تحية ثورية لكل رفيق...لكل تقدمي

ستنتصر الطبقة العاملة في صراعها حتما ضد البورجوازية

dimanche 19 septembre 2010

فؤاد النّمري:الليبراليون لا يعرفون معنى الليبرالية (الحرية


من أغرب المفارقات هي أن الليبراليين ــ وهذه كنيتهم بالإنجليزية ومعناها بالعربية الأحرار أو أنصار الحرية ــ لا يعرفون الليبرالية أو الحرية التي يُتكنون بها حتى ولا أيّاً من مدلولاتها، ومع ذلك صدعوا رؤوسنا وهم يزعقون في مختلف منابرهم بخطابات تقدس الحرية التي هي طلسمهم. ليس لدي تفسير لهذه المفارقة الغريبة سوى أن هؤلاء الليبراليين إنما هم مأجورون، دون وعيٍ منهم، من قبل القوى الرجعية التي تحلم في أن تتوقف الشمس في كبد السماء دون أن يأتي اليوم الآخر ويتقدم التاريخ إلى الأمام. وليس أدل على ذلك من أن فيلسوف الليبراليين في العالم اليوم فرانسس فوكوياما (Francis Fokoyama) نادى بنهاية التاريخ.

ينادي الليبراليون بحق كل شخص في المجتمع أن يعتقد فيما يشاء، ويجهر بعقيدته بكل الوسائل المتاحة، ويدعو الآخرين لتبني عقيدته والتحزب لها، وتنظيم الحزب المناضل في سبيل تحقيق منطوق هذه العقيدة على الأرض. يجب توفير كل هذا لسائر أفراد المجتمع دون زجر أو قهر من قبل السلطات المختصة. يقول الليبراليون بكل هذا لكنهم لا يعلمون التداعيات التي تترتب على مثل هذه الأقوال.

التطبيق العملي لمفهوم الحرية لدى الليبراليين هو أنه لكل شخص كامل الحرية في الحفاظ على كينونته والدفاع عنها، وتتمثل هذه الكينونة برأي الفيلسوف الإنجليزي مؤسس الليبرالية جون لوك (John Locke 1632 – 1704) بالحياة، والصحة، والحرية، والممتلكات، التي جميعها تتحقق عبر أسلوب الإنتاج وعلاقات الإنتاج التي بدورها تحدد علاقة الإنسان بالمجتمع وبالطبيعه. وهذا ما ينعكس بالتالي في انقسام المجتمع إلى طبقات لكل طبقة أسلوبها الخاص في الإنتاج، كما يقيم الأساس المادي الذي لا يزول ــ تبعاً للمفهوم الليبرالي ــ للصراع الطبقي. فالدولة الليبرالية ــ وهي دولة لا وجود لها إذ أن الدولة هي في النهاية منظمة طبقية ــ عليها أن تحمي كافة الطبقات ولا تسمح باندثار أي طبقة وبذلك تتخلد وسائل الإنتاج ولا يعود التاريخ يتقدم نهائياً. من هنا طلع علينا فوكوياما بنظريتة عن نهاية التاريخ. غير أن التاريخ القريب الذي عايناه وعانينا من أحكامه أثبت أن كل تصورات الليبراليين ودعاواهم مجرد أوهام حيث أن وقائع التاريخ جرت على عكس ما يزعمون. ثم إن الدولة التي تقف على مسافة واحدة من كافة الطبقات هي بحكم وظيفتها لا تنتمي لأي طبقة من طبقات المجتمع وهو ما يفترض أنها مستوردة من خارج مجتمعها الأمر الذي لم يحدث قط عبر التاريخ.

الإتصاف بالليبرالية لا يدل على الموصوف بأية دالة. فالدولة الليبرالية هي الدولة التي تتشكل عبر الإنتخابات العامة الدورية التي تسمي نواب الشعب الذين يزكون الحكومة التي تصون الحريات العامة. اقتصرت أفكار ومبادئ الليبراليين على تحديد وتشكيل البنية السياسية والإدارية للدولة. لكن هذه البنية ما كانت لتقوم كما هو معروف إلا لخدمة البنية الإقتصادية، والبنية الإقتصادية تتغير باستمرار وعندما لا تتغير وتنمو بالنسبة المتوقعة يتنادى أهل الإختصاص للبحث في علة عدم النمو. وتبعاً لتغير البنية الإقتصادية تتغير بالتساوق البنية ال9سياسية. وبناء على ذلك فإن المعنى الأول والمباشر لليبرالية، أي الإنتصار للحرية، إنما هو مجرد وهم لا وجود له. فالدولة الليبرالية سياساتها مقيدة بشروط التنمية الإقتصادية. زعيق الليبراليين حول تقديس طلسم الحرية ليس في جوهره إلا دخاناً يغطي بعض الشروط القاسية للتنمية الإقتصادية والشروط المجحفة للإنتاج وأولها استغلال العمال.

الأفكار الليبرالية الأولى جاء بها جون لوك في القرن السابع عشر تأسيساً لقيام الدولة البورجوازية التي ترعى شروط الإنتاج البورجوازي المتجسدة على الأرض آنذاك في الصناعات اليدوية (Handicrafts) وفي الرأسمالية التجارية (Mercantilism) التي ازدهرت في بريطانيا في عصر الملكة اليزابيث الأولى (1533 ــ 1603). الدولة التي أخذت تتلبرل (Liberalization) إذّاك رافق لبرلتها إلغاء الطبقة الإقطاعية عن طريق استخدام قوى القمع خلافاً لكل الدعاوى الليبرالية. وخلال الثورة الصناعية (1750 ـ 1850) وتكامل لبرلة الدولة، قامت هذه الدولة الرأسمالية المتصفة بالليبرالية بأفظع جريمة بحق الإنسانية. لقد جرى تحطيم أدوات الإنتاج اليدوية وتصفية نقابات المهنيين (Guild Masters). لقد تم تصفية طبقة اجتماعية عريضة من خلال حرمانها من أدنى وسائل الحياة. وبوسع الذين عمّروا في القرن العشرين أن يتصوروا فظاعة جريمة الدولة الليبرالية في تصفية طبقة المهنيين من خلال الحروب التي شنتها جيوش بريطانيا الليبرالية الإمبريالية على الكثير من شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والجرائم التي ارتكبتها هناك، كما في الحرب الهمجية التي شنتها الولايات المتحدة الليبرالية الإمبريالية على شعب فيتنام وأحرقت البشر والحجر والشجر وكانت بحجة الدفاع عن الحرية.

انقلاب الطبقة الوسطى السوفياتية جرى في عهد خروشتشوف 1954 ـــ 1964 باستخدام القوى العسكرية. إزاحة مالنكوف من الأمانة العامة للحزب وما رافقه من تعطيل للخطة الخمسية جرى في العام 1954 من خلال تعاون خروشتشوف مع جنرالات الجيش. وكان تدخل العسكر في الإنقلاب على قيادة الحزب وطرد نصف عدد أعضائها في حزيران 57 ، وأخيراً الإنقلاب على خروشتشوف في العام 64 وكان عسكرياً بفظاظة مفضوحة. أما انقلاب الطبقة الوسطى في العالم الرأسمالي فقد جرى بشكل سلمي وجاء نتيجة إفلاس الرأسمالية الأميركية جرّاء تورطها في حربها ضد الشعب الفيتنامي إلى أن استنفذت كل قواها وانهزمت. مؤتمر الرأسماليين الخمسة الكبار في رامبوييه 1975 قرر تنازل الرأسماليين عمّا تبقى في إيديهم من أدوات الإنتاج الرأسمالي خاصة وأن دائرة الإنتاج الرأسمالي كانت قد تعطلت نهائياً جرّاء استقلال دول العالم الثالث وفك روابطها مع مراكز الرأسمالية في العالم.

إنقلاب الطبقة الوسطى على البروليتاريا في العالم الإشتراكي وعلى الرأسماليين في العالم الرأسمالي وقع بالطبع قطعاً لطريق الوصول إلى الشيوعية. البورجوازية الوضيعة بحكم ضعتها لا ترى أبعد من أنفها. قطعت طريق البروليتاريا نحو الشيوعية واستبدت بالسلطة لكن كيف لها أن تطعم شعوبها بدون العمال!؟ إنتاج الخدمات هي حصة الطبقة الوسطى من مجمل الإنتاج القومي لكن الخدمات ليست من احتياجات الشعوب الحيوية؛ تتنعم الشعوب بالخدمات نعم، لكنها ليست من احتياجاتها الحيوية الأساسية. الطبقة الوسطى أعجز من أن تبني شبكة أمان لشعبها. العمال والفلاحون وحدهم هم القادرون على تأمين تلك الشبكة. الأزمة الفريدة غير الرأسمالية التي لم يحلم بها كارل ماركس وتمسك بخناق العالم اليوم وتشكل خطورة جدية قاتلة على حياة العالم ومستقبله تتأتّى من استفراد البورجوازية الوضيعة بالسلطة رغم عجزها الفاضح عن تأمين شبكة أمان لشعوبها وعن إطعامها. تعوض عجزها هذا من خلال نهب العمال بصورة وحشية لم يقارف مثله الرأسماليون. كان الرأسماليون يسرقون من العمال 20 ــ 25% من إنتاجهم وهو نسبة فائض القيمة، أما الطبقة الوسطى فهي تستبدل خدماتها بأربعة أضعاف أو خمسة أضعاف قيمتها من السلع بداعي أن خدماتها تستبطن المعرفة التي لا تقارن بجهد العامل العضلي، وأخذ إقتصاديو البورجوازية الوضيعة يتحدثون عن اقتصاد المعرفة بزعم أن المعرفة أصبحت هي العامل الحدي في القيمة. التأسيس على مزاعم اقتصاد المعرفة، وهو ما تعمل علية دولة الرفاه كاشفة عن طبيعتها كدولة الطبقة الوسطى، ضد العمال والرأسماليين، مثل هذا التأسيس اقتضى مباشرة إلغاء قانون القيمة الرأسمالية الذي يحول دون نهب العمال من قبل منتجي الخدمات بدعوى إنتاج المعرفة. وبإلغاء قانون القيمة الرأسمالية تُلغى السوق بصورة آلية. مبادلة الخدمات بأضعاف قيمتها بالسلع تجري خارج السوق، وادعاءات الليبراليين بأن البنية السياسية الليبرالية إنما هي البنية الفوقية لاقتصاد السوق هو خداع وتضليل يهدف إلى تبرير إفتراس الطبقة العاملة من قبل الطبقة الوسطى، وتشريع ما يسمى باقتصاد المعرفة.

الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة الأميركية تنتج سنوياً من الخدمات ما قيمته الإسمية أكثر من 9 تريليون دولاراً مقابل أقل من 3 تريليون دولاراً من السلع ينتجه العمال. في السوق الداخلية تتبادل الطبقتان الإنتاج بما قيمته 2.5 تريليون تقريباً لكل منهما، تشتري الطبقة الوسطى سلعاً بقيمة 2.5 تريليون وتدفع للطبقة العاملة خدمات بذات القيمة بالإسم فقط، أما فعليا فلا يأخذ العمال بالمقابل أكثر من نصف تريليون ولذلك رأينا الطبقة العاملة تنكمش خلال الربع الأخير من القرن المنصرم بنسبة هائلة تقارب 60%. ما تبقى لدى الطبقة الوسطى من إنتاج الخدمات وهو أكثر من 6.5 تريليون فتستهلك منه جزءاً مناسباً وتبيع جزءاً آخر في الأسواق الخارجية وما لا تبيعه يضيع فاقداً للقيمة. المفارقة هنا هو أن الطبقة العاملة لا تستطيع أن تستغني عن أكثر من 2.5 تريليون دولاراً من إنتاجها للطبقة الوسطى وهذا لا يسد نصف ما تستهلكه الطبقة الوسطى من السلع وأما النصف الآخر فيتوجب تدبيره عن طريقين، إحداهما مبادلة ما تسوقه من خدمات في الأسواق الخارجية بالسلع المطلوبة، والأخرى بالاستدانة. لذلك وصلت الديون الخارجية للولايات المتحدة 17 تريليون دولاراً وهو ما يعادل 150% من مجمل إنتاجها القومي، هذا عداك عن الديون الداخلية التي تساوي ضعف الدين الخاجي؛ وقد تحقق كا هذا خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وعليه، تعتبر الولايات المتحدة الأميركية دولة مفلسة ولكن لم يعلن إفلاسها بسبب التزوير والإحتيال. مؤتمر الخمسة الكبار في رامبوييه 1975 سمح للولايات التحدة بأن تصدر نقدها بدون غطاء، وهي اليوم تعيش على الدولار المزور وقد طبعت منه منذ العام 1975 حوالي 600 تريليون دولاراً حسب تقدير جملة من خبراء المال والإقتصاد. الدول التي ما زالت تشتري الدولار الأميركي المزور تساهم في جر العالم إلى كارثة تتعدى مأساويتها كل التصورات. في وقت قريب وفي ساعة محددة سيوجّه للعالم ضربة قاضية بقوة 1000 تريليون دولاراً فكيف سيكون حاله بعد الضربة!!؟

السادة الليبراليون الذين يكتبون حولنا لجأوا مؤخراً إلى تبرير دعاواهم بمثال الدول الاسكندينافية وخاصة الدانيمارك والسويد. يرفعون أصواتهم مستنكرين الدعوة للإشتركية بداعي أن السويد والدانيمارك في بلهنية لم تحلم بها الدول الإشتراكية سابقاً. السادة الليبراليون يستغفلوننا ويسوقون إلينا فرجتهم على ظواهر الأمور في الدول الإسكندينافية. الدول الإسكندينافية وسائر الدول الغربية الموالية للسياسة الأميركية تستظل في خيمة الدولار الزائفة. حالتها ليست أفضل من حالة الولايات المتحدة كثيراً فالإنتاج الدانيماركي والسويدي يعتمد بصورة رئيسية على إنتاج الخدمات وبنسبة تزيد عن 70% وعليه يتحصّل السويديون والدانيماركيون على أسباب عيشهم بالإستدانة. كل مواطن دانيماركي وسويدي هو مدين بعشرة آلاف دولار. مديونتهما مثل مديونية لبنان الذي يلوذ بالدعم السعودي كيلا ينهار وكذلك السويد والدانيمارك تلوذان بالدعم الأميركي فالميزان التجاري السويدي الأميركي مثلاً يميل بمقدار 9 مليار دولار لصالح السويد. الليبراليون الذين يلوذون بالرفاه السويدي والدانيماركي كي يهاجموا الإشتراكية والماركسية لم يكلفوا أنفسهم بالتحقق من أن الرفاه في الدول الإسكندينافية بل وفي سائر الدول في غرب أوروبا وفي الولايات التحدة إنما هو رفاه زائف لن يعمر طويلاً، وسيتسبب بكارثة كونية للإنسانية.

فؤاد النمري

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire