكبر ستالين . وما يأمر به ، واجبا مقدسا وأمرا مطاعا ليس فقط من قبل اعضاء الحزب والطبقة البروليتارية السوفياتية والشعوب السوفياتية بل من البروليتاريا العالمية والشعوب . ان هذه الميزات للحزب البولشفي مكنته من الوصول الى اعلى مرتبة في التنظيم ومكنته من تنظيم دولة العمال والفلاحين والشباب والشعب كافة . وهذه الحقيقة تفسر لنا سرعة تنفيذ المقررات الحزبية وقيام الحزب البولشفي ومن ورائه الدولة والشعب بأعمال تشبه الاعجوبات بالنسبة للمجتمعات البرجوازية .
ان الاحزاب العمالية تدرس تنظيم الحزب البولشفي وتعتبره ( العلنية منها ) اعلى اشكال التنظيم وتقتدي به لكنها لاتقلده تقليدا اعمى لايتفق وظروفها الخاصة الذاتية منها والموضوعية ، كما ان وجود الاحزاب الشيوعية في اممية واحدة كان يسهل عليها دراسة تنظيمات بعضها البعض والاستفادة من تلك الدراسة عمليا .
والخلاصة فالتنظيم من اسس الحركة وليس لبابها فهو لذلك تابع لها مرتبط بنظريتها الثورية يتكيف وفق خططها وهو ككل علم يدرس ولا يصبح اي جزء من حقيقة الا لدى اختباره في بودقة التطبيق .
(لزيادة الايضاح عن ماهية الحزب اقرأ (( اسس اللينينية )) ، الموضوع الثامن ، الحزب ، مترجم الى اللغة العربية من قبل حزبنا . واقرأ دور الحزب والطبقة العاملة في نظام الدكتاتورية البروليتارية – قضايا اللينينية ، الموضوع الخامس ، الطبعة الانكليزية الحادية عشرة ص 13-152) .
( 3 )
ما هو واجب الاقلية الصحيحة تـجـــاه الأكـثـرية الخـاطـئـة ؟
كان لينين شديد الحرص على الضبط الحزبي – التقيد بالمبدأ والنظام وتنفيذ مقررات الأكثرية والهيئات العليا الممثلة للأكثرية – باعتباره من مستلزمات الحزب الذي كان يريده كاداة للطبقة البروليتارية من اجل الثورة البروليتارية ، من اجل قضية الاشتراكية ، اما حرصه على القضية الاساسية قضية الاشتراكية ، فكان بالطبع اشد ، لذلك لم يعتبر مسألة الاكثرية والاقلية من وجهتها الحسابية – العددية بل ((من وجهة تعبيرها عن افكار وسياسة البروليتاريا حقا . ))
ولنأخذ مثلا موقف البلاشفة – لينين – والعناصرالثورية في الاحزاب الاشتراكية الاوروبية التي كانت تعرف بالماركسيين اليساريين ، وقد كان هؤلاء يؤلفون اقلية ضئيلة في مؤتمرات الاممية الثانية بالنسبة الى الانتهازيين اليمينيين وبالنسبة الى متذبذبي الوسط ، وبالرغم من اقليتهم وعدم نجاحهم في دفع المؤتمرين لاتخاذ وجهات نظرهم في اهم الامور التي تتعلق بحركة العمال ، كالقضية القومية وقضية المستعمرات وقضية الحرب ، فانهم لم ينفصلوا عن الاممية الثانية ولم ينقطعوا عن حضور مؤتمراتها – لم يكن الحزب البولشفي معترفا به من قبل الاممية الثانية الا ان لينين كان يحضر مؤتمراتهم بصورة من الصور – ولم يكن في ذهابهم الى تلك المؤتمرات وهم اقلية مصيبة ، ضرر على القضية الاشتراكية بل بالعكس استطاعوا ان يجبروا تلك المؤتمرات على بحث الكثير من القضايا المهمة واستطاعوا اخيرا دفع مؤتمر بازل (1912 ) لاخذ قرار ضد الحرب الامبريالستية التي كانوا يتوقعــون اثارتها ، وقد اثيرت بالفعل عام ( 1914 ) حرب امبريالستية للسلب والنهب من قبل كلتا المجموعتين المتحاربتين ، فماذا كان موقف الاقلية الضئيلة المصيبة من قرار مؤتمر بازل ، اي من قضية الاشتراكية قضية الاممية (تآخي الطبقة العاملة العالمية ) ومن موقف احزابهم ؟ لقد ايدها اليمينيون باعتبارها حرب (( دفاع )) اي انهم جوزوا للعامل الالماني ذبح العامل الفرنسي والانكليزي والعكس بالعكس ، وايدها الوسطيون تأييدا غير مباشر بادعائهم ان منظماتهم اداة سلمية ولا شأن لها بالحرب لذلك فهم يعتزلون العمل ( اي يتركون الحرب وشأنها والعمال ينحر بعضهم بعضا ) وسيرجعون لخدمة الطبقة العاملة بعد الحرب .
لكن الاقلية تمسكت بمؤتمر بازل ووقفت الى جانب القضية الاشتراكية ضد الاكثرية الساحقة في احزابها ، فبرهنت على انها اممية بالفعل لا بالقرارات والالفاظ الجوفاء . فنادى ( مكلين ) في انكلترا ضد الحرب واستيق الى السجن وخطب ( كارل ليبنخت ) في المانيا في الرايخ وقاد مظاهرة خارج المجلس ضد الحرب وسيق الى السجن كذلك . وعارضها ( جان جوريس – مؤسس الأومانتيه ) في فرنسا فأغـتـيـل في يوم اعلانها ( 11 أغسطس 1914 ) وعارضتها كتلة البلاشفة في الدوما فارسل اعضاؤها جميعا الى سيبيريا .
وهذه بعض مقتطفات ما كتبه لينين عن كارل ليبنخت (( لقد نادى كارل ليبنخت عمال المانيا وجنودها لتحويل بنادقهم ضد حكومتهم انه فعل هذا علنا في منبر البرلمان ثم قاد مظاهرة في ميدان ( ... ) ووزع نشرات طبعت سرا حاملة شعار ( تسقط الحكومة ) وقد القي القبض عليه وحكم عليه بالاشغال الشاقة .. (( لم يكتف كارل ليبنخت بأن هاجم بدون رحمة في خطبه ورسائله بليخانونيي بلاده وبتروسوفييها ( شيدمان ليجن ) فحسب لكنه هاجم جماعة الوسط ( كاوتسكي ) أيضا .
ترون ان الاكثرية اصبحت أكثرية عددية لاتمثل مصالح جماهير البروليتاريا بل مثلتها الاقلية و لم يبق هنا قيمة للضبط و التقيد به اذ اصبح في غير مصلحة البروليتارية.
لقد خالف كارل ليبنخت وصديقه ( وتوريل )وهما اثنان من بين ( 110 ) نواب الضبط الحزبي وحطما (( الوحدة )) مع الوسط والشوفينيين ووقفا ضدهم جميعا ان ليبنخت وحده يمثل الاشتراكية ، يمثل قضية البروليتاريا اما بقية الاشتراكيين الديمقراطيين الالمان جميعا فانهم على حد تعبير روزا لوكسمبورغ ( احد مؤسسي الحزب الشيوعي الالماني ) جثة نتنة فطيسة .
ان خيانة قيادة الاممية الثانية وانهزامهم بشكل مفضوح الى جانب حكوماتهم البرجوازية ، ووقوف متذبذبي الوسط موقف العاجز والمساعد للاولين ، كل ذلك حتم على (( الاقلية الضئيلة )) الامميين بالعمل – الذين عرفـوا فيمــا بـعـد بيساريي (( زمروالد )) – الانفصال عن الشوفينيين الخونة واعلان افلاس الاممية الثانية ، فدعا لينين الى عقد مؤتمر اممي في ( زمروالد ) ثم في ( كينتال ) وثالث لم يحضره اليساريون وعرفت هذه المؤتمرات بأممية زمروالد وبحركة زمروالد وكانت اهداف يساريي زمروالد ، وعلى رأسهم لينين والحزب البولشفي ، ايقاف الحرب الامبريالستية باثارة حرب اهلية وباعلان أفلاس الاممية الثانية وتأليف اممية ثالثة .
لم تشترك في حركة زمروالد من الاحزاب الكبيرة سوى الحزب البولشفي والوسطيين الالمان ، ومع ذلك لم يؤلف يساريو زمروالد سوى الاقلية اذ أن الاكثرية الساحقة كانت للوسطيين . وقد اتصفت الحركة بهم لذلك انفصل عنها اليساريون منذ مؤتمرها الثاني ( كينتال ) ونشروا بيانا مستقلا ، وهذا ما قاله لينين في هذا الصدد : (( اننا لا يمكننا الاستمرار على البقاء في مستنقع زمروالد ، ولايجب ان نبقى في حلف مع اممية بليخانوف وشيدمان الشوفينية لاجل ( كاوتسكي ) ... علينا ان ننفصل حالا عن هذه الاممية علينا ان نبقى في زمروالد لاجل الاستخبارات فقط .. علينا ان نؤسس حالا وبدون تأخير اممية بروليتارية ثورية جديدة ، او بالاحرى ، علينا ان نعلن بصراحة وبدون خوف ان هذه هي الآن قائمة وتعمل .. انها اممية أولئك ( الاممين عمليا ) .. ( يساريي زمروالد ) .. انهم وحدهم ممثلو الجماهير الاممية الثورية ، وليسوا مفسخي الجماهير .. ومن الحق ان يقال ان أمثال هؤلاء الاشتراكيين قليلون ، لكن ليسال كل عامل روسي نفسه كم كان في روسيا من الثوريين الواعين حقيقة قبل ثورة شباط – آذار 1917 .. (( فليست المسألة ( أذن ) مسالة اعداد بل هي التعبير عن فكر وسياسة البروليتاريا الثورية الصادقة ))
ولنأخذ بعض الامثلة عن سلوك لينين والحزب البولشفي في هذا الخصوص وموقف لينين من (( ايسكرا )) بعد سيطرة الانتهازية على تحريرها . كان قد وضع اقتراحين في المؤتمر الثاني لقئمة محرري جريدة الحزب أيسكرا احدهما يحتوي على ستة اشخاص ( لمارتوف ) والآخر ثلاثة اشخاص ( للينين ) فقرر المؤتمر ان تؤلف هيئة تحرير الجريدة من ثلاثة اشخاص وقد تم بالفعل انتخاب الاشخاص الذين رشحهم لينين ( لينين ، بليخانوف ، مارتوف ) ومعنى هذا ان الاشخاص الذين رشحهم مارتوف لم يقبلهم المؤتمر لكن موقف المنشفيك بعد المؤتمر كان موقف المقاطع تجاه الجريدة وتجاه اللجنة المركزية ( التي كانت اكثريتها من البولشفيك ) ولم يكتفوا بالمقاطعة بل اخذوا ينشرون الكراريس والاقاويل والتلفيقات ضد المؤتمر وضد البولشفيك وضد دكتاتورية لينين ( تصوروا اتهام لينين بالدكتاتورية في حين ان الانتخابات للجنة المركزية وهيئة تحرير الجريدة جرت من قبل اكثرية الموجودين اثناء الانتخابات ) بغية ارغام الاكثرية ( البولشفيك ) على التنازل لهم عما يريدون ، فوجدوا في بليخانوف ضعفا استغلوه للأستيلاء هيئة تحرير الجريدة ، ووافق كذلك لينين على ادخال ثلاثة اشخاص اخرين ( أولئك الذين رفضهم المؤتمر ) على هيئة التحرير . قلت وافق على ادخالهم بغية تثبيت السلام داخل الحزب ، ولكنه في الوقت نفسه قدم استقالته من هيئة التحرير وخيرهم في نشرها او عدمه حسبما يتطلبه السلام داخل الحزب
انه بالطبع لم يستطع البقاء في تلك الاكثرية لما في بقائه من مسؤوليات ادبية ولكنه رضى (( مؤقتا )) بما حصل معتقدا ان ذلك في مصلحة سيادة السلام داخل الحزب ولكن الامر جاء على عكس ما ادعاه الانتهازيون ، اذ انهم استولوا على لسان حال الحزب ليشنوا حربا على قرارات المؤتمر ويشوهوا الحقائق ولكي يحاربوا اللجنة المركزية التي اصبحت عزلاء بعد فقدان البولشفيك الجريدة ، وهكذا ساءت الامور حتى اضطر البولشفيك الى عقد المؤتمر (( كونكـرس )) وعقد المنشفيك مؤتمرا ( كونفرانس ) خاصا بهم اذ انهم رفـضوا حضور المؤتمر وكانـوا بالفعل يقاطعـون كل شئ لا يتأكدون من الفوز به .
وفي عام ( 1906 ) اضطر لينين والبولشفيك بسبب الحالة الناشئة عن ثورة 1905 -1906 وبسبب عدم وضوح انتهازية المنشفيك ، لدى جماهير العمال الحزبيين والاعتياديين ، الى التوحد ثانية مع المنشفيك ، وحصل هذا التوحـد في استوكهولم ( 1906 ) المعروف بمؤتمر الوحدة . لقد كان هذا المؤتمر يضم أكثرية منشفية (62 ضد 46 بولشفيك ) وهكذا جاءت جميع انتخاباته في صالح الاكثرية المنشفية المسيطرة كما ان اهم قرارات المؤتمر كانت خاطئة لذلك لم يتقيد لينين بها . واكثر من هذا فانه فرض كواجب على الاشتراكيين الديمقراطيين النضال الايديولوجي ضمن الحركة وكشف اخطاء تلك المقررات على ان لايضر ذلك بوحدة النشاط الثوري ، وها اني انقل لكم فقرات من نداء وجهه مندوبو البولشفيك في مؤتمر الوحدة الى الحزب .
( في عصر ثوري كعصرنا الحاضر ، ان جميع الاخطاء النظرية والانحرافات الخططية للحزب تنتقدها الحياة ذاتها انتقدا قاسيا . وهذا ينور ويثقف الطبقة العاملة بسرعة لم يسبق لها مثيل . وفي هذا الوقت ، فان من واجب كل اشتراكي ديمقراطي ان يعمل لخلق الظروف لاثارة النضال الفكري داخل الحزب في القضايا النظرية والخططية نضالا مكشوفا وبأوسع ما يمكن من الحرية ، ولكن يجب ان لا يكون ذلك في اي حال من الاحوال معكرا ومؤخرا لوحدة النشاط الثوري للبروليتاريا الاشتراكية الديمقراطية – لينين . المنتخبات ، المجلد 3 ، ص 467 - .
(( اننا لا نستطيع ، ويجب ، ان لا نتجاهل حقيقة كوننا واثقين تماما من ان مؤتمر الوحدة لم يقرر تماما هذه الواجبات اذ ان المقررات الثلاثة التي هي اهم المقررات للمؤتمر تكشف بجلاء عن الآراء الخاطئة لكتلة (( المنشفيك )) السابقة التي كانت لها السيطرة عدديا في المؤتمر )) ( المصدر ذاته – صحيفة 469 ) .
(( علينا ان نحارب وسوف نحارب فكريا ضد مقررات المؤتمر تلك التي نعتبرها خاطئة ، لكننا في الوقت ذاته نعلن للحزب باسره بأننا ضد الانقسام مهما كان نوعه .. )) – المرجع ذاته صحيفة 471 - .
لقد جئتكم بحوادث عن الاكثرية والاقلية لا لغرض العمل بها بل كحوادث تاريخية قديمة لها صلة بحاضرنا ، حوادث تمت الى موقف الماركسيين الثوريين ( اليوم – الشيوعيين اللينينيين ) ونضالهم داخل الاممية الثانية ، تلك الاممية التي كان لها من الماركسية اسمها ، أما حقيقتها فقد كانت مسيرة من قبل الانتهازية .
كانت الاممية الثانية اممية عمال من حيث تركيبها ، لكنها كانت تؤلف تيارات غريبة عن قضية العمال ، وكانت تؤلف احزابا ونقابات وجماعات ذات ميول سياسية متباينة ليس بينها وحدة ولا تناسق في المبدأ والارادة والنشاط والتنظيم ، اما قياداتها الشكلية فقد كانت بأيدي الوسطيين الذين كان يلذ لهم ان يدعوا ﺒ(( الماركسيين الارثودوكس ) اما قياداتها الحقيقية فقد كانت بأيدي المنقحين الاصلاحيين الانتهازيين وفيما بعد خونة الطبقة البروليتارية المكشوفين . فلينين والبلاشفة او اليساريون المعروفون اليوم بالشيوعيين ، نشأوا وناضلوا في وسط تلك الاممية ولم ينفصلوا عنها انفصالهم النهائي داخل روسيا ايديولوجيا وتنظيميا الا عام 1912 ( في مؤتمر براغ ) وأعني أنفصال البلاشفة النهائي عن المنشفيك . وانفصالهم بمقياس عالمي كان عند وقوع الحرب الامبريالستية عام 1914 اي حين اعلان افلاس الاممية الثانية ، وتم هذا الانفصال تنظيميا وبشكل رسمي عام 1919 بتأسيس الاممية الشيوعية وانقسام احزاب العمال في جميع العالم الى ثورية وانتهازية ، واصبحت القضية حينذاك لا قضية وحدة أو قضية أكثرية وأقلية بل قضية فصل العناصر الثورية وتمييزها عن الانتهازية وتأليف العناصر البروليتارية الثورية في أحزاب شيوعية خالية من الانتهازية دون الالتفات الى الكمية ، وفيما يلي بعض شروط الاممية الشيوعية المفروضة على اقسامها (فروعها) في سبيل الانضمام :
(( الشرط الثاني )) : على كل منظمة تريد الانضمام الى الاممية الشيوعية ان تعمل بطريقة مرسومة وبلا انقطاع على تنحية الاصلاحيين واتباع (( الوسط )) من جميع المراكز ذات المسؤولية في حركة العمال ( في التنظيم الحزبي ، وفي هيئة التحرير ، النقابات ، الكتلة البرلمانية ، الجمعيات التعاونية ، البلديات .. الخ . وتستعيض عنهم بشيوعيين يعتمد عليهم ويجب ان لا يفوتهم ان في بعض الحالات يقتضي لهم في بادئ الامر ان يستعيضوا بعمال اعتياديين بدل(( قادة ذوي أختبار)).
(( الشرط السابع )) : على الحزب الذي يريد الانضمام الى الاممية الشيوعية ان يدرك ضرورة الانفصال المطلق التام عن الاصلاحية وعن سياسة الوسط وعليه ان يقوم بدعاية في سبيل هذا الانفصال ، فيما بين رفاق الحزب في اوسع نطاق وبدون ذلك لا يمكن اتباع سياسة شيوعية ثابتة.
تطلب الاممية الشيوعية بصورة أنذارية وحتمية ان يحدث هذا الانفصال في اقرب وقت اذ أن الاممية الشيوعية لا تستطيع ان تسمح للمعروفين باصلاحيتهم من امثال توراني ومودغلياني ( أشتراكيان أيطاليان ) واخرين بان يكون لهم حق ادعاء عضوية الاممية الثالثة اذ ان حالات كهذه تؤدي الى صيرورة الاممية الثالثة شبيهة الى حد بعيد بالاممية الثانية المتدهورة .
ان الاحزاب طليعة الطبقة البروليتارية الثورية الجديدة _ الاحزاب الشيوعية التي قذف بها رحم الاممية الثانية الى الوجود ، جاءت تمثل المرحلة الاخيرة والفاصلة من مراحل نضال الطبقة البروليتارية لذلك تميزت عن احزاب الاممية الثانية بميزات جديدة هي ، انها احزاب مجاهدة شبه عسكرية ، احزاب تجمع بين بعضها والبعض الاخر وبينها وبين افراد كل منها وحدة في الارادة وفي العمل والتنظيم ، احزاب اصبح في الامكان السير فيها وفق قاعدة خضوع الاقلية للاكثرية ، لكن هذه الاكثرية مقيدة بالخطة اللينينية الثورية ، فان خرجت عنها فلم تعد بالاكثرية الواجب الخضوع لها بل تصبح انحرافا لايتفق ومبادئ الاممية الشيوعية .
وانقل فيما يلي عن خطاب لينين في مؤتمر الاممية الشيوعية الثاني ( 23 تموز 1920 ) ردا على اقوال الرفاق البريطانيين من ان اكثرية الشيوعيين عندهم لا يوافقون على الانضمام الى حزب العمال .
(( يقول لنا الرفيقان تايز ورامزي ان اكثرية الشيوعيين البريطانيين لا يوافقون على الاتحاد ولكن ( عجبا ) هل علينا دائما ان نتفق مع الاكثرية لا ، ابدا ، فاذا كانت هذه الاكثرية لم تفهم بعد اي الخطط هي الصحيحة فلربما كان من الاحسن الانتظار ، كما ان من الاحسن وجود حزبين متوازيين لوقت ما من السكوت عن البت في اي الخطط هي الصائبة . فاستنادا الى اختبارات جميع اعضاء المؤتمر والى الحجج التي ابديت هنا ، فبعد هذا انكم بالطبع سوف لا تلحون علينا بطلب اصدار قرار بتأليف حزب شيوعي موحد في جميع الاقطار . ذلك غير ممكن لكننا بكل صراحة نستطيع ان نعبر عن ارائنا ونعطي تعاليمنا ، علينا ان ندرس القضية التي وضعها على بساط البحث المندوبون البريطانيون في هيئة خاصة ، وبعد ذلك نقول ان الخطط الصحيحة هي الانضمام ( الانضمام غير الاندماج ) الى حزب العمال واذا عارضت الاكثرية ذلك علينا اذن تنظيم الاقلية على حدة وفي هذا اهمية تثقيفية )) ( لينين – المنتخبات – المجلد الحادي عشر صحيفة 217 ) .
وقد حصلت حوادث عديدة من هذا القبيل في اكثر الاقطار عند اول تأليف الاحزاب الشيوعية وعندما كانت في دور تكوينها اذ طغى المرض (( اليساري )) الذي حمله الشيوعيون الجدد الذين لم يكونوا قد تعودوا على الخضوع للضبط الحزبي و على استغلال جميع الامكانيات في العمل العلني ، وعلى تحمل (( دكتاتورية الزعماء )) و (( دكتاتورية الحزب )) في حين كانوا يريدون هم – او بالاحرى يتصورون – دكتاتورية الجماهير لا دكتاتورية الحزب وزعمائه وقد قال لينين عنهم (( من الخير لهؤلاء اليساريين ان ينفصلوا ويؤلفوا حزبهم من ان يشوشوا على الحزب ويعيقوه عن القيام بأشغاله العمليـة والتثقيفيـة والسياسيـة وليجربـوا انفسهم ، هؤلاء الذين يريدون حزبا بدون ان يكون شديد المركزية وبدون ضبط حديدي ، كيف يستطيعون ان يهيئوا للدكتاتورية البروليتاريا ولتحقيقها ولابد ان الحياة – اي الواقع – سيعيد اليهم صوابهم ولا بأس من ان انقل لكم عن الرفيق ستالين حادث طغيان (( الانحراف اليميني والتوفيقية ))في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الالماني . يقول الرفيق ستالين : (( ان المرحلة الثانية من خلافاتنا مع ( بوخارين ) تتصل بما يعرف بحادثة (( وتروف )) و (( تيلمان )) كان وتروف سكرتيرا سابقا لمنظمة هامبرغ واتهم بأختلاس اموال الحزب وطرد من الحزب لهذا السبب ولما كان وتروف هذا قريبا الى تيلمان استغل (( الموفقون )) في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الالماني هذه الحادثة بالرغم من عدم وجود اي تدخل لتيلمان بجريمة وتروف وحولوا قضية وتروف الى قضية تيلمان وشرعوا باسقاط قيادة الحزب السيوعي الالماني الثورية . وانكم بدون شك قد عرفتم من الصحف ان (( الموفقين أورت و غيزهارت )) نجحوا لوقت ما في اكتساب اكثرية اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الالماني لجانبهم ضد الرفيق تيلمان ، وماذا اعقب ذلك ؟ انهم نحوا تيلمان من القيادة وبدأوا يتهمونه بالفساد ونشروا قرارا على هذا النحو بدون علم وموافقة الجنة التنفيذية للكومنترن . وهكذا فبدلا من تنفيذ تعاليم المؤتمر السادس للاممية الشيوعية بمحاربة الميل التوفيقي ، انهم بالفعل اخلوا بهذه التعليمات بشكل فظيع ، انهم حاربوا القيادة الثورية للحزب الشيوعي الالماني حاربوا الرفيق تيلمان ، في صفوف الشيوعيين الالمان ..)) ( ستالين – قضايا اللينينية اختلافاتنا مع بوخارين حول قضايا الكومنترن ، صحيفة 149 ، الطبعة الانكليزية 1940 ) .
ترون ايها الرفاق ان ما اوردناه من هذه الحوادث يعود الى زمن كانت فيه الاحزاب الشيوعية في دور التكوين ، عندما كان الانحرافيون اليمينيون واليساريون اقوياء في الحزب البلشفي وفي الكومنترن واقسامه وكانت الاممية حينذاك تتدخل وتحكم في مثل هذه القضايا ولكنني منذ اكثر من ( 12 ) سنة لم اسمع عن اختلاف اكثرية مخطئة واقلية مصيبة او اي حادث انقسام في الاحزاب الشيوعية الكبيرة . اذ ان عمر هذه الاحزاب واختباراتها وتطهير صفوفها من الانحرافات الغريبة ، كل ذلك مكنها من السير على قاعدة الديمقراطية المركزية ، قاعدة خضوع الاقلية للاكثرية . وان حدث واخطأت الاكثرية فهذا امر شاذ لا يتخذ كقاعدة ، وليس من المحتمل حدوثه في الاحزاب الراسخة واذا حدث فعلا فالاممية الشيوعية كانت السلطة التي لها الحق في الفصل .
ان خضوع الاقلية للاكثرية هي القاعدة الاساسية في الاحزاب الشيوعية وبدونها لايمكن ضبط حزبي ، وحزب مركزي موحد في الارادة والعمل والتنظيم ولذلك يلجأ بعض الادعياء غير الناضجين في الزعامة واعداء الحزب وغيرهم قبل كل شئ الى الطعن بالاكثرية التي لم تاخذ برايهم والتي لم تحلهم في المراكز اللائقة بهم الى ... فاول ما يحتجون به هو (( دكتاتورية القيادة )) و (( انقيــاد اللجنـة المركزيـة للسكرتير )) واخيرا (( دكتاتورية الحزب )) .
ان المنحرفين المارقين لكي يستروا ارتدادهم يلجأون الى وضع مسؤوليتها على عاتق الاكثرية والهيئات التي تمثل الاكثرية .
وهناك ظروف تضطر القيادة احيانا الى ارجاء قرار ما مع وجود الاكثرية الى جانبها وذلك بغية افهام الاقلية وتهيئة الحزب كله لتنفيذ ذلك القرار على الوجه الاكمل ، على ان لا يكون تاخير اتخاذ مثل هذه القرارات سببا لفشل تنفيذها في المستقبل او الاضرار بمصالح الحركة .
ويجب ان لايغرب عن البال ان وحدة الحزب في الارادة والعمل والتنظيم لا يحد من اجتهاد الرفاق الحزبيين في جميع القضايا التي تعرض عليهم ومناقشتها بكل حرية والتصويت لها وفق رأي المصوت وان الاكثرية والاقلية في التصويت حول قرار ما لا تؤلف اكثرية ( جماعة ) واقلية ( جماعة )كما هي الحال في البرلمانات البرجوازية تلك الاكثريات والاقليات المعروفة بجناح اليمين واليسار .. الخ اذ ان مبادئ الاحزاب الشيوعية لا تقبل التكتلات والفرق في داخلها.
( 4 )
الفروق الجوهـرية بين الطـرق التنظيمية في حزبين شيوعين احدهما سري والاخر علني
تمشي الاحزاب العلنية على قاعدة المركزية الديمقراطية ، فتسند المسؤوليات الى الاشخاص عن طريق الانتخابات في الوحدات الحزبية من القاعدة حتى القمة كأن تنتخب فرق المعامل ( وأقسامها ) لجانها وهذه تنتخب من بينها اعضاء في اللجان العليا ، لجنة المحلة والقسم البلدي ، على هذا الترتيب حتى اللجان المحلية ( لجنة المقاطعة مثلا ) اي اعلى لجنة دون اللجنة المركزية .وتنتخب هذه اللجان مندوبيها ( بالنسبة المقررة ) فترسلهم مندوبين عن منظمتها الى المؤتمر الذي يضم بطبيعة الحال اعضاء اللجنة المركزية ( عضو اللجنة المركزية غير المنتدب من منظمة محلية لايتمتع بحق التصويت في الانتخابات ) والمؤتمر ينتخب اللجنة المركزية وينتخب من بين اعضائها السكرتير العام والمكتب السياسي ولجنة المراقبة والحسابات ( ليس لكل حزب من الاحزاب الشيوعية العلنية مكتب سياسي ولجنة مراقبة . فاللجنة المركزية تكتفي بتوزيع الاعمال على لجان تؤلفها ويشرف على اعضائها رئيس الحزب او السكرتير العام او السكرتير ، وهذا بالطبع متوقف على قوة الحزب وظروفه ) .
والمركزية الديمقراطية تفرض وجوب التقيد بتنفيذ مقررات الهيئات السفلى ، واذا نوقش قرار في الجنة المختصة فصوتت له بالاكثرية ، اصبح نافذا ويجب التقيد به من قبل الاقلية كما ان المركزية الديمقراطية تحصر الصلاحيات والمسؤوليات في الهيئات ( اللجان )كل حسب درجتها حفظا لوحدة العمل وهذا لا يعني ان الهيئات العليا كاللجنة المركزية مثلا لا تطرح احيانا اقتراحات على اللجان السفلى لمناقشتها قبل تقريرها كما انها تدعو احيانا الاعضاء العاملين لمؤتمر ( كنفرنسات ) لبحث القضايا التنظيمية التي تجابه الحزب واحيانا تقوم باستفتاء عام لجميع الاعضاء كما حصل بعد ان استفتى الحزب البولشفي في خطة ستالين وخطة تروتسكي فكان مع الاول 96% وصوت للثاني لا اكثر من واحد ونصف بالمائة .
ان للحزب الشيوعي العلني امكانيات علنية تساعد على النمو بخطى اسرع ، على النشر ، على تثقيف الكادر ، على العمل ضمن منظمات الطبقة البروليتارية العلنية التي تعمل على تنظيم وتوجيه العمال ، الى تفهم البرلمان كمنبر يسمع للشعب اصواتهم وكوسيلة لتوسيع الحقوق الديمقراطية ولفضح مناورات الرجعية والانتهازية ، لاستعماله اداة ضد الحروب الاعتدائية ولمناصرة شعوب المستعمرات والبلدان التابعة .. الخ .. ان الامكانيات المارة الذكر يمكن الاستفادة منها بالقدر الذي تسمح له درجة الديمقراطية الحقيقية الموجودة ، لكن بامكان الحزب ان يناضل ويوسع الحقوق الديمقراطية ويوسع الامكانيات .
الحزب السري: لايأخذ الحزب السري بقاعدة المركزية الديمقراطية الا بالقدر الذي تسمح به الظروف التي الجأته الى العمل في السر وما تفرضه هذه الظروف من نتائج اهمها عدم معرفة اعضاء الحزب بعضهم البعض الاخر الا بصورة ضيقة وعلى الاكثر معرفة سطحية ، وعدم معرفة الرفيق بما يقوم به رفيق في الخلية الاخرى .
1- الوظائف الحزبية في الحزب السري : ان التنظيم في الحزب الشيوعي السري يتألف من قاعدته على اساس خلايا في المعمل او في محلات العمل الاخرى او كما يتفق ، وعدد اعضاء الخلية لا يتجاوز في اكثر الاحيان خمسة اعضاء وهكذا اذا وجد عشرون شيوعيا في معمل واحد لايعرف بعضهم بعضا ولا يجتمعون اجتماعا واحدا ، ولايمكن ان ينتخب منظم للجنة ذلك المعمل في الحزب السري كما ينتخب في الحزب العلني . وكذلك تتخذ قاعدة ترشيح او تعيين منظم اللجنة من قبل هيئة اعلى ويصوت له اعضاء اللجنة ولهم ان يرفضوه اذا كان لديهم مايبرر ذلك ، ومن منظمي الخلايا تتألف لجان المعامل وغيرها .. وهلم جرا حتى اللجنة المركزية ( بأستثناء بعض أعضائها الذين تضطرهم طبيعة أعمالهم ان يكونوا بعيدين عن التنظيم المحلي وعن الشبهة ) عند تعذر انعقاد مؤتمر لانتخاب اللجنة المركزية ان اكثر المنظمين في الخلايا واللجان في الحزب الشيوعي السري – خصوصا في الاحزاب التي لم يمض وقت طويل على انشائها – هم اما من موجدي الخلايا التي يديرونها او من الرفاق الذين سبق ان اصبح لهم اختبار حزبي وثقافة تؤهلهم لادارة شؤون خلية من الاعضاء الجدد ، فيصبحون منظمين بطبيعة الحال ، ويتقدمون في مراكزهم الحزبية حسب نشاطهم وفهمهم – واحيانا لضيق الكادر – ويسقطون منها اذا ما بدر منهم ما يستوجب تنحيتهم من مراكزهم .
أما اللجنة المركزية التي لم ينتخبها مؤتمر في حالة استحالة عقد مؤتمر او عندما يكون الحزب في دور التكوين ، فأن اعضاءها غالبا ما يكونون من مؤلفي الحزب ومن الاعضاء الذين ينضمون اليهم اذا ما اقتضت الضرورة ، لتكثير عدد اعضائها في حالة ازدياد نشاط الحزب ومنظماته وفي حالة استبدال الاعضاء المنفصلين من اللجنة . فالديمقراطية المركزية – فيما يخص الانتخابات – لا تطبق في الحزب السري .
2 – مؤتمر الحزب : يصعب في الاحزاب السرية عقد مؤتمرات لها وكثيرا ما تبقى هذه الاحزاب بدون مؤتمر لعشر سنوات ، واحيانا لاكثر من هذه المدة ، فالحزب الشيوعي الهندي مثلا عقد مؤتمره الاول عام 1943 اي بعد ( 15 ) سنة على تأسيسه . ولم نسمع بعقد مؤتمر شيوعي في المانيا وايطاليا وفرنسا واسبانيا بعد ان أصبحت هذه الاحزاب سرية . والمؤتمر الاول للحزب الاشتراكي الروسي عام 1896 أعقبه على الفور القاء القبض على اللجنة المركزية التي انتخبها وعلى اعضاء بارزين اخرين . اما المؤتمرات الاخرى التي عقدها الحزب البولشفي فقد عقدت جميعها تقريبا خارج روسيا بعيدا عن شرطة القيصر وجواسيسه . واذا عقد مؤتمر شيوعي لحزب سري فهو يضم اعضاء اللجنة المركزية –كأعضاء طبيعيين- ومندوبين تنتدبهم لجان الحزب العليا دون اللجنة المركزية ، وهذا بالطبع لا يتم دون معرفة اللجنة المركزية .
ان الصعوبات والاخطار التي تعترض الحزب السري وتحول دون عقد مؤتمراته هي : 1- خطر الشرطة .
2- معرفة المندوبين بعضهم للبعض خصوصا في القطر الصغير .
3- عدم امكانية حضور القادة البارزين الى المؤتمر لوجودهم في السجون او المهجر ، كما هو الحال في المانيا واسبانيا وفرنسا ، وثمة أمر اخر يمنع الاحزاب الصغيرة والجديدة – ومنها – حزبنا عن عقد مؤتمر لها وهو انها لاتزال في دور التكوين وغير قوية لتحمل ضربة قد تؤدي بقسم كبير من كادرها عدا ان الانتهازيين الذين طالما اندسوا في الاحزاب السرية يرون في مؤتمرات الحزب خير وسيلة لنشاطهم اي لجدلهم وثرثرتهم داخل المؤتمر وخارجه ، بقصد فضح الاعضاء وايجاد التكتل والانقسامات .
أما الثرثرة هنا في العراق لعقـد مؤتمر للحزب الشيوعي العراقي لانتخاب لجنة مركزية (( مشروعة )) فأغراضها واضحة وهي فضح أعضاء الحزب العاملين وارسالهم الى السجون اذا أقتضى الامر ليتسنى للانتهازيين والخونة والجواسيس التزعم في حركة العمال والحركة الوطنية وتسييرها وفق مصالح الامبريالزم والرجعية المحلية . لقد عرفنا هذا ولمسناه لمس اليد من الحوادث التالية :
ان المنظمة التروتسكية التي أندمجت فيما بعد مع الخونة المطرودين من الحزب ومع بعض الجواسيس الذين انضموا اليهم والفوا ما يسمونه بحركة المؤتمرين كانت منظمة لا نشاط لها البتة بين الجماهير ، عدا بعض افراد منهم اندسوا هنا وهناك بقصد التخريب لكن اعضاء هذه المنظمة لم يقطعوا الصلة فيما بينهم ولم يصفوا منظمتهم مع علمهم الاكيد بانهـا منظمة عاطلة لا فائدة منها ، الا انهم انتظروا وانتظروا طويلا ذلك اليوم الذي تلقى الشرطة فيه القبض على قادة الحزب الشيوعي فيبرزوا حينذاك من مكمنهم ليحلوا محل الشيوعيين . ولما يأسوا اخيرا انقسموا فيما بينهم ، فمنهم من طلب الانتماء الى الحزب ، والاخرون فضلوا الانتظار معتمدين على زملائهم الذين ارسلوهم الى الحزب ، لكن الحزب قبل بعضهم كمرشحين ، وقبل انتهاء مدة ترشيحهم وجدهم جميعا ( جميع اعضاء منظمتهم ) قد طفروا الى جانب الخونة قادر وفاضل وشركائهما ، فأدعى قادر انه انفصل عن الحزب لان الحزب لم يعقد مؤتمرا لانتخاب لجنة مركزية ( شرعية )مع العلم ان هذا الخائن لم يطلب عقد مؤتمر عندما كان داخل الحزب لا هو ولا شركاؤه اي انه لم يرده عندما كان داخل الحزب واصبح يريده هو والتروتسكيين والجواسيس الذين انظموا اليهم ، وقد نسى هؤلاء جميعا ان الاحزاب الشيوعية لا تنتدب ممثلين في مؤتمراتها الا من بين اعضائها الحزبيين .فعلام الثرثرة اذن ؟؟
هل الحزب الشيوعي العراقي شاذ يؤمن بمبادئ الاممية الشيوعية ؟ ولا يتقيد بقوانينها ، ليعقد مؤتمرا (( حزبيا و شيوعيا )) يمثل فيه اناس غريبون عنه ، ايديولوجيا وتنظيميا ، اناس لا يعرفهم الحزب جميعا ولا يعرف فيهم سوى اولاد الوزراء وامثالهم الجواسيس والمخربين وغيرهم ؟؟ وماذا كان مصير هؤلاء ((الابطال)) الذين ما خافوا الشرطة يوما من الايام فنادوا بعقد مؤتمر شيوعي تحت سمع الشرطة وبصرها ؟ الا انهم على اثر غارة اعتيادية قامت بها الشرطة (على غيرهم طبعا) قطعوا لها عهدا بان يعطلوا اعمالهم ويحلوا تنظيمهم ويعطلوا نشرتهم _ وبعده _ انهم اصدروا بيانا يقولون فيه ان العمل السري والشيوعي نوع من الخيانة وطلبوا من اعضائهم ان لا يقفوا انفسهم عن العمل فقط بل يقنعوا الغير نترك العمل _ وبعده _ نشر كبيرهم مقالا في جريدة (صوت الاهالي)يقول للحكومة فيه ان عمل الشيوعيين ( القاعدة طبعا ) ومنشوراتهم اعمـال تخريبيـة و طالب الحكومة بانزال العقاب بهم ، وهكذا برهن ((المؤتمريون)) على نواياهم الحسنة في دعوتهم لعقد مؤتمر شيوعي ((لشيوعيي العراق)) .
اما الشراريون الجدد فقد عقدوا المؤتمر الذي ارادوه فجأة (في غياب السكرتير ومعارضة اكثرية اللجنة المركزية)للاستيلاء على الحزب ، لكنهم فشلوا فذاقت قاعدتهم مرارة ذلك ((المؤتمر)) وكشف قادتهم عن انتهازيتهم لكنهم يريدون اليوم ان يعيدوا لعبتهم لعلهم يصلون الى الهدف الذي لم يحققوه (او حققوه جزئيا) في مؤتمرهم الاول ولا اظن ان رفاقنا ستنطلي عليهم حيلة هؤلاء وينخدعون بلفظتهم باسم وحدة الحزب وما اشبه من الحجج .
وعند حدوث ما يستوجب عقد المؤتمر وتعذر عقده على الحزب يدعى الى اجتماع (كونفرانس) من الاعضاء النشطين ولهذا الاجتماع صلاحيات المؤتمر في امور كثيرة منها سياسة الحزب اي خططه في تلك الفترة ، لكننا لم نقرأ او نسمع ان اجتماعا كهذا انتخب لجنة مركزية ، وانتخاب اللجنة المركزية من قبل مؤتمر الحزب في الحزب السري ، تجري على اساس ترشيح الاشخاص ثم انتخابهم بالصوت الخفي وابقاء اسماء الاعضاء مكتومة عن اعضاء المؤتمر ، اما في المؤتمر العلني فاولئـك المندوبون يعرفون قادة الحزب وتاريخ نشاطهم الحزبي وسلوكهم في المواقف الحاسمة وسياستهم .. الخ . وبالرغم من ان الاحزاب العلنية تنتخب ايضا اثناء الانتخابات الاعضاء اللائقين الى اللجنة المركزية او المراكز الاخرى ، فالمندوبون يشعرون باستقلال ارائهم ومسؤولياتهم عند الانتخاب بينما في الحزب السري يعتمد المندوبون على المركز في الترشيح فينتخبون المرشحين وهذا بالطبع لا يعني ان المندوبين يكرهون على انتخاب اولئك المرشحين .
3 – عضوية الحزب وكادره : تتفق الاحزاب الشيوعية العلنية والسرية ، على شروط العضوية الثلاثة التي وضعها لينين في المؤتمر الثاني وهي :
1 – دفع الاشتراك الشهري
2- اقرار منهاج الحزب وسياسته
3- العمل في احدى منظماته
وهذا لايعني ان كل من تم قبوله لهذه القاعدة يجب قبوله بسهولة عضوا في حزب شيوعي ، دون الالتفات الى طبقته وعمله وسلوكه في الماضي والحاضر وقابليتـه على القيام بمهامه الحزبيـة وعلى التضحية ، واخيـرا ظروف الحـزب الذاتيـة والموضوعية .
ان الاحزاب الشيوعية العلنية كائنـة جميعها في اقطار تتمتع فيها الطبقـة العاملة بحقوق ديمقراطية فلها نقاباتها وجمعياتها وتنظيماتها الاخرى غير السياسية ، فأكثـر طلاب الأنتماء الى عضوية الحزب مـن العمـال ومن المنظمين منهم في النقابـات وغيرها ونشاطهم في منظماتهم المهنية معلومون لدى رفاقهم فاذا ما قبلهم الحـزب كلفهم بواجب حزبي في محيط عملهم – على الاكثر – فان أبوا القيام به او ثبي عدم جدارتهم فصلهم من عضويته بدون كبير عناء . اما الاحـزاب الشيوعيـة السريـة فمعظمها في اقطار لا ظل للديمقراطية فيها ، او فيها من الديمقراطية اسمها (كما هي الحال عندنا) ولا نقابات فيها واذا وجدت فصلاحياتها محدودة ولا تظـم الا جـزءا يسيرا من الطبقة العاملة ، فمعظم هؤلاء عند مجيئهم الى الحزب طالبين العضوية لم تكن لهم تجارب في النضال والتنظيم وليست لهم فكرة كافية عن اهداف الحزب وضرورة الضبط الحزبي والعمل السري الخ .. فاذا ما قبل احد هؤلاء بالسهولة التي يقبل بها العضو في الحزب العلني وبرهن فيما بعد على عدم جدارته واقتضى فصله من الحزب فانه قد تعرف على اشخاص وتنظيمات ، وكثير من هؤلاء المفصولين وحتى الشرفاء منهم لم يتورعوا (وهذا ما حصل عندنا) من فضح اسماء الحزبيين والطعن بالحزب والصاق التهم بقادته الخ .. يفعلون ذلك بقصد تبرير موقفهم امام الناس . هذا عدا الاضرار التي يلحقونها بالحزب ، عندما يكونون داخله.
اما طلاب العضوية في الاحزاب الشيوعية في المستعمرات والاقطار التابعـة للامبريالزم حيث يكون النضال التحرري في مقدمة الاهداف وحيث يكون القطر متأخرا صناعيا – مثل قطرنا – فالملاحظ هو ان أكثرية المنجذبين الى الحزب هم من البتي برجوا وخصوصا المثقفين ، وسبب هذا ان البلاد خالية من احزاب ديمقراطية علنية يستطيع هؤلاء ان يبدوا نشاطهم فيها ولحرمان الموظفين والمستخدمين من الاشتغال بالسياسة ، واحيانا لاسباب شخصية وللتجسس على اعضاء الحزب واعماله ، ولولا هذه الاسباب لما جاء جميع هؤلاء الى الحزب الشيوعي ولوجدوا ضالتهم خارجه . ولو قبل جميع هؤلاء في الحزب لفقد الحزب صفته الطبقية كحزب للطبقة العاملة واصبح حزبا لاشكل له . لقد كان هؤلاء مصدر الانقسامات والافكار الغريبة داخل الحزب . ولكي تتجنب الآحزاب الشيوعية اغراق صفوفها بأمثال تلك العناصرفانها لاتقبلهم بالسهولة التي تقبل بها العمال وتعمل دائما على تثقيف العمال وايجاد كادر منهم ، فالمرفوضون من اولئك المثقفيـن يعتبـرون عدم قبولهم في الحزب اهانة لهم فهم يرفضون بدورهم الاعتراف بالحزب ويعملون على التخريب من بعيد فتراهم يتهافتون على كل حركة تعادي الحزب مبررين عملهم هذا بكونه ((حركة وعملا)) وان الجمود حسب تفسيرهم خيانة : انهم يقفـون الـى جانب العدو ويعملون ضد الحزب الشيوعي الذي رفض قبولهم ، اي انهم يقومون بخيانة عملية كيما يرضوا رغبات في نفوسهم قد يسمونها ((حب العمل)) في سبيل الحركة ، وهي في الحقيقة حب الظهور والتزعم ودوافع طبقية غريبة عن مصلحة الطبقة البروليتارية فكأن حب العمل للحركة لا يكون الا عن طريق الاشتراك في نضال معاد للحزب والحركة ، وفي طليعة هؤلاء اولاد الوزراء والباشوات وبعض موظفي الدولة وكبار الاساتذة الذين ينقمون على الحكومة وعلى الطبقة البرجوازية وعلى الاستعمار بسبب عدم احلالهم في المراكز اللائقة بهم وهؤلاء بحكم مراكزهم وثقافتهم المدرسيـة ونفوذهم الطبقي يستطيعـون ان يؤثـروا علـى بعض صغار الموظفين والطلاب وعلى بعض العمال غير الواعين . ان كلا من هؤلاء قد كون في مخيلته حزبا شيوعيا كما يشتهيه هو ، حزبا خاليا من الامر والنهي أي خاليا من الضبط الذي لا يطيقه هو لنفسه ، وخاليا من القيادة التي لا يتفق وجودها وحرية تفكيره التي تتمثل في حرية تصرفه والتي كثيرا ما تفرض عليه تعاليم وحلولا لا يستسيغها نفسه وأخيرا انها تريد ان تفصل بينه وبين تفكيره الخاص القديم (أيديولوجية البتي _ برجوا) وبينه وبين تفكير أصدقائه القدماء .
قلنا ( ان قبول الاعضاء الجدد الى الحزب الشيوعي السري لا يتم بسهولة اي لا يتم بعين الشروط التي يقبل بموجبها الحزب العلني بسبب الظروف التي تكتنف الحزب من حيث وضعه السري ) كما ان هناك ظروفا تضطر الحزب ان يوسع المجال او يغلقه او يضيقه في وجه طلاب العضوية الجدد ، كأن يكون الحزب عل وشك القيام بأمر هام (اعلان الثورة او ما أشبه) أو عندما تكون البلاد في حرب أهلية أو عندما يكون الحزب قائما بعملية تطهير أجماعية أو عندما يكون الحزب في الحكم وهلم جرا ..
4 – كادر الحزب وكادر القيادة
لقد اراد لينين وستالين أن يكون كادر الحزب حائزا على الصفات التالية : (( ان يكون ثوريا محترفا لا من الهواة ، أن يكون ذا حاسية ثورية تمكنه من شم رائحة الخطر قبل وقوعه ، أن يكون ذا غريزة ثورية ويقظة ثورية ، أن يكون ذكيا يستطيع التخلص من شراك البوليس والضحك على ذقونهم وفطنا لاساليبهم وخدعهم ، أن يكون شجاعا لايخاف التضحية وقلبه عامر بالايمان يحب طبقته وحزبه وشعبه ، ان تكون صلاته قوية بالجمهور ، أن يكون محبوبا في محيطه وحائزا على ثقة الناس ، أن تكون له معرفة نسبية بكل شئ أي أن يعرف سنة حركة المجتمع وطبقاته وأقسامها والعوامل الاقتصادية وما يشتق عنها من عوامل سياسية وحقوقية ودينية ، التي تسير تلك الطبقات وأقسامها وتؤلف ما يسمونـه ﺒ(( نفسيتها)) وبصورة خاصة ايتعرف على قوى أعدائه ومتناقضاتهم ويستفيد منها ، وان يتعرف على قواه الداخلية والموضوعية المؤلفة من طبقته واحلافها العاملين والمحايدين ، أن يعرف كيف يكره عدوه وكيف يحاربه وأن يعرف من أي جهة ياتي الخطر الأعظم في اللحظة المعينة فيعبئ قواه لها ، وأن يختار الموقف الذي يريده هو للمعركة ، وأن يهاجم متى أقتضى الهجوم وأن ينسحب عند اللزوم (وقد يفسر الانتهازيون الآنسحاب المنظم بغية الاحتفاظ بالقوى ، بالاستسلام ورفع الايدي) ، أن يعرف فن الثورة وتدريب الجماهير وتعبئتها للمناوشات والمعارك الصغيرة والكبيرة .
ويريد ديمتروف من الشيوعي أن يكون مسلحا بالنظرية الثورية ملما بممارستها ، ولا يكفي أن يكون ملما بالنظرية الثورية بل أن تكون له سجية ثابتة وصلابة الشيوعي الذي لايعرف ان يلين ، ولايكفي ان يعلم مايجب عمله بل أن يكون له الاقدام على انجازه ، ويجب ان يكون على استعداد للعمل ، العمل باي ثمن كان من أجل خدمة الطبقة العاملة خدمة صحيحة أن يكون قادرا على أناطة كل حياته بخدمة مصالح البروليتاريا .
ان الاحزاب الشيوعية السرية أشد احتياجا الى مثل هذا الكادر للاسباب المهمة التالية :
لانها في سريتها واشتباكاتها المستمرة تحتاج الى كادر ، اي الى ضباط اركان يقودون فصائلها ويعوضون عن الذين يسقطون في المعركة قتلى وجرحى ، اي كادر أحتياطي يعوض عن الكادر الذ يساق الى السجون والذي تخور قواه أمام ارهاب العدو فيتملص من المسؤولية واحيانا يهرب الى جانب العدو .
قلنا ان الاحزاب الشيوعية السرية اشد احتياجا الى كادر من الاحزاب العلنية وهذا الاحتياج يلاحظ بصورة خاصة في الاحزاب الشيوعية الحديثة _ كحزبنا _ خصوصا عندما تكون الحركة الطبقية والوطنية بحاجة الى حزب الطليعة للسير امامها ودفعها وعندما تنعدم في البلد جميع أشكال التنظيم الطبقي والشعبي ويصبح من واجب الحزب دفع الجماعات وقيادتها في نضالها من اجل حق التنظيم ومساعدتها على تنظيم نفسها . اجل ان الحاجة الى كادر تصبح جد ملموسة عندما تعلو الحركة في ارتفاع أعلى من الحزب فيضطر الحزب حينذاك على السير في ذيل الحركة .
لذلك وجب على حزبنا خلق الكادر وتربيته وتثقيفه ، فبأي وسيلة نستطيع خلق هذا الكادر لسد النقص في حزبنا ولمجابهة الطوارئ والتهيؤ للمستقبل الذي يدل حاضرنا على ان الحركة الوطنية التحررية والطبقية ستكون اوسع بكثير مما هي عليه الان ؟؟
علينا قبل كل شئ ان نوفر لرفاقنا الادبيات الثورية ونحثهم على الدراسة ونطلب منهم ان يتسلحوا بالنظرية الثورية اذ ( بدون نظرية ثورية لايمكن ان تكون حركة ثورية – لينين ) وعلينا ان نتعهد بتدريبهم وننسق لهم المواضيع الواجب تفهمها وان نضع لهم مناهج دراسية ونراقب تطبيقها وان نبني ثقافتهم على ضوء حالتنا الثورية وعلى ضوء الحالة الداخلية وعلى ضوء الحالة الدولية وتطوراتها . وشئ آخر أريد ان الفت نظر رفاقي اليه هو ( ان (( لنظرية الثورية التي تقود الحركة الثورية )) لاتصبح نظريـة حيـة مالم يبرهن التطبيـق على صحتها وان الماركسيـة ليست (( وصفة جاهزة تعطى لكل الحالات )) واني اطلب اليهم ان لا يكون مثلهم كمثل (( الماركسيين )) و (( الشيوعيين )) الكثيرين من ابناء الذوات والافندية الذين ابتلى بهم العراق وابتلت بهم الشيوعية والماركسية ، اولئك الذين لا ينفكون ليل نهار من نقل عبارات ماركس _ انجلز _ لينين _ ستالين ، ويضعونها في غير محلها اما لغباوتهم وانفصالهم عن حياة الجماهير، او لغرضفي نفوسهم ومثل هؤلاء كمثل خطيبة لاتنفك ابدا من تعداد الوان المآكل التي ستتحف بها خطيبها بعد اقترانهما اذا ما جاءها بكتب تبحث عن فن الطبخ ولم تنس هي ابدا من ان تعده وتقسم له أغلظ الايمان بانها ستبقى له قلبها ونفسها ابد الابدين وتفدي بهما في سبيل خدمته وسعادته ، ولم ينس العريس ان ياتيها في ليلة عرسه بمجموعة من الكتب التي تبحث في فن الطبخ وبمثلها تبحث في وفاء الزوجات ، وفي اليوم الثاني فتحت العروس كتبها وانتقت لونين من الطعام كبة برغل وسلاطة فاصوليا بالزيت _ فكتبت ما تحتاجه من السوق لتهيئة المطبوخ ، وعندما جلسا الى مائدة الطعام وجد الزوج امامه شيئا لا هو كبة برغل ولا هو بالشوربة ، أما الفاصوليا بالزيت فقد حـاول عبثا ان يسحقها بين اسنانـه لانها كانت اقـرب الى سلاطـة ((باسورك)) من سلاطة فاصوليا بالزيت .
ان تلك العروس المدعية كانت قد ضبطت اوزان ومقادير المواد المطلوبة للطبخة ، كما ضبط اولئك المدعون الاغبياء أقوال ماركس وانجلز ولينين وستالين وحفظوها عن ظهر قلب ، ولكنها لم تراع الوقت المناسب لوضع كل جزء من الاجزاء التي تتألف منهاطبخة الفاصوليا بالزيت ، فوضعت الحامض مباشرة مع الاجزاء الاخرى فأستعصى طبخها . اما الكبة فان ساعديها لم يتعودا الدق فكتلتها دون ان تلحم المواد ورمتها في القدر قبل ان يغلي الماء اذ انها لم تكن قد اختبرت في حياتها متى وكيف يغلي الماء ولافرق عندها اغلى الماء قبل وضع الكبة او بعده ، فكانت النتيجة أ ن تحولت كبتها الى طبخة لا اسم لها وذهبت أتعابها سدى وغضبت على عريسها الذي جاءها بتلك الكتب التي أحتوت على تلك المعلومات الكاذبـة عن طبـخ الكبـة والفاصوليا ، وصممت في سرها أن تنتقم من عريسها بتحررها من وعدها بصيانة قلبها ونفسها له ولخدمته وسعادته . أنه في اليوم الثاني من زواجها انكشفت لها الحقيقة المرة ، حقيقة نظام الزوجية والضبط العائلي الحديدي فظهر لها بيتها الجديد كسجن مظلم اذ كيف تستطيع تلك الفراشة المرحة ان تحبس قلبها وقد تعود التنقل من دوح الى دوح ومن زهرة الى أخرى ؟
كذلك الحال مع اولئك ((الماركسين)) و ((الشيوعيين)) الذين يحتفظون بكتب الشيوعية ويحفظون اقوال ماركس وانجلز ولينين وستالين عن ظهر قلب ولكنهم لم يستطيعوا ان يهيئوا طبخة كبة شيوعية اذ أن سواعدهم لم تتعود على العمل ولانهم لاينتظرون حتى يغلي الماء لطرحها في القدر ، لانهم يخافون شخير الماء الفائر وقرقعته ولانهم يتصورون امكانية انفجار القدر واصابتهم برشاش الماء الفائر ، ولانهم دائما يضعون الحامض قبل نضجه ، فيستعصي الشئ المراد طبخه . وان أبى الناس أكل طبخهم النئ وشوربتهم الكريهة أقسموا له أن طبيخهم ماركسي هيأوه حسب كتلوك ماركس ... الخ .
اما تعشقهم ﻟ((الديمقراطية)) وحرية العمل والتفكير والتصرف ، فأنه يشبه تعشق تلك الفراشة العاهرة ، فالنظام والضبط الحديدي والتقيد بمقررات لاتتفق وآرائهم الخاصة المنبثقة عن رغباتهم الخاصة ، فهذه أمور لاتتفق و ((ديمقراطيتهــم)) التي تضطرهم على الدوام أن يتنقلوا كتلك الفراشة من مستنقع الى آخر .
على كادرنا أن يتعلم كيف يقرن النظرية بالعمل وان يتذكر دائما ان الماركسية اللينينية ليست ((بألياذة)) تغنى على الرباب او ((قفا نبك)) تعلق على الجدار . انها نظرية الثورة البروليتارية وضعت كدليل للعمل ، اي انها وضعت للحياة فأننا لا نحترفها بترديدنا إياها دون فرضها على الحياة . هذا هو الكادر الذي يحتاج اليه حزبنا ويريده ، لذلك وجب علينا تخصيص شطر كبير من جهودنا لتثقيف أنفسنا بالنظرية الثورية والاختبار والتخلق بالاخلاق والصفات التي هي من مميزات الكادر الحزبي ، مع العلم ان للحركة دخلا كبيرا في خلق الكادر وتزويده بالاختبار .
5- المقررات الحزبية في الحزب السري : ليست الاحزاب الشيوعية كتلك الجمعيات السرية ذات المبادئ والغايات التي لاتتفق ومصلحة الجمهور ولا تستسيغها آدابه وأسلوب تفكيره ، والتي تلجأ الى العمل السري وتبني نشاطها على المؤامرات والارهاب وتعلمه مالا تبغي . فالاحزاب الشيوعية العلنية منها والسرية ، لاتخجل ولاتحجم عن نشر مبادئها ونواياها ولاتخاف من تبيان موقفها من الحوادث التي لها صلة بطبقتها وبلادها ، وبمصير الانسانية ومايعود لها من حضارة ... الخ .
فأن مايلجئ بعض الاحزاب الشيوعية الى التكتم والتخفي هو منعها من قبل الطبقة الحاكمة وحكوماتها عن نشر مبادئها وآرائها ، وعن تأليف منظماتها بصورة علنية ، ومن أمكانية قيام أعضائها بنشاطهم ، وملاحقة الآعضاء بأعتبارهم أناسا خارجين على القوانين ( قوانين الحكومات المستبدة ) فالحزب يختفي أذن ويصبح حزبا سريا بقصد نشر مبادئه وآرائه ، وتبيان موقفه من الحوادث وللمحافظة على أستمرار الحركة وتنظيمها ، الى آخر ما هنالك من الواجبات
فالشيوعيون ليسوا من عشاق السراديب والسجون وليسوا ممن يرتاحون الى تعريض بيوتهم الى غارات الشرطة وارهاب من فيها واحيانا أخذهم رهائن _ كما حصل في غارات حزيران المنصرم _ وليسوا ممن يحبون رؤية وجه الجاسوس الذي يتبعهم كظلهم ، ولكنهم يتحملون كل هذه وأكثر منها برغم أنف العدو الذي يحاول تهزيمهم من الميدان _ عن طيب خاطر لسبب يحلونه فوق ذواتهم وفوق بيوتهم ، أنهم يعشقون مثلا أعلى في الحياة لطبقتهم وللبشرية أجمع ، أنهم يكرهون عن وعي أعداء طبقتهم الواقفين حجر عثرة في طريق تقدم الانسانية .
فالعمل السري أذن - فيما يخص المقررات الحزبية - كتمان كل قرار أومناقشة أو مشاريع أو أجراءات أو رقابة وطرد اعضاء ، أو تتبع حركات العدو ، وبعبارة أوضح كتمان كل ما من شأنه ان يكشف ويضر بتشكيلات الحزب وكادره وبأعضائه وكل ما من شأنه ان يمنع أو يعرقل نشاطه في الحاضر والمستقبل ، وهذا لايعني اننا يجب ان نتكتم على حساب مبادئنا ونشاطنا الجماهيري ومصلحة حزبنا ، بل علينا ان نقارن بين الفائدة المتوخاة والخسارة التي قد تنجم ، فنطرح الخسارة من الربح ، فأن بقي لدينا حاصل لا نحجم عن نشر بيان أو قرار أو خطة حوله الخ .. ولا حاجة بنا الآن الى تبيان القرارات أو الاجراءات التي تكتم كليا أو جزئيا ، أذ ان ذلك منوط بالظروف . ومن المفيد هنا أن أتحفكم بآراء عباد الشكليات وعشاق اللبرالزم ( مبدأ البرجوازية الحرة )من المقررات الحزبية ، ((ديمقراطيتها وعدم ديمقراطيتها)) ومن ثم آرائهم ضد سياسة الحزب وخططه .
أثنان من هؤلاء الاغبياء – ارتدا فيما بعد – أحدهما وقف ضد تنفيذ قرار حزبي متصل بخبز الجماهير ورفض استلامه بحجة ان صيغته شديدة اللهجة متطرفة أما صاحبه فتردد في اخذه لانه اعتبره انحرافا من الحزب الى اليمين وعملا لا فائدة منه ولكن الجماهير قبلته ووقعته بضعة آلاف شخص ونظموا وفودا ذهبت تطالب الحكومة بحل مشكلة الاحتكار . وهكذا برهن هذان أنهما لا يعرفان اليسار من اليمين أو بالاحرى انهما كانا متقصدين ارادا ، لوسنحت الفرصة ، طرح القرار على بساط البحث ومناقشته وفضحه قبل تنفيذه ، ووضعا الحزب أمام الامر الواقع ، اي سحب تنفيذه حرصا على سلامة القائمين به . لم يخطر ببال المعارض ان قرارا بتقديم عرائض الاحتكار ضد المحتكرين ، في سبيل خبز الشعب ، ليس سوى مناوشة بين الجمهور والسلطة الحاكمة أستعدادا لعمل أعلى ، لكنه يريد ان يتعرف على نوايا الحزب قبل وقتها ، واذا عرفها ، وعرفها كل واحد في الحزب وخارجه معناه ايقاف تنفيذه بثمن يدفعه الحزب بكادره .
اما المعارض الثرثار الذي يبني معارضته بحجة التفهم وحب الاطلاع ، او الذي يظهر معارضته بشكل حب المعركة ، فانه يبقى حياته الحزبية كلها يسأل ولا يفهم ولايريد ان يفهم ، ويفضح كل ما سيتوصل الى معرفته بحجة انه لا يفهم ، وكيف يفهم والقيادة لم تطلعه على نواياها وعلى قراراتها ، واحيانا على قرارات يتوهم وجودها .
قد تلقى الشرطة القبض على بعض الحزبيين وغير الحزبيين ممن لهم صلة بعملنا مباشرة او بصورة غير مباشرة ، او قد يفهم الحزب بصورة من الصور ان بنية الشرطة الاغارة على بعض البيوت فيتخذ الحيطة ويطلب من الاعضاء الذين قد يكون لهم شان في الامر أن ينظفوا بيوتهم وأن لا يجتمعوا في المكان وأن لايجتمعوا في الوقت المعين .. الخ فينبري الثرثار وينهال بأسئلته : لماذا وهل هناك خطر وماهو مصدر الخطر ؟ وهل هناك خيانة وهل أنا مطرود لكي لا أحضر الاجتماع ، وهل الحزب لا يثـق بي فلا يدعني افهم ، وهل هـذه ديمقراطيـة الحزب ؟ وهل وماذا .. الخ ؟؟ فاذا اخبرتـه بأعتقـال س ، ج ، ب ، فأنك تفضح هؤلاء وقد يصل خبرهم الى الشرطة وهم تحت قبضتها ، وان أطلعته على مصدر الخبر فانك قد تجلب الضرر للمخبر وتخسر المعلومات التي يستفيد منها الحزب . واذا شعر الحزب بوجود مخربين واعداء في داخله وأراد ان يحصر التخريب في نطاقه كما يحصر رجال الاطفاء النار بعزل مكانها عما يحيط بها لكي لا تمتد وتنتشر ومن ثم القضاء على المخربين بأقل كلفة ، أنبرى لك الثرثار الأحمق –وكثيرا ما يلبس المخرب ثوب الحمق والثرثرة تصنعا ، أو يكون الثرثار العوبة حمقاء بيد المخربين- ولماذا هذه الاجراءات كلها ؟ هل يوجد خائن أو جاسوس بيننا ؟ لماذا لا توءلفون محكمة حزبية وتحاكمونه كما تقتضي الاصول الديمقراطية ؟ لماذا ولماذا ؟ فكأن الثرثار المتمسك بالشكليات يريد ان يقول لماذا لا تريدون ان تنتشر النار لكي يراها الجميع ؟ ولماذا لا تريدون ان تنبهوا المخرب لكي يعرف انكم شعرتم به ليستطيع استبدال اسلوب تخريبه الذي عرفتموه بأسلوب جديد ؟ وكأن الثرثار لا يعلم ان قاعات دور السينما التي تصلح لمحاكمات اولئك المخربين لم تصبح ملكا للشعب ليستطيع الحزب ايقاف اولئك فيها ليجيبوا امام الناس عن جرائمهم ، وان الشرطة لا تأتي لحفظ النظام فيها ولسوق المجرمين الى حيث ينالون عقابهم .. وان صادف وحضرت فلألقاء القبض على من حضر لمحاكمة ذلك الخائن والمخرب أو الخونة ، وكأن الثرثار لايعلم ان المخرب اذا علم مقدار ما يعرف عنه ، وتعرف على خصومه فقد يقوم باعمال كان الحزب في غنى عنها ، فلعل الثرثار أو المتقصد دفعته ديمقراطيته للثقة بالخائن ولعدم الثقة بالحزب وبقيادته . جاءنا ثرثار اندحاري جبان ، كان قد ترك الحزب في ساعة محنته وانضم الى المخربين ، وطلب الرجوع الى الحزب ولكنه أدعى انه كان على حق في ترك الحزب لاسباب ، ومنها ان قرار الحزب في طرد زميل له – شريك في التخريب – كان قرار غير ديمقراطي وغير مشروع أذ لم تتخذ الاصول الصحيحة في قرار طرده ، وعندما سئل عن رأيه في اعمال زميله ورفيقه الذي كان معه في منظمة واحدة ، اجاب انه يتفق في عدم صلاحية المطرود لكي يتمتع بشرف العضوية ، ولكنه يعترض على اسلوب الطرد . ولدينا أمثلة كثيرة من عباد الشكليات ودعاة ديمقراطية الحزب ولكنهم جميعا من حيث النتيجة يعملون على تسهيل عمل المخربين داخل الحزب ، فجماعة رياض –مثلا – يقولـون عنه خائن وليس بجاسوس وأنه خائن بنتيجـة أغلاط غير مقصودة ( ومنهم من يقول بانها مقصودة ) ، انه أخطأ وكل شيوعي قابل لان يخطئ اذ لايوجد في العراق شيوعي كامل ، ويقولون انه أصبح غير كفوء لمركز قيادي ، الا انهم لم يتخذوا قرارا بأدانته ، اذ لايمكنهم اصدار قرار كهذا دون محاكمة في محكمة حزبية وفق الاصول الديمقراطية فعلام يدل هذا المنطق السخيف ((بالديمقراطية)) وماذا يريدون لنا بقولهم ان رياض لم يكن جاسوسا ( ونحن نقول العلم عند الله ) ولكنه خان جماعته ، فسلم أسماء جماعته الى الشرطة ، وأنه اصبح غير لائق لمركز قيادي ؟؟ انهم طبعا اتهموا زميلهم بعد افتضاح أمره لكي يتبرأ شركاؤه ويحل أحدهم محله في قيادة منظمتهم ، أو في (حالة حلها) ستبقى لهم زعامة معنوية –على الاقل- اما قولهم ((انه أخطأ وكل شيوعي يخطئ)) ولا يستطيعون ان يعرفوا ما اذا كان قد أخطأ عمدا او صدفة ، لانهم لا يستطيعون ولوج سرائر الاشخاص ومعرفة نياتهم الحقيقية واما انهم لايريدون ان ياخذوا قرار بحقه أثناء غيابه –دون محاكمته- فلكي لا يؤخذ المخربون داخل الحزب على حين غرة .
هذه بعض الامثلة على موقف المخربين وعباد الشكليات و((الاصول الديمقراطية)) تجاه قرارات الحزب وسياسته كلما سنحت الفرصة ضد الاجراءات التي يتخذها الحزب ضد المخربين واعوانهم ومساعديهم الاغبياء .
جـذور الانتهازيـة
أني ذكرت لكم أشخاصا جاؤوا بأنحرافات وقاموا بتخريبات ، ولكني أحذركم من الظن بأن ذلك لم يكن ليحدث لولا اولئك الاشخاص المعنيون ، احذركم من الظن بأن ماحدث وما يحدث في الحزب مجرد أعمال شخصية (لاتيارات وان لم تتبلور بشكلها النهائي بعد) متصلة بحركتنا ، وان كانت غريبة عنها ايديولوجيا ، ((أني أنكر دور الآشخاص في هذه الانحرافات ولكنهم ليسوا مصدرها انهم نبتات جذورها الراسخة في تربة قطرنا . أن العدو يضحك من عقولنا ويفرح ان نحن حاربنا اوراق الشجرة واغصانها وتركنا جذورها سالمة علينا ان لانكون اغبياء الى حد اعتبار الاخطاء التي نشأت وتنشأ في وسطنا متأتية عن أولئك الاشخاص فنحاربهم دون محاربة التيارات الانحرافية وتنظيف حركتنا منها )) .
فما هي هذه التيارات بالنسبة لحركة العمال والشيوعية ؟
وهل ان العراق تربة صالحة تبت فيها هذه التيارات ؟؟
1- الا توجد في العراق مرتبات من العمال غير الواعين طبقيا (سياسيا) ولا يهمهم في النضال سوى الحصول على زيادة بضعة فلوس من اجورهم وتحسين شروط عملهم ، دون النضال السياسي الشيوعي ؟
ان هؤلاء هم الاقتصاديون عندما يسيرون وراء الافندية الذين يريدون حصر النضال الوطني _ السياسي بهم ، اي بطبقة البرجوازية الحرة .
ان الشراريين قالوا لأمثال هؤلاء العمال بأن الرأسمالي ، صاحب المعمل يستغلكم وينهبكم ويرهقكم ، فما عليكم الا ان تتخلصوا من استغلاله بجمع مبلغ من المال قدره 600 دينار ونحن نساهم بمثل هذا المبلغ فتشتغلون على بركة الله بمشاركة الحزب ، واخيرا لم يجمع المبلغ ففشل الاضراب وخسر العمال جميع ما حصلوا عليه في نضال سنة كاملة ورجعوا الى المعمل بأتعس الشروط ، ولكنهم رجعوا بدون النشيطين الذين كانوا يقودون أضرابهم ، أذ ان الشراريين تمكنوا من الحصول على مبلغ من المال من ابناء عمومة أصحاب معامل الأحذية ( ولعل المتبرع جاد بماله لغير وجه الله ) فأقنعوا أولئك العمال النشطين ، بفتح حانوت لهم ، وهكذا جردوا عمال معامل الأحذية من رفاقهم النشطين ، وحرفوهم عن النضال ، وذهب الأماميون يشجعون أولئك العمال سياسيا وأخلاقيا فصرفوهم عن النضال الى القمار والسرقة ، وهكذا خدم اصحاب ((الشرارة الجديدة)) أصحاب معامل الأحذية ووفروا لهم آلاف الدنانير سنويا وكفوهم شر نضال العمال – بالطبع الى حين- .
2- هل في العراق مراتب من العمال الماهرين ذوي الوعي الطبقي الناقص والممزوج بالأنتهازية أولئك الذين يعيشون أو يريدون ان يعيشوا كما تعيش الطبقة الوسطى ويفكرون مثلها ويريدون ان يحسنوا احوالهم بنضال بروليتاري سلمي ، وهل عندنا عدا هؤلاء مراتب من الطبقات الأخرى ومن المثقفين الذين يهمهم سير حركة العمال على اساس لا ثوري ؟
فهؤلاء هم الأشتراكيون الديمقراطيون الذين ترشيهم الطبقة الرأسمالية في أوروبا بالمراكز الوزارية والرواتب الضخمة ، وترشيهم عندنا –الآن- بتبرعات ومساعدات للزواج ، ووعود بجرائد علنية وحفلات ليلية ، ولا نريد ان نتنبأ عن عطاءاتها لهم في المستقبل.
أن الأشتراكية الديمقراطية –بشكلها المنشفي-تيار في حركة العمال ، لكنه تيار له سياسة معاكسة لقضية العمال ، معاكسة للماركسية – اللينينية تيار يتصف قادته بشعور البتي برجوا وتفكيرها ، تيار انتهازي أدى ببعض أقسامهم –التروتسكيين- الى الخيانة العلنية والتجسس ، فهل أنحرافات المنشفيك عن حزبنا كانت مجرد دوافع شخصية أم انها انبعثت من نفس المصدر الذي انبعثت عنه في البلدان الأخرى ؟
ان الانتهازيين هنا قلدوا اخوانهم المنشفيك-البائدين- في روسيا ولم يأتوا بشئ جديد مبتكر ، انهم قلدوهم لا لمجرد التقليد او حبا به ، ولم يكن هذا التقليد قضية شخصية بل ظاهرة اجتماعية ، اذ ان الظروف التي بعثت الانتهازية عند المنشفيك في روسيا وعند انتهزيي الدولية الثانية هي غير الظروف التي بعثتها هنا وان كانت لا تزال في دورها الابتدائي ولم تتخذ شكلها النهائي كتيار في حركة العمال يحمل ايديولوجية البتي برجوا ويخدم الطبقات الحاكمة ، تيار يريد ان يسير الطبقة العاملة في السبيل الذي تريده الطبقة الرأسمالية والامبريالزم أوعلى الأقل ، يحرفها عن الطريق الذي لا تريده الرأسمالية .
فالانتهازيون عندنا – الذين من فصيلة المنشفيك – حاولوا ان يقنعوا الحزب ((بأن الاشتراكية في العراق سوف لاتكون نتيجة نضال الطبقة البروليتاريا)) و(ان الطبقة) الثورية في العراق والتي بفضل قيادتها سنتوصل الىالاشتراكية هي (طبقة) الافندية ((لذلك يجب ان نفتح ابواب الحزب للأفندية)) و ((ان لاخوف من تذبذبهم طالما الحركة في مد وأنها ستستمر كذلك .. الخ)) انهم حاولوا تقويض النظام والضبط الحزبيين ، واضعاف الثقة بالقيادة وبالرفاق النشيطين ، واوجدوا التكتلات داخل الحزب لغرض التآمر والأستيلاء على قيادة الحزب ، انهم اختاروا الوقت الناسب لذلك بحجة المؤتمر الذي رفض الاشتراك فيه أكثرية اللجنة المركزية وجميع ممثلي فروع الحزب في الخارج وفي وقت لم يكن بأمكان السكرتير حضوره . انهم جمعوا 25 شخصا ممن آزرهم لمطامع شخصية وممن خدع بهم لضعف وعيه الطبقي وقلة اختباره وثقافته الثورية ، وخير دليل على قولنا هذا اجتماعهم الذي نعتوه ﺒ((مؤتمر وعي الطبقـة البروليتاريـة العراقيـة)) والذي عقـد امام أعيـن الشرطـة وبدون تدخلهانتيجة ضمانات أعطاها لهم رياض من ان الشرطة سوف لن تتدخل .
ولم يضع لهم هذا المنهاج واجبا سياسيا سوى اقرار منهاج حزبي انتهازي لا شيوعي أغفل في اهداف الحزب ذكر الدكتاتورية البروليتارية التي تعتبرها الاحزاب الشيوعية كافة ((الشئ الاساسي في الينينية)) و ((جوهر محتويات الثورة البروليتارية)) (ستالين) كما انهم في هدفهم القريب اعتبروا الاقطاع عدوهم المباشر وعلـة العلل ، أمـا الاستعمار فقد أكتفـوا بذكـر كونـه حليف الاقطـاع ، وهذا معناه ، طبعا ، انهم ككل الانتهازيين الذين يخدمون الرأسمالية ينكرون ضرورة الدكتاتورية البروليتارية والثورة البروليتارية ، وتصوروا الوصول للاشتراكية والشيوعية بطريقة سلمية لا عن طريق النضال الطبقي والثورة البروليتارية-وهذا ما تريده الرأسمالية بالفعل لتحويل حركة العمال الثورية الى حركة مسالمة لاضرر منها عليها- وقد يظن البعض ان ابطال ((مؤتمر وعي الطبقة البروليتارية العراقية)) دفعتهم شيوعيتهم الحية و((المرنة)) للتضحية بفكرة الدكتاتورية البروليتارية التي تميز الشيوعيين عن الانتهازيين ، بقصد خدع البرجوازية العراقية (ان كل من يتوهم خدع البرجوازية بهذا الاسلوب لايخدع سوى الطبقة البروليتارية) وجرها للنضال ضد الاستعمار لكنهم رضوا في الوقت نفسه بالاستعمار دون الاقطاع لأنهم قالوا بصراحة في منهاج حزبهم عن أهدافهم القريبة ((ان عدوهم هو الاقطاع)) وانهم يكرهون الاستعمار لانه يسند الاقطاع فاذا مازال الاقطاع زال ، بصورة اوتوماتيكية كرههم للأستعمار لأنهم لا يكرهون الاستعمار لانه يفقدنا سيادتنـا الوطنيـة ولا لأن شركاته ومصارفه تنهب بلادنا وتستنزف دماء عمالنا وفلاحينا وجميع شعبنا .
ان هذا الاجتماع الذي ارادوا ان يصموا به الطبقة العاملة العراقية ينعته ﺒ((مؤتمر وعي الطبقة البروليتارية العراقية)) برهن على عدم وعي المجتمعين فيه ، لا وعيا بروليتاريا ولا وعيا وطنيا ، لانهم انكروا فيه اهداف الطبقـة البروليتاريـة لاقامة الدكتاتورية البروليتارية المعروفة بشكل حكومتها بالديمقراطية السوفياتية ، وانكروا هدف الشعب العراقي التحرري وهوالسيادة الوطنية والتخلص من الاستعمار سياسيا وأقتصاديا .
هذه هي بعض أعمال (( مؤتمر وعي الطبقة البروليتارية العراقية )) – الشريفة- التي لم يخجلوا من نشرها ، أما الاعمال الاخرى التي كانوا قد وعدوا بنشرها ثم خجلوا فأظنها تتعلق بالطعن بأشخاص رفاقنا الذين لم يوافقهم على انتهازيتهم فلا عجب اذن أن رأينا الشرطة العراقية لم تتدخل لفض ((مؤتمرهم)) وأن رأينا وسمعنا أعوان الاستعمار وعملائه ينشطون في الدعوة لذلك ((المؤتمر)) ويجادلون في صحته ويهيئون له ويدعون الى حضوره.
أنهم في كل ما عملوه داخل الحزب قبل ((مؤتمرهم)) لم يستطيعوا تحويل سياسة الحزب الى الاتجاه الذي ارادوه ، ولكنهم في هذا ((المؤتمر)) شقوا الحزب واستطاعوا ان يسحبوا وراءهم فريقا ممن لهم استعداد للتذبذب وممن لم تكن لهم تجارب بأساليب الانتهازية وأغراضها الطبقية ، واستولوا على جريدة الحزب القديمة وعلى ادوات طباعته ومخزن أدبياته ، وبعملهمهذا ظنوا انهم أستولوا على الحزب واصبح بأمكانهم تسيير الحركة الشيوعية كما يشتهون وكما تشتهي الطبقات المعادية. واخذت ميولهم الانتهازية تظهر بوضوح كميل سياسي غريب ومعاد للشيوعية ولحركة العمال الثورية . وقد دلت على هذا تصرفاتهم الشخصية وسلوكهم الحزبي الانتهازي ومساوماتهم في سبيل العلنية على حساب الحركة وتشويههم للحقائق الشيوعية بحجة المرونة الشيوعية ، وأخيرا أستسلامهم وأنهزامهم من الميدان عند أبسط اصطدام بينهم وبين الشرطة . انهم جاؤوا بثلاثة عمال الىلجنتهم المركزية ليظهروا أنفسهم بمظهر حزب عمال ، لكنهم في الوقت نفسه بدلوا صفة أولئك العمال البروليتاريين التواقين الىترفيه حالهم وجعلوهم أصحاب حوانيت ، أي انهم مدوهم بالمال اللازم كرأسمال حرفي وهكذا أصبحوا حرفيين ولم ينسوا في الوقت نفسه فضل الغني الذي مدهم بالمال كرأسمال للحرفيين الجدد ، وكقرض لدفع مهر زعيمهم فأجلسوه بجانبهم في اللجنة المركزية ويكفينا للدلالة على انتهازيتهم ومساوماتهم ، ان ننقل البعض القليل الذي أتحفوا به الجمهور في عدد جريدتهم ((الشرارة الجديدة))- الموؤودة- العاشر والاخير لشهر حزيران1943 : جاء في مقالهم الافتتاحي ((نحن و الحكومة)) المساومة التالية على غلق جريدتهم الشرارة ((.. أعطونا حزبا ديمقراطيا ، وامنحوا لنا حرية التفكير والمجاهرة بالرأي ونحن مستعدون على ان نحجب حتى ((شرارتنا العزيزة)) حتى تتأكدوا من صدقنا ، أننا لسنا اناسا كما تتهموننا ديدننا التخريب وقلب نظام الحكومة ، معاذ الله لسنا كذلك . اذا منحتم لنا حرية التعبير عن آرائنا وسمحتم لنا بتشكيل النقابات والاحزاب كما هو موجود في أمريكا وأنكلترا فنحن مستعدون لان نظهر حسن نياتنا لكم ، بأن نغلق ((الشرارة)) كما (( اظهرها السوفيات لكم بغلق الكومنترن .. أذا فعلتم هذا فسنفعل ذلك فهل أنتم فاعلون ؟ سترينا الايام))
( محل التوقيع ...)

ان المقال عنون ﺒ((نحن والحكومة)) وبدأ موضوعه بأنهم سياسيون محترفون ولا يريدون أن يتخلوا عن ذلك الا أذا تخلوا عن حياتهم وشعبهم ومع ذلك فأنهم لم يكونوا يوما ليناضلوا لقلب النظام الحالي والحكومة الحالية اذا كانت هذه الحكومة منضمة الى جبهة الشعوب الموحدة ضد النازية . وبعد ان عددوا مساوئها انتقلوا الى ((بيت القصيد)) المعتقلين-الذين اعتقلوا في شهر آيار- ووجه الخطاب الى الحليفين الى شرشل وروزفلت العظيمين حول المعتقلين ، وانتهى أخيرا كما ترون فيما نقلناه بالمساومة على تعطيل جريدتهم .
وهنا نحن نقتطف من مقالهم التالي المعنون (( نجدد عهدنـا )) الفقرات التاليـة ((____)) أتخذت الحكومة السوفياتية مؤخرا قرار خطير الشأن يقضي بحل الكومنترن . ومن البديهي أن يكون لمثل هذه القرارات تأثير على اتجاهاتنا السياسية (( ... )) ان اول ما يستخلص من قرار الحكومة السوفياتية هو وجوب السعي لتعزيز التعاون مع الحكومة تعزيزا تاما . نعم هذا هو واجب الساعة ، واذا كنا نحن قد بذلنا الجهود لتحقيق التعاون مع الحكومة ، فأننا يترتب علينا الان مضاعفة هذه الجهود (( ... )) اننا لم نكن يوما ما أعداء لهذه (( ... )) واذ كنا اليوم نجدد عهدنا الى الحكومة بالتعاون معها فلا يعني هذا التعاون ان نتنازل عن مطاليبنا ، بل كل مانبتغيه هو اظهار استعدادنا لازالة العراقيل وكل المفاهيم الخاطئة التي لابست ذهنية المسؤولين عن حقيقتنا .
ولتعلم الحكومة اننا لانبغي من وراء جهادنا تغيير نظام الحكم والقضاء على طبقة من الطبقات ، بل أن مهامنا الرئيسية مكافحة الفاشستية عدونا المشترك (( ... )) ولتعلم الحكومة اننا لسنا حريصين على اصدار هذه الجريدة في كل الظروف والاحوال ، واننا نعلن عن استعدادنا لتعطيلها فيما اذا نزلت عند مطاليب الشعب الجوهرية بمنحها للجماهير الحريات الديمقراطية وفي مقدمتها حرية تأليف حزب ديمقراطي تسمح لتأليفه لأي كان من العناصر الديمقراطية . وفي هذا ما يدلل للمسؤولين عن حسن نيتنا ورغبتنا الشديدة في تجنب السير على خطة قد يجد المسؤولون استفزازا لهم فيها (( ... )) فالاحرى بها – الحكومة – ان تطلق سراح هؤلاء المعتقلين (( ... )) . ان هذا المقال لايختلف عن سابقه في القصد والجوهر الا انه اظهر للحكومة تأكيدات وخضوعا زائدين وتنازلا عن اصدار الجريدة اذا اعطت الحكومة حزبا لغيرهم واذا –وهذا بيت القصيد- أطلقت سراحهم من التوقيف ، وازدادوالها في تأكيدهم بأنهم وان كانوا حزبا شيوعيا الا أنه حزب مسالم يود التفاهم مع الحكومة وترك كل عمل يستفزها ، ويريدون من الحكومة ان تعتبرهم كذلك ليستطيعوا مضاعفة تعاونهم مع الحكومة .
اما ذكرهم عن اتخاذ الحكومة السوفياتية قرارا بغلق الكومنترن فهذا بهتان وزور وأفتراء على الكومنترن وعلى الحكومة السوفياتية ، فبيان الأممية الشيوعية يعطي ضوءا على العوامل التي حتمت على الاممية الشيوعية حل منظمتها ، ولم نقرأ في ذلك البيان أثر لتدخل الحكومة السوفياتية ، كما انه وقع من قبل رئاسة الاممية وسكرتاريتها الذين هم في الوقت نفسه قادة الاحزاب الشيوعية الكبيرة لفرنسا والمانيا واسبانيا وغيرها ، ولم نر تواقيع الحكومة السوفياتية على قرار حل الاممية الشيوعية فليس غريبا على من يريد المساومة ان يتهم غيره بالمساومة لكن ((الشراريين الجدد)) أتهموا الحكومة السوفياتية بالمساومة ، واعتبروا الاممية الشيوعية العوبة بيد الحكومة السوفياتية ، وفي المقال الثالث الذي سننقل اليكم بعض درره وجواهره اتهامات صريحة للحكومة السوفياتية والاممية الشيوعية ، أما قولهم ان ((من البديهي ان يكون لمثـل هذا القرار تأثيـر على اتجاهاتنـا السياسيـة)) فلعلهم لم يقصـدوا مايقولون ، اذ انهم لم يفهموا ان لكل حزب او جماعة سياسية اتجاها سياسيا، والتأثير على الاتجاه السياسي يعني حصول تبدل فيه وهذا يعني الانتقال من معسكر سياسي الى آخر ، أو لعلهم يقصدون ان حل الاممية حتم عليهم تبديل خطتهم ، ونحن بدورنا نسأل هل كانت لهم خطة قبل القرار وماذا كانت خطتهم ، و ((لكي يستطيع المرء تبديل خطة ينبغي ان تكون له خطة-لينين)) . ومن الظاهر ان الجماعة لم تكن لهم خطة ، اذ لو كانت لهم لحصلوا على بديل او عوض عن مساوماتهم التي أدت الى التسليم بدون قيد أو شرط .
ولننتقل الان الى المقال الثالث وهو ((حل الكومنترن)) .. ((ان حل الكومنترن في موسكو أثار أستغراب الكثير وأستفسار الكثير وشوه تفكير الاخر وضيع على الكثيرين مجال تفكيرهم بهذا الصدد بحيث لم يستطيعوا ادراك أسباب ونتائج هذا الحل وعليهأرتأينا ضرورة البحث قليلا في هذه القضية بغية أزالة الغيوم الدكناء التي غشت عيون البعض من ذوي الثقافة الضحلة)).
لقد أحصى صاحب المقال العبقري المستفسرين والمستغربين ومشوهي التفكير وضعيفي التفكير الذين لم يدركوا أسباب ونتائج هذا الحل ، فحصل لديه الكثير+ الكثير+ الكثير الاخر + الكثيرين أيضا ، وأن حاصل الجمع عنده بعض ، فأنبرى ليزيل بقلمه ((الغيوم الدكناء التي غشت عيون البعض من ذوي الثقافة الضحلة)).
ولننظر فيما كتبه لنرى كيف يبدد الغيوم الدكناء التي غشت عيون أصحابه ((ان الكومنترن هو أعلى منظمة للاحزاب الشيوعية العالمية)) ... ((انها تبلور سياسة الاحزاب العالمية)) ... ((ان هذه المنظمة العظيمة تتمشى على سياسة مرنة غير جامدة شأن الاحزاب الشيوعية الاخرى))((ان الحزب الشيوعي السوفياتي ممثل فيها أيضا وله الكلمة العليا)) ... ((اوجدت هذه المنظمة العظمى لحفظ تراث الثورة السوفياتية الكبرى من خطر الدول الرأسمالية ولتوجيه الاحزاب الشيوعية التي تعوزها التجربة توجيها صحيحا لتقف حئلا دون قيام دولة رأسمالية لايذاء الوطن الاشتراكي العظيم)) .. ان الكومنترن قد انحل ليس لان مهمته قد انتهت ، لقد انحل لان الظروف الدولية تتطلب هذا الحل ويفسر لنا كاتبنا العبقري هذه الظروف الدولية ﺒ((ان الحوادث التاريخية الانية جعلت من الضروري القيام بهذه التضحيةمن قبل الاتحاد السوفياتي المحبوب)) .
فلكي يظهر الاتحاد السوفياتي حسن نيته في تسيير دفة الحرب (كأنه لم يظهر حسن نيته قبل حل الاممية) التي تقتضيها الجبهة الموحدة العظيمة والاشتراك في عالم ما بعد الحرب السلمي ، ولكي يظهر الاتحاد السوفياتي أخلاصه لاصدقائه في الجبهة الموحدة ، وأنه لا ينوي قط التدخل في الشؤون السياسيـة الداخليـة للبلاد الاخرى لا بد انه طلب الى الكومنترن حل منظمته المعقودة في موسكو وكانت هذه الحركة الدبلوماسية من جانب الاتحاد السوفياتي خير دليل على حسن نيته في الحرب وفيما بعد الحرب وفي عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى ((؟)) اننا نطيع بيان ديمتروف وزدانوف وتوريز ومارتي ، اننا جنود لستالين وشرشل وروزفلت مستعدون لنموت لتبقى رايتهم ترفرف على المعمورة ، وكل ما نطلب من الحكومة ، بأسم جبهة الشعوب المتحدة وترسيخا لسمعتها في هذا البلد أن تكافح الغلاء وتضرب على أيدي المحتكرين وتطلق –وهنا بيت القصيد- سراح الديمقراطيين . اننا لانكره الحكومة بل نحب شعبنا ، فأنتقادنا للحكومة هو ملاطفة لا أكثر ولا أقل(وتدلل البنت على أمها) دفاعا عن شعبنا لا كرها منا للحكومة او عدم رضانا بوجودها –محصنة بالله- وبأسم الجبهة الموحدة يناشدكم الحزب الشيوعي العراقي اطلاق سراح جميع الديمقراطيين الاحرار ... )) .
لقد أتعبت القارئ بكثرة المنقول فأرجو عذري اذ لابد لي من ذلك وان كنت قد كلفته قراءة أشياء كريهة تعافها الانوف ، وأضيف الان عبارة واحدة وانقلها من مقالهم الرابع ((العقد الاجتماعي)) ليتأكد القارئ من ان هذه المقالات الاربع لم تكتب الا لغرض واحد ..((ولايفوتنا أيضا قبل ختام هذه الكلمة ان نعلن صراحة وعلى الملأ وجهرا في الاعلان بأن الحزب الشيوعي على أهبة الاستعداد الى ان ينقطع عن اصدار جريدته ((الشرارة)) فيما اذا نفذت مطالب الشعب التي ناضلت وتناضل من اجلها وهي ... ((اطلاق سراح جميع الديمقراطيين والشيوعيين حالا)) .. ((لا اخال الحكومة بعدهذا يتسرب اليها الشك من وعدنا اذ أن وعود الشيوعيين لا ريب فيها (ووعد الحر دين) وحل الكومنترن (قميص عثمان) خير دليل على صدق نيتنا في تأييدنا لجبهة الشعوب الديمقراطية ، وأبلغ ما ضحينا لاجلها ، فالى تحقيق هذا العقد الاجتماعي بيننا)) .
هل للقارئ الكريم ان يجد مثل هذه الصفاقة والمسكنة وفقدان الكرامة الانسانية عند كتاب مهما بلغت حقارتهـم وانتهازيتهـم ، اللهـم الا في معسكر (الشرارة الجديدة) و (الى الامام) الموؤدتين.
لقد نزعوا الحياء عن وجوههم والصقوا التهم بالاتحاد السوفياتي وصوروا الاممية الشيوعية لعبة بايدي الدولة السوفياتية ، وأعلنوا ساعة حربهم لقرار ديمتروف وزدانوف وتوريز ومارتي ، وحملوا راية ستالين وشرشل وروزفلت بدون خوف من الموت ، وبالاخير ، سقطوا على اقدام الحكومة طالبين منها ومن الجبهة الموحدة وبأسم الجبهة الموحدة أطلاق سراح المعتقلين ، وليس هذا فقط ، أذ ان كل ما جاء في هذين المقالين والمقالين السابقين لم يكن سوى مساومات بخسة لاطلاق سراح جماعتهم وأسلوب غوبلزي لتحضير أذهان البسطاء من زملائهم لقبول الامر الواقع وهو تعطيل جريدتهم التي سبق ان اتفق قادتهم على تعطيلها في الموقف ، ولم ينسوا ان يختبروا زملائهم اذا كان فيهم من هو مستعد لتوزيع بيان بوأد جريدتهم فوجهوا أسئلتهم بهذا الخصوص في العدد نفسه وفي الصفحة العاشرة –الاخيرة– وهذه بعض أسئلتهم :-
السؤال الرابع : ما الذي يجب عمله فيما لو لبت الحكومة طلب الحزب المشروع بأرجاع الحريات التي اقرها الدستور ، وتأسيس العلاقات مع الاتحاد السوفياتي ، وعدم مطاردة الاحرار والضرب على ايدي المحتكرين والخ .. ؟
السؤال الخامس : ما الذي يجب عمله فيما لو كلفت بتوزيع منشور ؟
السؤال السادس : ما الذي يجب عمله في حالة خيانة أحد الرفاق في اوضاع وظروف مختلفة ؟ (يهيئون جماعتهم لتقبل خيانة سكرتيرهم بحجة ظروف واوضاع مختلفة) وهذه هي الاوضاع والظروف المختلفة كما بينوها في سؤالهم الاتي :
السؤال السابع : ما الذي يجب عمله فيما لو أستمرت الحكومة على اعتقال الاحرار الديمقراطيين والشيوعيين واستعمالها الوسائل غير المشروعة في التحقيق؟
السؤال العاشر : لاجل تأمين مورد مالي للحزب ؟ (طبعا حتى بعد تعطيل جريدتهم وايقاف عملهم لكي يبقى الاثنان مسؤولين عن اعالة اسيادهم الاقطاعيين) .
وبعد هذه المساومات العلنية المفضوحة بين الشراريين والحكومة او بالاحرى بينهم وبين الشرطة ثم الاتفاق بينهم اخيرا على التسليم بدون قيد أو شرط فنشروا بيانهم بتعطيل جريدتهم ((الشرارة الجديدة)) وليس في الامر ما يوجب الدهشة من صدور مثل هذا الشئ عن الانتهازيين (وهكذا فعل أيضا ((المؤتمريون)) بجريدتهم –الى الامام- وبمنظمتهم) . الا ان المدهش في الامر ادعاؤهم بان العظيم ستالين قد اوصى لهم بأن يكونوا شيوعيين و (شيوعيين مرنين) ينبذون الشيوعية الجامدة كما ينبذها هو –ستالين- وان يتمشوا (على نهج شيوعية خالقة) ((مبدعة خالقة)) وكذلك أوجب على الشيوعيين المرنين –البهلوانية- الذين ينبذون الشيوعيـة الجامدة والذين يتمشون على نهج ((شيوعية خالقة ، مبدعة خالقة)) ان يكونوا مستعدين للتضحيـة بكل شئ حتى بالشرارة العزيزة عليهم وهكذا فعلـوا للاسباب التاليـة كما جاء في بيانهم :-
أ- ان صدور قانون تنظيم الحياة الاقتصادية أرعب المحتكرين فولوا الادبار .. ((ان السوق يهبط هبوطا مستمرا وفوضى الاسعار في طريقها الى التلاشي ))- الكلام في حزيران 1943-.
ب- لاينكر (لاينكر سوى الحسود) ان الحكومة سمحت ببعض الحريات الديمقراطية فالجرائد حسنة والمجلات – وهل هناك جرائد ومجلات حرة لتكتب ؟- كافة تستطيع ان تكتب ما تشاء لحد ما وهذه حسنة نسجلها للحكومة .
ﺠ- أعتقالها للنازين (( ... )) واطلاق سراح بعض الديمقراطيين (( ... )) فعلى ضوء هذه المعلومات ، وبناءا على الظروف الناشئة من حل الكومنترن – الاممية الشيوعية – وبناء ... وبناء .. – قررت اللجنة المركزية للحزب السيوعي العراقي (حزب الشرارة الجديدة الموءودة) بأجماع الاراء غلق جريدة الشرارة ، وستكون هذه التضحية من حزبنا بمثابة دليل عملي على حسن نيتنا تجاه الحكومة .. )) ولكي يكتسب بيانهم هذه الصفة الرسمية : ولكي تثق الشرطة العراقية بكلامهم ، أرسلوا صورة منه الى :
1- سموالوصي المعظم .
2- فخامة رئيس الوزراء ووزرائه .
3- مجلس النواب .
4- السفارة البريطانية .
5- السفارة الامريكية .
6- مديرية الدعاية العامة .
7- السفارات والقنصليات العربية .
أكتفي بنقل هذا المقدار من تفكير وآراء الانتهازيـة التي ظهرت في حركتنـا والمعروفة بحركة ((الشرارة الجديدة)) و ((المؤتمريين)) (الاماميين) وكيف أخرجوا اراءهم الى حيز العمل ، ونشرو الفوضى والتبلبل بين كثير من الرفاق والعمال وحتى بين بعض الطيبين منهم .
ان أهم ما تتطلبه حركتنا الان هو القضاء على هذا التبلبل وهذه الفوضى عند بعض الرفاق الحزبيين الذين هم خارج الحزب وتنوير رفاقنا الحزبيين بجوهر الموضوع ليستطيعوا اداء واجباتهم في القضاء على هذا الخطر ، لابد لهذا من معرفة جوهر القضية ، لابد من ان نميز ما اذا كانت هذه الانتهازية التي اتخذت شكلها الصريح نتيجة أعمال شخصيته ومؤامرات أشخاص ام انها صدرت عن انحرافات خطرة لها عوامل اجتماعية في ظروفنا الموضوعية .
لقد عالجت الموضوع وبينت العوامل المؤاتية لنمو هذه الانحرافات – يمينية و يسارية – في وسطنا ، وللتوسع في فهم الموضوع والتوجه الصحيح لمكافحته آثرت ان أنقل اليكم من خطاب الرفيق ستالين في الاجتماع الواسع للجنة موسكو ولجنة المراقبة –لمنظمة موسكو-للحزب الشيوعي-البولشفي-في 19 تشرين الاول عام 1928 ((أظن ايها الرفاق علينا قبل كل شئ ان نجرد افكارنا عن الجزئيات والامور الشخصية ، وما أشبه ، لكيما تستطيع حل مسألة الانحراف اليميني الذي يهمنا اليوم ، هل يوجد في حزبنا خطر انتهازية يمينية ؟ هل توجد عوامل موضوعية مؤاتية لنمو خطر كهذا ؟ كيف يجب محاربة هذا الخطر ؟ هذه هي الاسئلة التي تجابهنا الان ، الا اننا سوف لا نستطيع حلها ما لم نطهرها من جميع الجزئيات والعناصر غير المتعلقة بالامور التي تربكنا والتي تمنعنا من تفهم جوهر القضية))((لقد أخطأ زابولسكي في أعتباره قضية الانحراف اليميني أمرا عرضيا ، لقد صرح بانها ليست أنحرافا يمينيا بل مجرد مشاغبة ودسائس شخصية .. الخ .. ولنفرض لحظة ان المشاغبة والدسائس لها بالفعل بعض التدخل في ذلك ، كما لها عادة في كل نضال ، لكن ارجاع كل شئ للمشاغبة والتقصير عن رؤية جوهر القضية الذي وراءها معناه الخروج عن السبيل الماركسي الصحيح اذ ان منظمة واسعة متراصـة ، كمنظمـة موسكو ذات المقام الراسخ لايمكن تحريفها من القمـة الى الاسفل واهاجتها بمساعي بعض المشاغبين او الدساسين . لا أيها الرفاق ، ان مثل هذه الاعاجيب لا تحدث ولا حاجـة لي للتأكيـد لكم بأن قوة منظمـة موسكو وقدرتها لايمكن تقديرها بمثل هذا الاستخفاف ومن الظاهر ان اسبابا أكثر حقا كانت قد عملت فيها اسباب لا علاقة لها بالمشاغبة والدسائس)) .
((وفرونتوف لقد أخطأ كذلك ، اذ أنه بالرغم من اقراره بوجود خطر يميني الا انه يظن ان المسألـة لاتستحق اناسا جديين مشغولين وانشغالهـم بها جدا وفي رأيه ان قضية الانحراف اليميني ليست سوى موضوع لمثيري الضوضاء للجديين من الناس. اني افهم فرونتوف جيدا ، انه غارق بأشغاله اليومية العملية ، وليس له وقت للتفكير بمستقبل تطوراتنـا ، لكن هذا لايعني ان علينـا ان نحول الاتجـاه العلمي الصرف والضيق عند بعض رفاقنـا الحزبيين الى دوغمـا –عقيدة- من دوغميـات عملنـا العمراني ، ان اتجاها عمليا صحيحا لهو من الاشياء الحسنة ، لكن هذا الاتجاه اذا فقد (بعد النظر في المستقبل) في العمل وعجز عن اخضاع العمل الى خطة الحزب الاساسية فانها ستصبح رجعة ومع ذلك فلا يجب ان يكون من الصعب الفهم بان قضية الانحراف اليميني لهي قضية خطة حزبنا الاساسية ، انها قضية تقرير ما اذا كانت أهداف مستقبل التطور التي رسمها حزبنا في المؤتمر الخامس عشر صحيحة أم خطأ)) .
((وكذلك أخطأ الرفاق الذين عند بحثهم قضية الانحراف اليميني ركزوا على قضية الافراد الذين يمثلون الانحراف اليميني ، وقالوا أرونا اليمينيين والموفقين سموهم لنا ونحن نصفي الحساب معهم . ان هذه ليست الطريقة الصحيحة لعرض القضية ، ان للافراد أهميـة طبعا ، غير ان القضيـة ليست قضيـة افراد بل قضيـة الظروف والمواقف التي توجد الانحراف اليميني في حزبنا . لذلك قضية الافراد لاتحل القضية بالرغم من انها دون شك ذات أهمية . واذكر بهذه المناسبة حادثا وقع في أوديسا في نهاية عام 1919 أو في بداية عام 1920 ، عندما كانت جيوشنا تدمر جيوش دينيكين في أوديسا بعدما طردتهم من أوكرانيا . ان عددا من الجنود الحمر لم يتركوا زاويـة من أوديسا لم يفتشوها للعثور على ((الحليفة)) معتقدين بأنهم أسروها –الحليفة- فان الحرب ستنتهي ، فمن المفهوم ان جنودنـا الحمر لو صدق وأسـروا بعض ممثلـي الحلفاء في أوديسا ، فان ذلك بالطبع لم يكن لينهي قضية الحلفاء ، لان جذور الحلفاء لم تكن مغروسة في أوديسا ، بالرغم من ان أوديسا كانت حينذاك مقر دينكين الاخير ، بل في الرأسمالية العالمية وما قلناه عن اولئك الجنود نقوله عن بعض رفاقنا الذين ، في قضيـة الانحراف اليميني يركزون على الافراد الذين يمثلون ذلك الانحراف ، ناسين الظروف التي تبعث الانحرافات ، ولهذا السبب علينا اولا تفهم الظروف التي تبعث الانحراف اليميني وكذلك ((اليساري))- التروتسكي عن الخطة اللينينية)) .
((ان الانحراف اليميني في الشيوعيـة في الظروف الرأسمالية ميل وانعطاف وان كان في الحقيقة لم يتبلور بعد ، وربما لم يدرك بوعي حتى الان ، ولكنه مع ذلك فهو ميل من قبل قسم من الشيوعيين للابتعاد عن الخطـة الماركسية الثورية الى اتجـاه الاشتراكية الديمقراطية . وعندما تنكر جماعات معينة من الشيوعيين شعار ((طبقـة ضد طبقة)) في الحملات الانتخابية –في فرنسا- أو عندما يكونون معارضين لتقديم الحزب الشيوعي مرشحين مستقلين –في بريطانيا العظمى- او عندما يكونون غيـر راغبين في القيام بحملة نضال شديدة ضد يساريي الاشتراكيـة الديمقراطيـة – في المانيا- الخ الخ .. فان هذه تظهر لنا وجود افراد في الاحزاب الشيوعيـة يعملـون على تكييف الشيوعية الى الاشتراكية الديمقراطية . فأنتصار الانحراف اليميني فـي الاحزاب الشيوعية ، في الاقطار الرأسماليـة ، معناه الانهيار الايديولوجي للاحزاب الشيوعية ، وزيادة عظمى في قوة الاشتراكية الديمقراطيـة وماذا تعني زيادة عظمى في قوة الاشتراكية الديمقراطية ؟ انها تعني تقوية وتثبيت الرأسمالية ، لان الاشتراكية الديمقراطية هي الدعامة الرئيسية للرأسمالية في وسط الطبقة العاملة .
وهكذا فانتصار الانحراف اليميني في الاحزاب الشيوعية في الاقطار الرأسماليـة سيزيد في الظروف الملائمة لابقاء الرأسمالية .
هناك بعض مقتطفات حول الموضوع ننقلهـا من خطاب الرفيق ستالين -1929- عن الانحراف اليميني في الحزب البولشفي – أختلافات - مع بوخارين- في قضايا الكومنترن .
((والقضيـة الثانيـة هي قضيـة الميل التوفيقي في احزاب الاممية الشيوعية .لقد تضمن موضوع بوخارين ضرورة محاربـة الانحراف اليميني ، ولكنه لم يقل كلمة واحدة عن محاربة ميل التوفيقيين مع الانحراف اليميني .
ان ذلك بالطبع نقص فاضح ، اذ انـه عندمـا تعلن الحرب على الانحراف اليميني يتخفى الانحرافيون اليمينيون عادة بزي الموفقين ، ويجعلون الحزب في موقف حرج ولكي نمنع مناورة منحرفي اليمين هذه يجب علينا ان نلح بأثارة حرب صادقة ضد الميل التوفيقي)) .
((والقضية الرابعة هي قضية الضبط (دسبلن) لم يحتو موضوع بوخارين على ذكر ضرورة حفظ الضبط الحديدي في الاحزاب الشيوعية وكان هذا أيضا نقصا ذا أهمية غير قليلة ولماذا ؟
لانـه في الوقت الذي تكون فيه الحرب ضد المنحرفين اليمينيين في اشتـداد ، في الوقت الذي يكون فيه شعار تطهير الاحزاب الشيوعية من العناصر الانتهازيـة نافذ المفعول ، يعمد المنحرفون اليمينيون عادة الىتنظيم امفسهم ككتلة ، ويضعون ضبطا خاصا بكتلتهم ، ويمزقون ضبط الحزب ويحطمونه .
وللمحافظة على الحزب من هجمات منحرفي اليمين الكتلية علينا ان نشدد في ضبط حديدي في الحزب وعلى خضوع لا شرطي من قبـل أعضاء الحزب لهذا الضبـط وبدون هذا لا يمكن ان تثار حرب جدية ضد منحرفي اليمين)) أظن ان فيما نقلته عن الرفيق ستالين الكفاية ليوضح لنا :-
1- ان الانحـرافات في الاحزاب الشيوعيـة في الاقطار الرأسماليـة ، هو ميل ، ومن قبل قسم من الشيوعيين للابتعاد عن الخطة اللينينيـة الثوريـة والاتجاه نحو الاشتراكية الديمقراطية ، وتكييف الشيوعية وفق الاشتراكية الديمقراطية التي هي دعامة الطبقات المستثمرة في حركة العمال .
2- وان الحرب ضد الانحرافات يجب ان لاتقتصر على تنحية الانتهازيين وتطهير الحزب منهم ، بل ان تحارب الانحـرافات كميل خطر جدا له جـذوره في الاوضاع الاجتماعيـة والاقتصاديـة في القطـر ، اي ان نحارب الافكار التي تنبعث منهـا الانتهازيـة .
3- ان لا ينشغـل الثوريـون عن الانحرافات باعتبارهـا خطـرا على الحزب ، بأعمالهم الحزبية الاعتيادية الانية دون التفكير بمستقبل الحركة واهدافها ، وبدون الانتباه الى ان انتصار الانحرافات داخل الحزب معناه ضياع الامل بتطور الحركة .
4- وجوب تطهير الاحزاب الشيوعيـة من المنحرفيـن بأعتبارهم اداة النفـوذ البرجـوازي – المعـادي داخل حزب البروليتاريـا ، وان تشن الحـرب لا علـى الانتهازين المفضوحين فحسب بل كذلك على الموفقين .
5- ان يفرض ضبط حديدي على الاعضاء وخضوع لا شرطي لهذا الضبط وبهذا فقط يمكن تحطيم تكتلات المنحرفين داخل الحزب ، بالوقوف ضد هجماتهـم لتنفيذ شعار تطهير الحزب الشيوعي من الانتهازيين .
لقد بينت في مستهل هذا القسم من موضوعي وجود العوامل الموضوعية والمؤاتية لنهوض الانتهازية في بلادنا ، وان هذه الانتهازية وان لم تكن واضحـة ( بالنسبـة لحركـة العمال في اوروبا ) الوضوح الكافي ، قـد ماثلت في تفكيرهـا وسلوكهـا انتهازية الاشتراكيـة الديمقراطيـة بشتى فصائلها ، ولم يكن من الغريب ان تظهر انعكاساتهذه الانتهازية (بالاضافـة الى الانتهازيـة التي تعكسها الطبقات الاخرى بسبب وضع البلاد الاقتصادي والاجتماعي وطبيعة نضالنـا التحرري) في حزبنا بشكل انحرافات يمينية ويسارية عن الخطة الثورية اللينينية ، ولم يكن من الغريب ان تظهر بشكل عنيف جارف ، وفي الوقت نفسه مبهم ومشوش ، وما سبب ذلك الا ظروفنا الذاتية والموضوعية ظروف قطرنا السياسية والاجتماعية ، هذا القطر الصغيـر المتأخر ، والجامع في الوقت نفسه لحزمة من متناقضات الامبريالزم ، وظروف طبقتنا العاملة الفتية التي لم يمض وقت طويل على خروجها من طبقة الفلاحين والحرفيين وصناعهم وممن انحدر من مراتب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة .
ان بلادنا مستقلة وغير مستقلة ، تحكم من قبل وطنيين لكنها لاتملك السيادة الوطنية ، انها ديمقراطيـة لكن الشعب لايستطيع ممارستها ،بلادنا غنيـة لكن شعبنا يتضور جوعا ، الملكيـة الشخصيـة وحريـة التجارة محترمتان لكن موارد البلاد الرئيسية وثروتها الطبيعيـة مسلوبـة ومحتكرة من قبـل ملوك المال الاستعماريين ومن قبل مصارفهم وشركاتهم ، انتاجنـا متأخر وفلاحونـا يقلبـون الارض بمحراث خشبي ويحصدون بمنجل يدوي واحيانا يقلعـون الحاصل قلعـا من جذوره بأيديهم لكن ما ينتجونه بضاعـة مرتبطـة بالسوق العالمية ومحتكرة من قبل الشركات الرأسماليـة الاحتكاريـة العالميـة ، شعبنا يكد ويكدح ليقدم الضرائب لا لتصرف على مصلحة الشعب ، بل لاعالة جيش من البيروقراطية وجهاز حكومي اقيم لارغام الشعب باللين والقوة لمشيئة الامبريالزم وشركاته .
ان العـراق يشكل انتاجه الزراعـي المتغلب ليس القطر الرأسمالي لكنه في نفس الوقت قطر ينتج البضاعـة للسوق العالميـة المحكوم سياسيـا واقتصاديـا من قبل الامبريالزم العالمي وشركائـه ، يضاف الى هذه التناقضات الناجمـة عن الحالـة الدولية وعن النضال الطبقي المحلي .
فالعراق مستقـل بالنسبـة الى بعض اقسام الطبقتين ، طبقـة الاقطاع وطبقـة الرأسماليين والتجار وبالنسبة الى محترفي التوظيف من الوزراء وكبار الموظفين الذين اوشكوا ان يندمجوا في هاتين الطبقتين وبالنسبة الى القشرة الفوقانية من المرتبات والطبقات الاخرى . اما لمجموع الشعب الذي يتمثل بصغار المنتجين من الفلاحين والحرفيين وغيرهم ، وبالعمال والموظفين الصغار فهو ليس غير مستقل فحسب بل مبتلى باستثمار مركب ، اجنبي ووطني ، وبعبوديات جميع المجتمعات الطبقية التي عانتهاوتعانيها البشرية . فلا عجب ان رأينا الشعب العراقي بصـورة عامة ، والبروليتاريا العراقية ، ساخطا ناقما وثائرا (وان كانت ثوريته لاتزال شبـه فطرية لابتعاده عن التنظيم والنظرية الثورية) ، ولا عجب ان رأينا الامبريالزم ومعه المنتفعون من الوضع (وحتى الطبقات والفئـات الثوريـة بحكم نضالهـا الوطني ، والرجعيـة بحكم تفكيرها وبحكم مصالحها الطبقية) يرهبون ثورة الشعب وسخطـه ويحسبون له الحساب ، ولا عجب ان رأيناهم يحاولون مساعدة الانتهازيين في حركة العمال على ركوب صهوة جواد البروليتاريا لأخذ العنـان بأيديهـم وتحويـل رأس الجواد أو ايقافه عن الجري ، او على الاقل الحد من سرعة جريه .
ولاعجب ان رأينا الانتهازية تظهر داخل حزب البروليتاريا بشكل انحرافات يمينية او يسارية ، كلما تطورت الحركة وفي كل خطوة جديدة يخطوها الحزب الشيوعي في نضاله ، وردا على واجبات جديدة يرسمها للحركة . فالانحرافات التي ظهرت داخل حزبنا كانت نتيجة التصادم الطبقي بين الطبقة البروليتارية العراقية ومستغليها ، وكذلك نتيجة تصادم القوى الوطنية والامبريالزم .
وقد صدق رياض عندما قال بأن ((مؤتمره)) جـاء دليلا على وعـي الطبقـة البروليتارية العراقية ، اذ لولا وعي الطبقة البروليتارية العراقية ، ولولا حركتها الفتية المتنامية لما أضطرت الانتهازيـة الىعقد ذلك الاجتماع لتشطر به الحزب الشيوعي بغية ضرب حركة العمال ، الا ان سهمهم طاش ، ورجع كيدهـم الى نحرهم.
ومما ساعد على بروز الانحرافات داخل حزبنا بشكل خطر ، حداثة عهد البروليتارية العراقية اذ ان معظم عمالنا العراقيين جاؤوا حديثا من طبقة الفلاحين والحرفيين ولا يزالون بتفكيرهم اقرب الى البرجوازية الصغيرة من البروليتاريا ، يضاف الى ذلك قلة اختبارهم بأساليب الانتهازية ، وقلة الكادر الحزبي المتقن للنظرية الثورية وتطبيقها ، يضاف الى ذلك انعدام الاحزاب العلنية (الديمقراطية) والنقابات في القطر ، مما دفع كثيرا من العناصر غير البروليتارية من اعداء الاستعمار واعداء الوضع بصورة عامة ، والموظفين والطلاب غير المسموح لهم بالاشتغال بالسياسة وطلاب التزعم والمراكز وعشاق حب الظهور وأقسام العمال الذن لايهمهم سوى تحسين احوالهم المعاشية ، أقول مما دفع جميع هؤلاء الى التهافت على الحزب الشيوعي للعمل فيه . فلو كانت في القطر احزاب ديمقراطية ونقابات لوجد هؤلاء ضالتهم فيها ، ولتمكن الحزب في الوقت نفسه من تجنيد الطليعة على اساس اختبار نضالهم وميولهم في تلك المؤسسات .
ولقد سلكت الانتهازية طرقـا ملتويـة في نشاطها لاخفاء حقيقة كونها انحرافا عن الخطة اللينينية الثورية ، لاخفاء كونها ميلا (لا مؤمرات افراد) غريبا عن الشيوعية . كان الانتهازيـون يصرخون بملء افواههم بان سياسة الحزب وخططـه كانت صحيحة ، لكنهم عمليا كانوا يعاكسون سياستـه ويعرقلون خططه واستمروا على ادعائهم هذا وعلى سلوكهم المعاكس حتى نشروا بيانهم بتعطيل جريدتهم ((الشرارة الجديدة)) وكذلك أدعى وسلك الانتهازيون الذين لم يدخلوا الحزب ابدا ومعهم المطرودون من الحزب ، عملوا كل شئ ، لاظهار حركاتهم بكونهاحركات فرديـة ، بين اشخاص عملوا على تحطيم الضبط الحزبي ليتهموا القيادة بالضعف ، وفي نفس الوقت يصرخون متشكين (من دكتاتورية القيادة ، اي دكتاتورية السكرتير) كانـوا يخربون ويلقون تبعة التخريب على ((ضعف القيادة)) كانوا ينقسمون الى كتل داخل الحزب يمسك بعضها بطرف واحد من الحبل ويمسك الاخر بالطرف الثاني محاولين اثارة الشغب والفوضى داخل الحزب ، وكانوا يثيرون حروبا (مصطنعة احيانا) فيما بينهم ليحولوها الى حرب ضد القيادة وكانوا يعرقلون اجراءات القيادة ضد الخونة والمنحرفين ويحمونهم ليرجعوا بعد بضعة اسابيع فيتهموا القيادة بتحملها تبعة امثال هؤلاء الخونـة داخـل الحزب ، كانوا يحاولـون اغراق الحزب بالعناصـر غير البروليتارية وغير المرغوب فيها وفي الوقت نفسه يهملـون تنظيم العمال وتثقيفهم ويحدون من نشاطهم ويحاولون كسر أضراباتهم ، وكانوا يفسرون الجبهـة الوطنية الموحدة بادخال ، كل من لايريد الفاشستية ، داخل الحزب ووضع منظمات الحزب والشيوعيين تحت نفوذ الاصنام ، وقد كانوا بالفعل يتجسسون ويقومون بدعاية واسعة داخل الحزب لاشخاص في الخارج يدعون التقدم في افكارهـم . وبالاخيـرفانهـم ماركسيون لينينيون متمسكون باللينينيـة الثوريـة وسياسـة الحزب وخططه لكنهم لايتفقون مع سلوك سكرتير الحزب ودكتاتوريتـه لذلك خلقوا لهم ضبطا كتليا خاصا بهم ، وعملوا على نشر دعاية واسعة بين من تلمشوا فيه ضعفا من الاعضاء بغيـة السيطرة على الحركة ، وكلما انشق فصيـل منهم وجد لـه في سلـوك السكرتيـر الدكتاتوري حجة (بعد خروج الفصيل طبعا) وادعى زورا تقديم اقتراحات تنظيمية لم تجب وانه لايستطيع نفع الحركة داخل الحزب لان اللجنـة المركزية تؤيد السكرتير ولا تؤيده هو ، واذا افتضح احدهم او بعضهم وظهرت خيانتـه فذلك بالطبع ، في نظرهم ، سلوك شخصي خاص بهؤلاء الافراد لاعلاقة لهم به ، لانه ليس في الامر ميل انتهازي واتجاه غريب ، بل مجرد خيانـة افراد او اخطاء افراد (وسبحان من لايخطئ) وهل في العراق شيوعي معصوم من الخطأ وأخيرا من المسؤول ؟
فليس هناك ميل انحرافي خاص لتلقى عليه التبعية ، والافراد بشر مساكين لابد لهم من الخطأ اذن من المسؤول ؟ (حسب ادعائهم) لابد ان يكون ((ضعف القيادة)) او ((انشقاق الحركة)) . بهذا المنطق يحاولون اخفاء الانحراف كميل ويبررون خيانة زملائهم في الانتهازية ، ويلقون تبعتها على القيادة وهلم جرا ..
لقد عانت الانتهزية عندنا هزيمة وفضيحة تلو فضيحة وحاولت ستر هذه الهزائم والفضائح بالقاء تبعتها على عاتق غيرها ، ونجحت الى حد بعيد رغم هزائمهـا وفضائحها ورغم التفسخ الذي اصاب قادة الانتهازيـة ، من حجر فريق كبير من الرفاق الطيبين ومنعهـم من الرجوع الى الحزب ، ومن الوقوف في طريق سير الحركة الوطنية وحركة العمال ، وحجتها في ذلك شعارها القائل بتدهور الحركـة بسبب وجود ثلاث كتل (او اربع كتل) شيوعية ، وفي الوقت نفسه برهن الانتهازيون على انهم لايريدون وحدة ، ولا يريدون حزبا شيوعيـا ذا وحدة في الارادة والعمل والتنظيم ، وبمعنى اصح ، انهم يريدون تبرير موقفهم امام الرفاق الطيبين الذين قد تنطلي عليهم دعوتهم الكاذبة للوحدة- كما شرحناها في النشرة الداخلية التي وزعناها على الرفاق الحزبيين – لكيما يسهل عليهم القيام مرة اخرى بمناورة جديدة لضرب الحزب الشيوعي ضربة ((موحدة)) انهم يطبخـون الان الوحدة ، وحدة جميع الكتل الانتهازية ، وجميع الافراد الذين لفظتهم الشيوعيـة في اتحاد واحد بزعامة (انهم بالطبع كلهم زعماء) خائن جديد ترك صفوفنـا مؤخرا ، انهم يتفاوضون فيما بينهم الان من اجـل هذا الاتحـاد وعاملـون على لم الشعث في اتحـاد بين الافـراد والجماعات التي كره بعضهـا البعض ويحارب بعضها البعض وتتناقض مصلحـة بعضهـا مع مصلحـة البعض ، والحرب بينها مستمرة منذ ان دخلـوا في الحركة ولا يوحد فيما بينهم سوى انتهازيتهم وكرههم للحزب الشيوعي ، فالاتحاد اذن مفهوم غرضه ، وهم لايخفـون هذا الغرض ، انه اتحاد ضد الحزب الشيوعي العراقي –القاعدة- كاتحاد اب الذي جمع تروتسكي من جميع فصائل المنشفيك ضد البولشفيك .
انهم تركوا الان فكرة الحزب الشيوعي الموحد واستعاضوا عنها بنظرة الحزبين ، مدعين بان الحزبين ((شيوعيين)) خير من اربع فرق انتهازية في كتلة كبيرة تضم اليها الاعوان المبعثرين تقوم بهجوم موحد ضد الحزب الشيوعي –القاعدة-لتستقل- هي بالحركة وتسيرها وفق مشتهاها ، وبمعنى أصح وفق مشتهى أعداء الحركة .

فريديريك انجلز - حياته و اثاره:فلاديمير لينين


اي مشعل للفكر قد انطفا
اي قلب توقف عن الخفقان!

في 5 اغسطس (اب) 1895 توفي فريديريك انجلز في لندن. لقد كان انجلز بعد صديقة كارل ماركس (المتوفي في 1883) ابرز عالم و مرب للبروليتاريا المعاصرة في العالم المتمدن باسره. و منذ ان جمع المصير كارل ماركس و فريديريك انجلز اصبح عمل حياة الصديقين عملا مشتركا. و لذا لاجل ادراك ما صنعه فريديريك انجلز في سبيل البروليتاريا ينبغي ان نفهم بوضوح الدور الذي اضطلع به مذهب ماركس و نشاطه في تطوير الحركة العمالية المعاصرة. لقد كان ماركس و انجلز اولى من بينا ان الطبقة العاملة تولد بالضرورة مع مطالبها من النظام الاقتصادي الحالي الذي مع البرجوازية يخلق و ينظم البروليتاريا بصورة حتمية. و بينا ايضا ان ليست المحاولات الطيبة التي يقوم بها هؤلاء او اولائك الاشخاص الكرماء هي التي ستحرر الجنس البشري من البلايا التي تضغط عليه في الوقت الحاضر بل النضال الطبقي التي تخوضه البروليتاريا المنظمة. و قد كان ماركس و انجلز اولى من برهنا في مؤلفاتهما العلمية على ان الاشتراكية ليست ضربا من تخيلات الحالمين بل هي الهدف النهائي و النتيجة الضرورية لتطور القوى المنتجة في المجتمع المعاصر. ان كل التاريخ المكتوب حتى ايامنا هذه قد كان تاريخ نضال الطبقات و تعاقب سيطرة و انتصارات طبقات اجتماعية على طبقات اخرى. و هذه الحالة ستدوم ما دامت اسس نضال الطبقات و السيطرة الطبقية قائمة – اي ما دامت الملكية الخاصة و الانتاج الاجتماعي الفوضوي قائمة. ان مصالح البروليتاريا تتطلب تدمير هذه الاسس فينبغي اذن ان يوجه ضدها نضال العمال المنظمين الواعي الطبقي. و الحال ان كل نضال طبقي هو نضال سياسي.

ان كل البروليتاريا المناضلة في سبيل انعتاقها قد استوعبت الان اراء ماركس و انحلز هذه. و لكن عندما ساهما الصديقان في السنوات الاربعين بالمنشورات الاشتراكية و الحركات الاجتماعية في عصرهما بدت هذه المفاهيم جديدة تماما. فعديدين حينذاك كان الناس الموهوبون او غير الموهوبين الشرفاء او غير الشرفاء الذين كانوا لا يرون تضاد مصالح البرجوازية و البروليتاريا نظرا لانسياقهم في غمرة النضال في سبيل الحرية السياسية و ضد استبداد الملوك و البوليس و رجال الدين. بل ان هؤلاء الناس كانوا لا يقرون بالفكرة القائلة ان في وسع العمال ان يعملوا كقوة اجتماعية مستقلة. و من جهة اخرى كان عدد كبير من الحالمين و من الحالمين ذوي العبقرية احيانا يعتقدون بانه يكفي اقناع الحكام و الطبقات السائدة بجور النظام الاجتماعي القائم من اجل اقامة السلام و الرفاه الشاملين على الارض. و كانوا يحلمون باشتراكية لا صراع من اجلها. و اخيرا كان جميع اشتراكيي ذلك الحين تقريبا و اصدقاء الطبقة العاملة بوجه عام لا يرون في البروليتاريا سوى قرحة و كانوا يرون في رعب ان هذه القرحة تكبر بقدر ما كانت الصناعة تتطور.. و لذا كانوا يسعون وراء جميع الوسائل لاجل وقف تطور الصناعة و البروليتاريا لاجل وقف "دولاب التاريخ". و على نقيض الخوف العام الذي يستثيره تطور البروليتاريا كان ماركس و انجلز يضعان كل املهما في نموها المتواصل. فكلما ازداد عدد البروليتاريين تعاظمت قوتهم بوصفهم طبقة ثورية و اقتربت الاشتراكية و اصبحت ممكنة. على هذا النحو يمكن التعبير ببضع كلمات عن ماثر ماركس و انجلز ازاء الطبقة العاملة: لقد علماها ان تعرف نفسها و احلا العلم محل الاوهام.

لذا ينبغي ان يعرف كل عامل من العمال اسم انجلز و حياته. و لهذا يترتب علينا في كتابنا هذا – الذي يهدف كما تهدف جميع منشوراتنا الى ايقاظ الوعي الطبقي لدى العمال الروس – ان نرسم حياة و نشاط فريديريك انجلز احد مربي البروليتاريا المعاصرة العظيمين. ولد انجلز عام 1820 في بارمن وهي مدينة من اقليم ريناني تابع لمملكة بروسيا. و كان والده صاحب مصنع. و في 1838 اضطر انجلز لاسباب عائلية و قبل ان ينهي دراسته الثانوية لان يعمل مستخدما في مؤسسة تجارية في مدينة بريمن. و لكن الاعمال التجارية لم تمنع انجلز قط من العمل على تثقيف نفسه علميا و سياسيا. فمنذ ما كان في المدرسة الثانوية حقد على الاوتوقراطية و على تعسف الدواوينية (البيروقراطية). و قد دفعته دراساته الفلسفية الى ابعد من ذلك. فقد كان مذهب هيغل في ذلك الحين مسيطرا على الفلسفة الالمانية و اصبح انجلزمن اتباعه. و مع ان هيغل نفسه كان معجبا بالدولة البروسية الاتوقراطية التي كان يخدمها بوصفه استاذا في جامعة برلين فقد كان مذهبه مع ذلك ثوريا. ان ايمان هيغل بالعقل البشري و حقوقه و مبدا الفلسفة الهيغلية الاساسي الذي يعتبر العالم في حركة تفاعل دائمة عن التحول و التطور قد قاد تلامذة الفيلسوف البرليني الذين كانوا لا يريدون ان يقرروا قبول الواقع الى التفكير بان النضال افسه ضد هذا الواقع و ضد الظلم القائم و الشر السائد هو من صلب القانون العام للتطور الدائم. اذا كان كل شيء يتطور و اذا كانت مؤسسات تقوم مقام اخرى فلماذا تدوم الى الابد اوتوقراطية ملك بروسيا او قيصر روسيا و لماذا يدوم ثراء اقلية ضئيلة جدا على حساب الاكثرية الساحقة و لماذا تدوم سيطرة البرجوازية على الشعب؟ كانت فلسفة هيغل تعالج تطور العقل و الافكار: لقد كانت مثالية تجعل تطور الطبيعة و الانسان و علاقات الناس الاجتماعية ناجمة عن تطور العقل. و قد احتفظ ماركس و انجلز بفكرة هيغل حول حركة التطور الدائم و لكنهما طرحا وجهة النظر المثالية المفروضة سلفا. فبالاستناد الى الحياة لاحظا ان ليس تطور العقل هو الذي يفسر تطور الطبيعة بل ان الامر على العكس تماما فيجب ان نعيد منشا العقل الى الطبيعة الى المادة... و خلافا لهيغل و الهيغليين الاخرين كان ماركس و انجلز ماديين. و في اتخاذهما عن العالم و الانسانية مفهوما ماديا لاحظا انه كما ان الاسباب المادية هي في اساس جميع ظاهرات الطبيعة كذلك تطور المجتمع البشري مشروط بتطور القوى المادية المنتجة. ان علاقات الناس فيما بينهم خلال انتاج الاشياء الضرورية لسد حاجات الانسان ترتبط بتطور القوى المنتجة. و في هذه العلاقات نجد التفسير لجميع ظاهرات الحياة الاجتماعية و المطامح و الافكار و القوانين البشرية. ان تطور القوى المنتجة يخلق علاقات اجتماعية ترتكز على الملكية الخاصة، و لكننا نرى اليوم كيف ان تطور القوى المنتجة نفسه ينتزع الملكية من الاكثرية ليحصرها في ايدي اقلية ضئيلة.. انه يلغي الملكية اساس النظام الاجتماعي المعاصر و يسير من نفسه نحو الهدف الذي وضعه الاشتراكيون نصب عيونهم. اما الامر الهام فهو ان يدرك هؤلاء الاشتراكيون اية قوة اجتماعية لها بحكم وضعها في المجتمع المعاصر مصلحة في تحقيق الاشتراكية حتى يبثوا في هذه القوة وعي مصالحها و رسالتها التاريخية. هذه القوة انما هي البروليتاريا. لقد تعرف انجلز على البروليتاريا في انجلترا في مركز الصناعة الانجليزية في منشستر حيث اقام سنة 1842 مستخدما في مؤسسة تجارية كان ابوه مسهما فيها. فان انجلز لم يكتف بعمل بسيط في مكتب المصنع بل زار الاحياء القذرة حيث كان يقطن العمال و حيث استطاع ان يرى بام عينه كل بؤسهم و بلاياهم. و لم يكتف بملاحظاته الشخصية بل قرا ايضا كل ما سجله الغير من قبله عن حالة الطبقة العاملة الانجليزية و درس درسا دقيقا جميع الوثائق الرسمية التي تمكن من الرجوع اليها. ان كتابه "حالة الطبقة العاملة في انجلترا" الذي صدر سنة 1845 كان ثمرة تلك الدراسات و تلك الملاحظات. و لقد ذكرنا انفا الماثرة الرئيسية التي حققها انجلز في مؤلفه "حالة الطبقة العاملة في انجلترا". كثيرا كان عدد الذين تحدثوا حتى قبل انجلز عن آلام البورليتاريا و اكدوا ضرورة مساعدتها. اما انجلز فكان اول من اثبت ان البروليتاريا ليست فقط الطبقة التي تتالم بل ان الحالة الاقتصادية المخزية التي تعانيها البروليتاريا هي التي تدفع بها الى الامام دفعا لا يرد و تحفزها الى النضال في سبيل تحررها النهائي. و الحال ان البروليتاريا المناضلة ستساعد نفسها بنفسها. ان الحركة السياسية للطبقة العاملة ستقود حتما العمال الى ان يدركوا ان ليس ابدا من مخرج امامهم غير طريق الاشتراكية. و الاشتراكية من جهة اخرى لن تصبح قوة الا عندما تصبح الهدف لنضال الطبقة العاملة السياسية. هذه هي الافكار الاساسية في كتاب انجلز عن حالة الطبقة العاملة في انجلترا وهي افكار مقبولة اليوم لدى مجموع البروليتاريا التي تفكر و تناضل و لكنها كانت جديدة كل الجدة في ذلك الحين. ان هذه الافكار قد عرضت في هذا الكتاب المصوغ باسلوب اخاذ و الحافل باصدق المشاهد و اشدها اثارة للرعب عن بؤس البروليتاريا الانجليزية. لقد كان هذا الكتاب صك اتهام رهيب ضد الراسمالية و البرجوازية. و كان الاثر الذي احدثه عظيما. ففي كل مكان كانوا يستشهدون بكتاب انجلز بوصفه خير صورة عن حالة البروليتاريا المعاصرة. و فعلا لم يظهر لا قبل سنة 1845 و لا بعدها عرض حقيقي اخاذ الى هذا الحد لشقاء الطبقة العاملة. لم يصبح انجلز اشتراكيا الا في انجلترا. ففي منشستر اقام علاقات مع اعضاء حركة العمال الانجليزية في ذلك الوقت و اخذ يكتب في المنشورات الاشتراكية الانجليزية. و عند عودته الى المانيا في 1844 و اثناء مروره بباريس تعرف على ماركس. و كان يراسله منذ بعض الحين. ففي باريس و و بتاثير الاشتراكيين الفرنسيين و الحياة الفرنسية كان ماركس قد غدا ايضا اشتراكيا. و هناك كتب الصديقان معا "العائلة المقدسة او انتقاد النقاد". و هذا الكتاب الذي كتب ماركس القسم الاكبر منه و الذي صدر قبل سنة من صدور كتاب : "حالة الطبقة العاملة في انجلترا" يضع الاسس لهذه الاشتراكية المادية الثورية التي عرضنا انفا افكارها الرئيسية. و "العائلة المقدسة" هي تسمية هزلية للاخوين الفيلسوفين باور و اتباعهما. فهؤلاء السادة كانوا يبشرون بالانتقاد الذي يضع نفسه فوق كل اعتبار فوق الاحزاب و فوق السياسة و الذي ينكر كل نشاط عملي و يكتفي بالتامل "من وجهة نظر انتقادية" في العالم الذي يحيط به و في الت تتطور فيه. ان هذين السيدين باور كانا ينظران الى البروليتاريا "من عل" معتبرينها جماعة مجردة من كل تفكير انتقادي. لقد وقف ماركس و انجلز موقفا حازما ضد هذا الاتجاه الضار و الاخرق. و باسم الشخصية الانسانية الفعلية اي العالم الذي تظلمه الطبقات الحاكمة و الدولة طالبا لا بالتامل بل بالنضال في سبيل تنظيم افضل للمجتمع. و هما بالطبع لا يريان الا في البروليتاريا القوة التي لها مصلحة في خوض هذا النضال و التي هي قادرة على خوضه. و قبل نشر كتاب "العائلة المقدسة" نشر انجلز في مجلة ماركس و روغه "الحولية الفرنسية الالمانية" "دراسات انتقادية حول الاقتصاد السياسي" حلل فيها من وجهة نظر الاشتراكية الوقائع الاساسية في النظام الاقتصادي المعاصر الناجمة حتما عن سيطرة الملكية الخاصة. ان صلات ماركس بانجلز قد دفعت الاول بدون جدال الى الاهتمام بالاقتصاد السياسي هذا العلم الذي قامت مؤلفاته بثورة كاملة فيه.

و من سنة 1845 الى 1847 عاش انجلز في بروكسال و باريس رابطا دراسته العلمية بالنشاط العملي بين العمال الالمان في هاتين المدينتين. و في تلك الفترة اقام ماركس و انجلز علاقات مع المنظة الالمانية السرية المسماة "عصبة الشيوعيين" التي عهدت لهما بعرض المبادئ الاساسية للاشتراكية التي صاغاها. و هكذا صدرا في سنة 1848 بيانهما المشهور: "بيان الحزب الشيوعي". ان هذا الكتيب يساوي المجلدات الضخمة: فروحه ما تزال حتى ايامنا تنفذ الى مجموع البروليتاريا المنظمة المناضلة في العالم المتمدن و تحركها.

اما ثورة 1848 التي اندلعت اولا في فرنسا ثم امتدت الى البلدان الاخرى في اوروبا الغربية فقد جعلت ماركس و انجلز يقرران العودة الى بلادهما. و هناك في بروسيا الرينانية قاما على راس الجريدة الديمقراطية "الجريدة الرينانية الجديدة" التي كانت تصدر في مدينة كولونيا. و كان الصديقان روح جميع المساعي الثورية الديمقراطية في بروسيا الرينانية. و قد دافعا باقصى القوة و العزم عن مصالح الشعب و الحرية ضد القوى الرجعية. غير ان الغلبة كانت لهذه القوى الرجعية كما هو معلوم. فعطلت "الجريدة الرينانية الجديدة". و لما كان ماركس قد فقد جنسيته البروسية اثناء هجرته فقد طرد. اما انجلز فقد اشترك في انتفاضة الشعب المسلحة و اشتراك في ثلاث معارك من اجل الحرية. و بعد هزيمة الثوار هرب الى لندن عن طريق سويسرا.

كذلك جاء ماركس و اقام في لندن اما انجلز فقد عاد بعد حين مستخدما من جديد ثم شريكا في المؤسسة التجارية نفسها في منشستر حيث كان قد اشتغل في السنوات الاربعين. و حتى سنة 1870 عاشا انجلز في منشستر و ماركس في لندن. و لكن هذا لم يكن يمنعهما من ان تكون وحدة افكارهما و ثيقة اشد الوثوق. فكانا يتراسلان كل يوم تقريبا. و في هذه المراسلات كان يطالع الصديق صديقه باراءه و معلوماته. و كانا يتابعان معا صياغة الاشتراكية العلمية. و في سنة 1870 اقام انجلز في لندن مواصلا مع ماركس حياتهما الفكرية المشتركة الزاخرة بنشاط شديد حتى عام 1883 عام وفاة ماركس. و قد كانت ثمرة هذا العمل بالنسبة لماركس – كتابه: "راس المال"، اعظم مؤلف في الاقتصاد السياسي في عصرنا. و كانت بالنسبة لانجلز عددا من المؤلفات الكبيرة و الصغيرة. كان ماركس يعمل في تحليل الظاهرات المعقدة في الاقتصاد الراسمالي. و كان انجلز يعرض في مؤلفاته باسلوب واضح و جدلي في كثير من الاحيان اعم القضايا العلمية و مختلف وقائع الماضي و الحاضر ضمن اتجاه المفهوم المادي للتاريخ لدى ماركس و نظريته الاقتصادية. و بين مؤلفات انجلز هذه نذكر كتابه الجدلي "ضد دوهرنغ" (الذي حلل فيه اهم قضايا الفلسفة و العلوم الطبيعية و الاجتماعية) و كتابه "اصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة" و" لودفيغ فيورباخ" و مقالا حول السياسة الخارجية للحكومة الروسية و المقالات الرائعة حول مسالة السكن و اخيرا مقالين موجزين عن التطور الاقتصادي في روسيا و لكنهما ذا قيمة كبيرة ("فريديريك انجلز يكتب عن روسيا"). و قد توفي ماركس قبل ان يتمكن من انجاز مؤلفه العظيم عن راس المال. اما مسودة المخطوطة فكانت جاهزة. و هكذا قام انجلز بالعبء الثقيل بعد وفاته صديقه فنقح و اصدر المجلدين الثاني و الثالث من "راس المال": فقد نشر المجلد الثاني في 1885 و الثالث في 1894 (و لم يتوافر له الوقت لتحضير المجلد الرابع). و لقد اضطر لبذل مجهود كبير جدا لتحضير و اصدار المجلدين المذكورين. و قد لاحظ الاشتراكي – الديمقراطي النمساوي ادلر بحق ان انجلز باصداره المجلدين الثاني و الثالث من "راس المال" قد نصب لصديقه العبقري اثرا جليلا كتب عليه دونما قصد باحرف لا تمحى اسمه الخاص الى جانب اسم ماركس. فان هذين المجلدين من "راس المال" هما بالفعل عمل ماركس و انجلز المشترك. ان الاساطير القديمة تروي امثلة مؤثرة عن الصداقة و بوسع البروليتاريا الاوروبية ان تقول ان علمها قد خلقه عالمان و مناضلان تفوق علاقتهما الشخصية ما ترويه جميع اساطير الاقدمين البالغة الاثر عن الصداقة بين الناس. ان انجلز قد وضع نفسه دائما – و حقا من حيث الاساس – بعد مرتبة ماركس. و قد كتب لاحد اصدقائه القدماء يقول: "لقد كنت دائما ثاني عازف على الكمان بجانب ماركس". لقد كان حبه لماركس حيا، وتكريمه لذكراه، ميتا، لا حد لهما. فهذا المناضل الصارم و المفكر الشديد كان يتمتع بروح محبة على نحو عميق.

بعد حركة 1848 – 1849 لم يتجل نشاط ماركس و انجلز في المنفى في ميدان العلم فقط. فقد اسس ماركس في سنة 1864 "جمعية الشغيلة العالمية" التي امن قيادتها مدة عشر سنوات. و كذلك اسهم انجلز بقسط نشيط في شؤونها. اما "الجمعية العالمية" التي كانت حسب فكرة ماركس توحد البروليتاريين من جميع البلدان فقد كان نشاطها ذا اهمية كبرى في تطور الحركة العمالية. و مع ان هذه الجمعية قد حلت في السنوات السبعين فان الدول التوحيدي الذي قام به ماركس و انجلز لم يتوقف بل خلافا لذلك نستطيع القول بان دورهما كمرشدين فكريين للحركة العمالية كان يتعاظم دائما لان الحركة نفسها كانت تتطور دونما توقف. و بعد وفاة ماركس اصبح انجلز وحده المستشار و المرشد للاشتراكيين الاوروبيين. و اليه كان ياتي لطلب النصائح و الارشادات الاشتراكيون الالمان الذين لم تنفك قوتهم تنمو نموا سريعا رعم الاضطهادات الحكومية و كذلك ممثلوا البلدان المتاخرة: الاسبانيون و الرومانيون و الروس الذي كان عليهم ان ينتصروا و يزنوا خطاهم الاولى. فقد كانوا جميعا ينهلون من الينبوع الدفاق ينبوع معارف الشيخ انجلز و تجربته.

ان ماركس و انجلز اللذين كانا يعرفان الروسية و يقران الادب بهذه اللغة كان يهتمان بروسيا اهتماما شديدا و يتبعان بعطف الحركة الثورية في هذه البلاد و يقيمون العلاقات مع الثوريين الروس. لقد كان كلاهما ديمقراطيا قبل ان يصبحا كلاهما اشتراكيا. و كان شعورهما الديمقراطي الذي يدفعهما الى الحقد على التعسف السياسي قويا الى الحد الاقصى. ان هذا الشعور السياسي الفطري بالاضافة الى فهم نظري عميق للعلاقة بين التعسف السياسي و الطغيان الاقتصادي، و الى تجربة غنية في الحياة، كل هذا جعل ماركس و انجلز يتمتعان بحس مرهف في الميدان السياسي بالذات. و لذا فان النضال البطولي الذي كانت تقوم به حفنة قليلة من من الثوريين الروس ضد الحكومة القيصرية الكلية الجبروت قد لا قى اشد ما يكون من العطف في قلب كل من هذين الثوريين المجربين. و عكسا لذلك فان محاولة الاعراض باسم منافع اقتصادية مزعومة عن اهم المهمات و اكثرها الحاحا الموضوعة امام الثوريين الروس و نعني بها الظفر بالحرية السياسية ان هذه المحاولة كانت تبدو لهما بطبيعة الحال شيئا مشتبها فيه بل كانا يعتبرانها بكل بساطة خيانة لقضية الثورة الاجتماعية الجليلة. "ان تحرير البروليتاريا يجب ان يكون من عمل البروليتاريا نفسها". هذا ما علمه دائما ماركس و انجلز. و لكن لكي تناضل البروليتاريا في سبيل تحررها الاقتصادي يجب عليها ان تظفر ببعض الحقوق السياسية. و من جهة اخرى كان ماركس و انجلز يريان بوضوح ان الثورة السياسية في روسيا ستكون لها اهمية عظيمة بالنسبة للحركة العمالية في اوروبا الغربية ايضا. فان روسيا الاوتوقراطية كانت دائما حصن الرجعية الاوروبية كلها. ان وضع روسيا الدولي الملائم الى اقصى حد و الناشئ عن حرب سنة 1870 التي بذرت الخلاف بين المانيا و فرنسا مدة طويلة قد زاد زيادة لا تقبل الجدل من اهمية روسيا الاوتوقراطية بوصفها قوة رجعية. فقط روسيا حرة لا تعود في حاجة لا الى اضطهاد البولونيين و الفنلنديين و الالمان و الارمن و غيرهم من الشعوب الصغيرة و لا الى العمل دائما على تحريض المانيا و فرنسا احداهما على الاخرى ستتيح لاوروبا المعاصرة ان تتنفس الصعداء اخيرا من اعباء الحرب و ستضعف جميع العناصر الرجعية في اوروبا و تزيد قوة الطبقة العاملة الاوروبية. و لهذا السبب و في سبيل نجاح الحركة العمالية في الغرب ايضا كان انجلز يرغب رغبة حارة في ان تقوم الحرية السياسية في روسيا. لقد فقد الثوريون الروس في شخصه خير صديق لهم.

الذكرى الخالدة للمناضل العظيم و لمربي البروليتاريا الكبير فيريديريك انجلز.



مصادر الماركسية الثلاثة و اقسامها المكونة الثلاثة

يثير مذهب ماركس في مجمل العالم المتمدن اشد العداء و الحقد لدى العلم البرجوازي كله (سواء الرسمي او الليبيرالي) اذ يرى في الماركسية ضربا من "بدعة ضارة". ليس بالامكان توقع موقف اخر اذ لا يمكن ان يكون ثمة علم اجتماعي غير متحيز في مجتمع قائم على النضال الطبقي. فكل العلم الرسمي و الليبيرالي يدافع بصورة او باخرى عن العبودية الماجورة بينما الماركسية اعلنتها حربا لا هوادة فيها ضد هذه العبودية. ان تطلب علما غير متحيز في مجتمع قائم على العبودية الماجورة لمن السذاجة الصبيانية كان تطلب من الصناعيين عدم التحيز في مسالة ما اذا كان يجدر تخفيض ارباح الراسمال من اجل زيادة اجرة العمال.

و لكن ليس ذلك كل ما في الامر فان تاريخ الفلسفة و تاريخ العلم الاجتماعي يبينان بكل وضوح ان الماركسية لا تشبه "الانعزالية" بشيء بمعنى انها مذهب متحجر و منطو على نفسه قام بمعزل عن الطريق الرئيسي لتطور المدنية العالمية. بل بالعكس فان عبقرية ماركس كلها تتقوم بالضبط في كونه اجاب على الاسئلة التي طرحها الفكر الانساني التقدمي. و قد ولد مذهبه بوصفه التتمة المباشرة الفورية لمذاهب اعظم ممثلي الفلسفة و الاقتصاد السياسي و الاشتراكية.

ان مذهب ماركس لكلي الجبروت لانه صحيح. و هو متناسق و كامل و يعطي الناس مفهوما منسجما عن العالم لا يتفق مع اي ضرب من الاوهام و مع اية رجعية و مع اي دفاع عن الطغيان البرجوازي. وهو الوريث الشرعي لخير ما ابدعته الانسانية في القرن التاسع عشر: الفلسفة الالمانية و الاقتصاد السياسي الانجليزي و الاشتراكية الفرنسية.

و اننا سنتناول بايجاز مصادر الماركسية الثلاثة هذه التي هي في الوقت نفسه اقسامها المكونة الثلاثة. ان المادية هي فلسفة الماركسية. ففي غضون كل تاريخ اوروبا الحديث و لا سيما في اواخر القرن الثامن عشر، في فرنسا، حيث كان يجري نضال حاسم ضد كل نفايات القرون الوسطى، ضد الاقطاعية في المؤسسات و في الافكار كانت المادية الفلسفة الوحيدة المنسجمة الى النهاية و الامينة لجميع تعاليم العلوم الطبيعية و المعادية للاوهام و لتصنع التقوى الخ.. و لذا بذل اعداء الديمقراطية كل قواهم "لدحض" المادية لتقويضها للافتراء عليها و دافعوا عن شتى اشكال المثالية الفلسفية التي تؤول ابدا على نحو او اخر الى الدفاع عن الدين او الى نصرته.

و قد دافع ماركس و انجلز بكل حزم عن المادية الفلسفية و بينا مرار عديدة ما في جميع هذه الانحرافات عن هذا الاساس من اخطاء عميقة. ووجهات نظرهما معروضة باكثر ما يكون من الوضوح و التفاصيل في مؤلفي انجلز: "لودفيغ فويرباخ" و " ضد دوهرنغ" اللذين هما على غرار "البيان الشيوعي" الكتابان المفضلان لدى كل عامل واع.

و لكن ماركس لم يتوقف عند مادية القرن الثامن عشر بل دفع الفلسفة خطوات الى الامام. فاغناها بمكتسبات الفلسفة الكلاسيكية الالمانية و لا سيما بمكتسبات مذهب هيغل الذي قاد بدوره الى مادية فويرباخ. و اهم هذه المكتسبات، الديالكتيك، اي نظرية التطور باكمل مظاهرها و اشدها عمقا و اكثرها بعدا عن ضيق الافق نظرية نسبية المعارف الانسانية التي تعكس المادة في تطورها الدائم. ان احدث اكتشافات العلوم الطبيعية – الراديوم و الالكترونات و تحول العناصر – قد اثبتت بشكل رائع صحة مادية ماركس الديالكتيكية رغم انف مذاهب الفلاسفة البرجوازيين و رغم رداتهم "الجديدة" نحو المثالية القديمة المهتزلة.

و لقد عمق ماركس المادية الفلسفية و طورها فانتهى بها الى نهايتها المنطقية ووسع نطاقها عن معرفة الطبيعة الى معرفة المجتمع البشري. ان مادية ماركس التاريخية كانت اكبر انتصار احرزه الفكر العلمي. فعلى اثر البلبلة و الاعتباط اللذين كانا سائدين حتى ذلك الحين في مفاهيم السياسة و التاريخ جاءت نظرية علمية روعة في التناسق و التجانس و الانسجام تبين كيف ينبثق و يتطور من شكل معين من التنظيم الاجتماعي و من جراء نمو القوى المنتجة شكل اخر ارفع – كيف تولد الراسمالية من الاقطاعية، مثلا.

و كما ان معرفة الانسان تعكس الطبيعة القائمة بصورة مستقلة عنه اي المادة في طريق التطور كذلك تعكس معرفة الانسان الاجتماعية (اي مختلف الاراء و المذاهب الفلسفية و الدينية و السياسية الخ.) نظام المجتمع الاقتصادي. ان المؤسسات السياسية تقوم كبناء فوقي على اساس اقتصادي. فاننا نرى مثلا كيف ان مختلف الاشكال السياسية للدول الاوروبية العصرية هي ادوات لتعزيز سيطرة البرجوازية على البروليتاريا.

ان فلسفة ماركس هي مادية فلسفية كاملة اعطت الانسانية و الطبقة العاملة بخاصة ادوات جبارة للمعرفة.

بعدما لاحظ ماركس ان النظام الاقتصادي يشكل الاساس الذي يقوم عليه البناء الفوقي السياسي اعار انتباهه اكثر ما اعاره لدراسة هذا النظام الاقتصادي. و مؤلف ماركس الرئيسي "راس المال" مكرس لدراسة النظام الاقتصادي في المجتمع الحديث اي الراسمالي.

لقد تكون الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ما قبل ماركس في انجلترا و كانت اكثر البلدان الراسمالية تطورا. فقد درس ادم سميث و دافيد ريكاردو النظام الاقتصادي فسجلا بداية نظرية القيمة- العمل. وواصل ماركس عملهما فاعطى هذه النظرية اساسا علميا خالصا و طورها بصورة منسجمة الى النهاية. و بين ان قيمة كل بضاعة مشروطة بوقت العمل الضروري اجتماعيا لانتاج هذه البضاعة.

و حيث كان الاقتصاديون البرجوازيون يرون علاقات بين الاشياء ( مبادلة بضاعة ببضاعة اخرى) اكتشف ماركس علاقات بين الناس. ان تبادل البضائع يعبر عن الصلة القائمة بواسطة السوق بين المنتجين المنفردين و المال (النقد) يعني ان هذه الصلة تزداد وثوقا جامعة في كل واحد لا يتجزا كل حياة المنتجين المنفردين الاقتصادية. و الراسمال يعني استمرار تطور هذه الصلة: فان قوة عمل الانسان تغدو بضاعة. فالاجير يبيع قوة عمله لمالك الارض و لصاحب المصنع و ادوات الانتاج. و العامل يستخدم قسما من يوم العمل لتغطية نفقات اعالته و اعالة اسرته (الاجرة) و يستخدم القسم الاخر للشغل مجانا خالقا للراسمالي القيمة الزائدة التي هي مصدر الربح مصدر اثراء للطبقة الراسمالية.

ان نظرية القيمة الزائدة تشكل حجر الزاوية في نظرية ماركس الاقتصادية.

ان الراسمال الذي يخلقه عمل العامل ينيخ بثقله على العامل و يخرب صغار ارباب العمل و ينشئ جيشا من العاطلين عن العمل. و انتصار الانتاج الضخم و استخدام الالات يزدادان و الاستثمارات الفلاحية تقع في ربقة الراسمال النقدي و تنحط و يحل بها الخراب تحت وطاة تكنيكها المتاخر. ان اشكال هذا الانحطاط في الانتاج الصغير تختلف في الزراعة عنها في الصناعة و لكن الانحطاط نفسه واقع لا جدال فيه.

ان الراسمال اذ يتغلب على الانتاج الصغير يؤدي الى زيادة انتاجية العمل و الى خلق وضع احتكاري في صالح جمعيات الراسماليين الكبار. و صفة الانتاج الاجتماعية تزداد بروزا يوما بعد يوم. مئات الالاف و الملايين من العمال يجمعون في هياة اقتصادية متناسقة بينما قبضة من الراسماليين تستملك نتاج العمل المشترك. و تشتد فوضى الانتاج و الازمات و الركض المجنون وراء الاسواق و عدم ضمان العيش لسواد السكان.

ان النظام الراسمالي يزيد من تبعية العمال ازاء الراسمالي و يخلق في الوقت نفسه قدرة العمل الموحد الكبيرة. لقد تتبع ماركس تطور الراسمالية منذ عناصر الاقتصاد الراسمالي الاولية، التبادل البسيط، حتى اشكالها العليا، الانتاج الكبير.

و ان تجربة جميع البلدان الراسمالية القديمة منها و الجديدة تبين بوضوح و سنة بعد سنة صحة مذهب ماركس هذا لعدد متزايد من العمال.

لقد انتصرت الراسمالية في العالم باسره و لكن هذا الانتصار ليس سوى المقدمة لانتصار العمل على الراسمال.

عندما دك النظام الاقطاعي و راى المجتمع الراسمالي الحر النور تبين فورا ان هذه الحرية تعني نظاما جديدا لاضطهاد الشغيلة و استثمارهم. وفورا اخذت تنبثق شتى المذاهب الاشتراكية انعكاسا لهذا الاضطهاد و احتجاجا عليه. و لكن الاشتراكية البدائية كانت اشتراكية طوباوية فقد كانت تنتقد المجتمع الراسمالي و تشجعه و تلعنه و تحلم بازالته و تتخيل نظاما افضل و تسعى الى اقناع الاغنياء بان الاستثمار مناف للاخلاق.

و لكن الاشتراكية الطوباوية لم تكن بقادرة على الاشارة الى مخرج حقيقي. و لم تكن لتعرف كيف تفسر طبيعة العبودية الماجورة في ظل النظام الراسمالي و لا كيف تكتشف قوانين تطور الراسمالية و لا كيف تجد القوة الاجتماعية القادرة على ان تصير خالقة المجتمع الجديد.

غير ان الثورات العاصفة التي رافقت سقوط الاقطاعية، القنانة، في كل مكان من اوروبا و خاصة في فرنسا بينت بوضوح متزايد على الدوام ان النضال الطبقي هو اساس كل التطور و قوته المحركة.

فما من حرية سياسية تم انتزاعها من طبقة الاقطاعيين دون مقاومة يائسة. و ما من بلد راسمالي قام على اساس حر ديمقراطي الى هذا الحد او ذاك دون قيام نضال حتى الموت بين مختلف طبقات المجتمع الراسمالي.

و من عبقرية ماركس انه كان اول من استخلص هذا الاستنتاج الذي ينطوي عليه الترايخ العالمي و طبقه بصورة منسجمة الى النهاية. و هذا الاستنتاج هو مذهب النضال الطبقي.

لقد كان الناس و سيظلون ابدا في حقل السياسة اناسا سذجا يخدعهم الاخرون و يخدعون انفسهم ما لم يتعلموا استشفاف مصالح هذه الطبقات او تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الاخلاقية و الدينية و السياسية و الاجتماعية. فان انصار الاصلاحات و التحسينات سيكونان ابدا عرضة لخداع المدافعين عن الاوضاع القديمة طالما لم يدركوا ان قوى هذع الطبقات السائدة او تلك تدعم كل مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و اهتراء. فلكي نسحق مقاومة هذه الطبقات ليس ثمة سوى وسيلة واحدة هي ان نجد في نفس المجتمع الذي يحيط بنا القوى التي تستطيع - و ينبغي عليه بحكم وضعها الاجتماعي – ان تغدو القوة القادرة على تكنيس القديم و خلق الجديد ثم ان نثقف هذه القوى و ننظمها للنضال.

فقط مادية ماركس الفلسفية بينت للبروليتاريا الطريق الواجب سلوكه للخروج من العبودية الفكرية التي كانت تتخبط فيها حتى ذاك جميع الطبقات المظلومة. فقط نظرية ماركس الاقتصادية اوضحت وضع البروليتاريا الحقيقي في مجمل النظام الراسمالي.

ان المنظمات البروليتارية المستقلة تتكاثر في العالم باسره من امريكا الى اليابان و من اسوج افريقيا الجنوبية و البروليتاريا تتعلم و تتربى في غمرة نضالها الطبقي و تتحرر من اوهام المجتمع البرجوازي و تزداد تلاحما على الدوام و تتعلم كيف تقدر نجاحاتها حق قدرها و توطد قواها و تنمو بشكل لا مرد له.

لينين

خريف 1895